قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “إنه لابد للعاقل أن ينظر في شأنه: أن يحفظ لسانه ويعرف أهل زمانه”.
هناك مجموعة من التساؤلات التي لابد على الإنسان العاقل أن يطرحها على نفسه، لتكون محطة انطلاقة في تفكّيره لبناء نفسه:
لماذا وِجد الإنسان في هذا الوجود؟
وما هو الهدف من وجوده؟
وكيف يحقّق ذلك الهدف؟
وما المصير وكيف يسعى لسلامته؟
لابد للعاقل أن يتفكر في جميع أبعاد شخصيته؛ الذهنية، والجسدية، والعقليّة، والروحية، وما شابه من الأبعاد الأخرى، وينظر الى أخلاقه؛ هل هو ذو خلق حسن؟ أم ذو خلق سيء؟
وينظر الى ثقافته؛ فما هي الأفكار والرؤى التي يتبناها، فهل هي صحيحة، أم خاطئة، وينظر ـ أيضا ـ الى معتقداته هل هي حقّة أم باطلة، وهكذا في بقيّة جوانب الشخصيّة المختلفة.
فالإنسان العاقل هو الذي يقيّم ذاته وينميها، وهو الذي ينظر الى ذاته قبل أن ينظر الى ذوات الآخرين، ويصلح نفسه قبل الآخرين، وينتقد نفسه قبل الآخرين، وهكذا في بقية الأبعاد الأخرى.
البعض ينظر الى زلات الآخرين وقصورهم، لكنه يغفل عن زلاته وقصوره، وهذا خلاف العقل، لذا فالعاقل هو الذي يبدأ بنفسه، “طوبى لمن شغله عيوبه عن عيوب الآخرين”، لو طبقنا هذا الحديث لتحسنت علاقتنا مع الآخرين، ورؤيتنا تتحسن لذواتنا ولمن حولنا.
لذلك ترى الكثير يلقي باللائمة على الآخر، في كل مجالات الحياة، فيلوم الأب، والأم، والكبير، والصغير، على الاستاذ، والرئيس وما شابه، لكنه لا ينظر الى الخطأ الذي أخطأه ليتمكن من علاجه! “حاسبوا انفسكم قبل ان تُحسابوا وزنوها قبل أن توزنوا”، “ليس منا من لم يحاسب نفسه في اليوم والليلة”.
اللسان يحدّد مصير الإنسان!
“فليحفظ لسانه” اي لا يتعدّى على الآخرين، لان هذا اللسان هو الذي يعبّر عن شخصية صاحبه، فلسان المنافق يعبر عن الشخصية المتناقضة، ولسان الصادق يعبر عن الشخصية المتألقة.
واللسان هو الذي يحدّد مصير الإنسان، يقول الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله: وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم الا حصائد السنتهم”.
وليعرف أهل زمانه”، الإنسان مرتبط بمجتمعه وبأهل زمانه، ولا يمكنه الإنفصال عنه، ولذا فإن على المؤمن أن يعرف الصادق من الكاذب، والجيد من السيء
فالكلمة الطبية تخلتف عن الكلمة الخبيثة كليّا، يقول ـ تعالى ـ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، ويقول تعالى: {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.
فاللسان حين يلقي الكلمة الطيبة تكون هناك ثمار طيبة في الدنيا قبل الآخرة، وكذلك العكس، والكلمة الخبيّثة لها ثمار من السب والشتائم، والعدوان، والغيبة وما شابه من آثار اللسان السيئة.
فالنقطة المركزية في سلوكيات الإنسان هو حفظ لسانه، “المرء بأصغيره قلبه ولسانه ..”، فالقلب يعبّر عن المعتقد، اللسان هو الذي يكشف شخصية الإنسان، وأي إنسان يتلخص في ذينك الأمرين ـ القلب واللسان ـ، يقول الشاعر:
لسانك حصانك إن صنته صانك
وإن هنته هانك
تلك الحروب التي وما زالت تحرق الأخضر واليابس سببها اللسان، فكلمة واحدة كفيلة بإشعال حرب، فملايين البشر تقتل بسبب كلمات يقول الشاعر:
النار بالعودين تذكى
وإن الحرب مبدؤها كلامُ
كذلك بكلمة تُصلح البشرية، و القرآن الكريم كلمة، ورسالة السماء كلمة، وسلاح الأنبياء ورسائلهم كلمة، وكذا في بقية الأمور الأخرى، “فحفظوا عن مزالقه واطلقوا له العنان في يصلح شانه وشأن المجتمع.
معرفة المحيط بداية التكامل
” وليعرف أهل زمانه”، الإنسان مرتبط بمجتمعه وبأهل زمانه، ولا يمكنه الإنفصال عنه، ولذا فإن على المؤمن أن يعرف الصادق من الكاذب، والجيد من السيء..، صحيح؛ أن الدين طيبة ولكنه ليس سذاجة، لذلك الإنسان الذي يجهل أهل زمانه قد يقع في الضلال، فلا يعرف من يتبع، لذا حينما يُسأل الإمام الرضا، عليه السلام: ما الحُجّة اليوم؟ يقول عليه السلام: “العقل تعرف به الصادق على الله فتصدقه وتعرف به الكاذب على الله فتكذبه”.
وهذه نطقة مركزيّة؛ فهناك من يدّعي النبوة، وهناك من يدعو الى إمامته، ولذا بالعقل يعرف الإنسان أهل زمانه، وهذه من ميزة العلماء الحقيقيين أن يكون” عارفا بأهل زمانه”، حين يرتقي المرء الى هذه الدرجة يكون من العلماء، لذلك يقسّم الإمام الصادق، عليه السلام، العلماء الى ثلاثة أصناف، فمن ميزات الصنف الثالث في كلام الإمام: “عارفاً بأهل زمانه”.
وفي رواية أخرى، يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس”، فهو لا يتفاجأ بوقوع مؤامرة أو ما أشبه، لأنه يعلم بردود الفعل من حوله، ويعرف ما يفكّر فيه الأعداء.
البعض ينظر الى زلات الآخرين وقصورهم، لكنه يغفل عن زلاته وقصوره، وهذا خلاف العقل، لذا فالعاقل هو الذي يبدأ بنفسه، “طوبى لمن شغله عيوبه عن عيوب الآخرين
لذا على المؤمن أن يكون عارفا بطبيعة تفكير مَن حوله، سواء كان في الحي الذي يسكنه، او في مكان عمله، ويرقى ذلك الى أن يعرف طبيعة التفكير الأمريكي، لأن هو الذي يقود المجتمع البشري اليوم، ويقرر سياسات العالَم، والمؤمن جزء من هذا المجتمع العالمي الموجود.
لكن بجهل البعض؛ يذهب وراء الموظة التي تحمل السموم الكثيرة، أو خلف الشعارات الرنانة الخاطئة في محتواها، حتّى الملابس والأكل فيه هدف من طرف الأعداء.
فالعدو يحاول سلب إرادتنا في كل شيء، حتى في تسريحة الشعر، فإذا لم نعرف أهل زماننا فكيف نستطيع بناء شخصيتنا، و حضارتنا، وكيف نستطيع تحقيق الهدف الذي وجدنا من أجله؟
ومن لا يعرف أهل زمانه قد يعادي نفسه، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فعدو المرء نفسه التي بين جنبيه قبل كل شيء، لذلك لابد أن نعرف أهل زماننا، حتى لا يُغدر بنا، ولا نتفاجأ بالأحداث، وحتى لا ننجر وراء شعارات واهية، ولا نخدع بالكاذبين من قبيل الإعلام المضلّل وغيره، لذلك جاء عن الإمام الصادق، عليه السلام: “الكاذب يهلك بالبينات ويهلك اتباعه بالشبهات”. فحين يتبع المرء إنسانا كاذبا، أو يتأثربه، فإنه يهلك بشبهة.
إن إصلاح النفس دون النظر في شأنها الخاصة، ودون معرفة أهل زمانها لا يكفي في مسيرة الإنسان وسلامته، لذلك لابد للمرء أن ينمي ذاته في جوانبها المختلفة، و أن يفتّح عقله ليدرك ما حوله ليتمكن بالتالي من بناء شخصيته وفق الأسس السليّمة.