ليس بعيداً عن كل لبيب ما للقدوة من تأثير كبير على سلوكيات الفرد والمجتمع، والتي هي من أسس طرائق التربية والتعليم ولما للقدوة من دور كبير في التقرب إلى الله تعالى، ودورها على مستوى الحركة الاجتماعية والتربوية. ولكن؛ الأهم هو معرفة القدوة الصالحة من غيرها ممن ينصب نفسه قدوة، ونحن المسلمين نؤمن بأن قدوتنا الأولى دينياً واجتماعياً وسياسياً وفي كل مجالاتنا هم؛ المعصومون بلا شك، لما يملكون من تكامل للصفات والخصال، ومن الذين اختارهم الله تعالى؛ بدءاً من نبي الله آدم، عليه السلام، وانتهاء بالحجة المنتظر، عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولكن المشكلة تكمن في طريقة اختيارنا للقدوة الثانوية من أشخاص غير معصومين، لذا علينا أن نكون دقيقين في اختيارنا لهم كقدوة، لنا ولأبنائنا، لأن القدوة كما هو معروف له دور أساس في تربية الأبناء والأفراد؛ فقد أكد ديننا الإسلامي وعلم النفس الاجتماعي على جعل قدوة للشخص منذ نعومة أظافره، لما للقدوة من دور رئيس في ميل الشخص للسلوك الحسن، والمربي هو القدوة الأولى في حياة الطفل حتى ينضج فيميل إلى أن يتأثر بأشخاص آخرين قدوة له مع بقاء القدوة الأصل وهم المعصومون قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، (سورة الأحزاب، الآية21)، وعن الإمام الصادق، عليه السلام، انه قال: “لا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء، لأنه المنهج الأوضح والمقصد الأصح”.
-
صفات القدوة الناجحة والمؤثرة
لكي نميز القدوة الحسنة ممن يدّعي هذا المقام، لابد من وجود صفات فاصلة بينهما، وإن معرفتنا للقدوة الصالحة هو لعدم فسح المجال أمام من يدعي التصدّي لاتباعه من غير المنضبطين سواء أ كانوا ممن لا دين لهم أم ممن يتظاهرون بالدين؛ فهناك بعض الأشخاص ممن يعجبوننا وهم يتحدثون بلسان جميل ظاهراً دينياً أو ثقافياً ولكنهم لا يصلحون قدوة لما يحملون من صفات سلبية، ولذلك لا بد من التطرق لبعض صفات القدوة الصالحة والتي منها:
1- الصلاح
يجب أن يكون القدوة شخصاً معروفاً بسيرته الحسنة، و بمواقفه النبيلة سواء أ كان قدوة في الأسرة، أم على الصعيد الاجتماعي والديني، وهنا يجب أن نكون دقيقين في اختيار القدوة وأن نفرق بين أشخاص يريدون أن يصنعوا لهم شخصية ذات أبعاد أخلاقية أو دينية أو ثقافية وهمية لا حقيقة لها في الأصل، الغاية منها جذب القلوب والأنظار لهم حتى يكسبوا حب الناس لغايات ومصالح معينة، لذا علينا الانتباه لمثل هؤلاء ونفرق بينهم وبين من يحمل العلم الحقيقي والأخلاق مع العمل بهما، لأن القدوة السيئة تزل أقدام قوم كثيرين خلفها.
ومعرفة الشخص للقدوة لا يكفي أن تكون بمجرد العلم بما يملك من صفات، وإنما معرفتها عن طريق آثارها بتطبيقها العملي من قبل القدوة التي يصادق قوله فعله، لذا فإن أول أركان المعرفة للشخص القدوة، أن يكون عالماً بصفاته، ثم يكون عارفاً لها عن طريق آثار عمله، ومطابقتها للواقع لكي لا تزل قدم الشخص المُقتدي بعد انحراف من يمثل نفسه قدوة، وهو ليس على جادة الصواب والحق.
2- المحبة
والمحبة الحقيقية تأتي بعد العلم والمعرفة بطبيعة الحال، فلا محبة حقيقية مع الجهل بصفات ذلك الشخص وآثاره، لذلك يجب أن يكون القدوة محبوباً من الشخص المتأثر به، عن طريق صفات ومواقف القدوة وسلوكه السليم، مما يسهل على الشباب خصوصاً أن يتأثروا به بعد معرفتهم له وحبهم له، ومن ثم يتمنّى الفرد لو يصبح مثله، فيسعى سعيه ويخطو خطاه، لذلك نرى بأن الفرد بدءاً من طفولته لا يتأثر بالتلقين ما لم يكن محباً للمُربي، وحتى في شبابه وكبره، نراه عندما يختار قدوة له مؤثرة في سلوكه، فإنه نتيجة لاطلاعه على أحواله ومحبته، ومن ثم ميله إلى الاستجابة إلى أن يسلك سلوكياته الحسنة.
3- الإيمان
القدوة الصالحة هو من يكون ثابتاً على مبادئه، فلا يغير أي مبدأ سليم مهما حدث، وهذا يمكننا من أن نميز القدوات غير السليمة وذلك من خلال عدم إيمان الشخص بالأفكار التي يدعو لها وعدم اقتناعه بها، فإذا كان هناك شخص طرح نفسه كقدوة دينية عندما نراه يتنازل عن مبدأ مهم من مبادئ الدين، ينبغي عزله وعدم اتخاذه قدوة مهما تظاهر بالدين.
الاعتراف بالخطأ من غير تبرير لأخطائه: فإذا وقع الشخص القدوة في خطأ، ووجدناه ساعياً لتصحيحه فى أسرع وقت والاعتذار لخطئه، فإنه يُعد القدوة الصالحة، أما إذا برر لأخطائه، وتفلسف لها، ولم يعترف بخطئه من تقديم تنازلات في الدين –مثلاً- سواء أ كان عن جهل منه، وعدم التأكد من صحة ما نقله أم كان متعمداً في تقديمها لغرض مجاملة المجتمع على ما يريد فلا يمكن أن نقتدي به.
4- مطابقة القول بالعمل
عدم الاقتداء بالشخص الذي يعلم ويتحدث، ولا يعمل، ولا يتطابق قوله مع عمله، مما يطرحه من افكار ومواعظ وحكم، ومسائل دينية، قال الإمام الصادق، عليه السلام: “إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا”، فهذا النوع من غير العاملين وغير المطبقين لما يقولون، لا يؤثر في قلوب الناس، ولا يمكن أن نجعله قدوة لنا.
و قد يكون عالماً بأمور الحلال والحرام، ولكنه غير ملتزم بها، بل و مرتكباً للحرام، فعندها سوف لن يؤثر نهيه عن المنكرات، وهو عامل لها ولا ينتفع الناس بنهيه، فأمثال هؤلاء من يأمر الناس بما لا يفعل من حلال ومستحبات، وينهاهم عما يفعل من المحرمات، فإنه لا يصلح قدوة بطبيعة الحال، فمن صفات القدوة المصلح أن يكون صالحاً لكي ينال التوفيق من الله تعالى في خطواته، فلا صلاح لفاسد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}.
5- الابتعاد عن مواطن الشبهة
علينا أن لا نقتدي بالأشخاص المتورطين بمواطن الشبهات فهم لا يصلحون قدوة، فقد ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهمة”، كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به”.
فلا نتبع من يجعل نفسه في مواطن الشبهات، لأن الوقوف في مواطن التهمة منهي عنه، والقدوة الصالحة هو الذي يتحلى بصفات الإسلام، مطبقاً لتعاليمه ولا ينافق، ولا يجامل على حساب الحق، حسن السيرة مطبقاً لما يقول، منتهياً عما ينهي مع معرفته وعلمه بحقائق الأمور وأن يكون ذا شخصية متزنة، لا أن يجامل المجتمع خوفاً من أن ينتقده الآخرون، أو يفقد شعبيته، وأن يكون ذا شخصية متواضعة محبوبة، لا يخاف في الله لومة لائم، وبهذا نكون قد جعلنا أنفسنا وأبناءنا على جادة الصواب في اختيار القدوة الحسنة، والذي هو من أهم عوامل بناء شخصية الفرد المسلم، وعلى العكس من ذلك؛ إن أخطأوا في اختيار القدوة ظناً منه أنه حق فسوف ينزلقون معه.
لذلك علينا أن نفهّم أبناءنا بأن القدوة الصحيحة هم؛ المعصومون، عليهم السلام، وغيرهم ينبغي أن يكون مستمراً على التمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية، وعدم التهاون بها، وهذا يتم بمعرفة الدين الصحيح، بالمطالعة المكثفة لفهم ديننا بصورة متكاملة لكي لا ندخل الدين عن طريق رجال ربما أخرجونا وأبناءنا من الدين بانحراف سلوكياتهم، عن الامام الصادق، عليه السلام: أنه قال: “من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتاب والسنة زالت الجبال قبل أن يزول”.