((الفائز الاول في مسابقة الكتابة بذكرى مولد أمير المؤمنين عليه السلام))
-
مقدمة
قالوا: المرأة نصف المجتمع، وكانوا ينظرون إلى الجنس، حيث قسَّموا المجتمع إلى رجال ونساء، وذكور وإناث، فوصلوا إلى هذه النتيجة البديهية، ولكن هذا النصف هو الضعيف المقهور المظلوم في التاريخ البشري منذ أول امرأة فيه (أمنا حواء)، حتى جاء الإسلام العظيم وأنصف المرأة من الرجل الظالم لها، والمغتصب لحقوقها، والدَّافن لها إما في خيمته، أو في تراب الأرض حيث كان العرب يئدون البنات، ويتركون البنين في عادة من أسوء عادات العرب في الجاهلية.
جاء الإسلام العظيم إلى العرب، و بُعث فيهم رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهو منهم وعاش معهم أربعين عاماً وتزوج ورزقه الله البنبن والبنات، فكان يعرف كل عاداتهم ويراها بأم العين ويُعاني منها لاسيما تلك العادات التي يُمارسها الطغاة في ظلم الضعفاء من النساء والعبيد والفقراء، فلم يكن للمرأة حق العيش إلا إذا أحسَّ أهلها بأنها تُفيدهم وتُساعدهم، كما كان يفعل فرعون في بني إسرائيل حيث يقتل ذكورهم ويترك نساءهم لخدمته والأقباط في مصر.
إذا أردنا أن نعرف موقف الإمام علي عليه السلام، من المرأة علينا أن ننظر إلى تعامله مع أمه لأنها أصله، ثم تعامله مع أخته التي هي صنوه، ثم تعامله مع زوجته التي هي منه، وأخيراً تعامله مع ابنته التي هي فرعه، وبذلك نعرف موقف الإمام علي من المرأة خاصة
ولذا عندما بُعث الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، في مكة المكرمة، راح يُخاطب الإنسان بما هو إنسان، فالتكليف للرجل والمرأة، ولكل تكليفه بحسب طاقته وتركيبته الجسدية، فالقرآن الحكيم والرسول العظيم، صلى الله عليه وآله، هما أول مَنْ أنصف المرأة عبر التاريخ البشري، حيث جعل لها حقوقاً وعليها واجبات، وبيَّن أن لها شخصيتها المستقلة وحقها في الميراث بعد أن كانت تورَث كالمتاع أو أنها تنتقل ملكيتها بمجرد قذف أحدهم عباءته عليها، فهي في غاية الحقارة والمهانة في المجتمع الجاهلي، وما عرفت الإنصاف إلا في ظل الإسلام العظيم وحكم الرسول الكريم، صلى الله عليه وآله.
ولن نتحدَّث في هذه الورقة المختصرة عن حقوق المرأة في الإسلام بل سنأخذ جانباً من أقوال وكلمات سيف الإسلام الخالد، وبطله الأعلى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فقط.
-
الإمام علي عليه السلام، والمرأة
إذا أردنا أن نعرف موقف الإمام علي عليه السلام، من المرأة علينا أن ننظر إلى تعامله مع أمه لأنها أصله، ثم تعامله مع أخته التي هي صنوه، ثم تعامله مع زوجته التي هي منه، وأخيراً تعامله مع ابنته التي هي فرعه، وبذلك نعرف موقف الإمام علي من المرأة خاصة، ومنه ننطلق إلى كلماته عن المرأة لنفهمها بحقيقتها ونعرف بأن الإمام علي عليه السلام، ابن الإسلام وربيب الرسول، صلى الله عليه وآله، قد أنصف المرأة وأعطاها حقها ووصفها بما هي جديرة به، ولم يظلمها كما فهم بعض الناس البسطاء من كلماته التي استخدمت فيما بعد بشكل مغلوط أيضاً، كقوله عليه السلام، بعد معركة الجمل وقيادة تلك المرأة لها: “مَعَاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإِيمَانِ، نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ، نَوَاقِصُ الْعُقُولِ؛ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ، وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْهُنّ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الأَنْصَافِ مِنْ مَوارِيثِ الرِّجَالِ; فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ، وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَر، وَلاَ تُطِيعُوهُنَّ فِي المَعْرُوفِ حَتَّى لاَ يَطْمَعْنَ فِي المُنكَرِ“. (نهج البلاغة: خ80).
هذه حقائق يُبيِّنها أمير المؤمنين عليه السلام، للأمة وهو العالم بالإنسان (المرأة)، والخبير بأحوالها ونقصها الذي خلقها الله عليه، وهو ليس نقصاً فيها بنفسها بل كمالها يكون بهذا النقص، ولن تسير الحياة إلا بهذا التكامل المبني على أساس التكامل بين الرجل والمرأة ليُكمل كل منهما الآخر، ولا يمكن أن يتكامل أحدهما بمعزل عمَّا يُكمِّله في حياته، وهذه – في الحقيقة – فلسفة الحياة بين الطرفين وهذا ما أوصت به سيدة النساء فاطمة الزهراء عليه السلام، أمير المؤمنين نفسه عليه السلام، في آخر لحظات حياتها المباركة حيث قالت: (يا ابن عم رسول الله أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة أختي أُمامة فإنها تكون لولدي مثلي فإن الرجال لا بدَّ لهم من النساء). (بحار الأنوار: ج43/ 192).
هذه حقيقة تنطق بها سيدة نساء العالمين عليه السلام، (الرجال لا يستغنون عن النساء)، في تكاملهم إذ أنهم ولدوا من المرأة، وربَّتهم و أرضعتهم، وبعد أن بلغوا الشدة والقوة لا يمكن أن يستغني سويٌ سليم عن المرأة ليتكامل في حياته الأسرية، والاجتماعية، ولذا تراه متَّهماً في المجتمع إذا عزف عن النساء أو ابتعد عنهن ولم يتزوج منهن.
والإمام علي عليه السلام، في كلماته كان يشرحها ويُبيِّنها حتى لا يأتي متصيِّد بالماء العكر ويقول: أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، هكذا تكلم عن المرأة وذمَّها، فهو لم يذمَّها أبداً بل وصفها وأنصفها فيما وصفها فيه، لأن هذا واقعها وحقيقتها التي أثبتها العلم الحديث بعده بقرون.
وهنا نلتقي بالكلمة الأشد التي نُقلت عن أمير المؤمنين عليه السلام، وهي قوله: “الْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا، وَشَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا“، فهي فتنة الله في الأرض بالنسبة للرجال، وما ذلك إلا لنقصهم وحاجتهم الطبيعية لها، فهي شرٌّ كلها بالنسبة لهم وليس بالنسبة لها، ولذا يُؤكد أن أعظم الشَّر فيها أنه لا بدَّ منها، وهي نفس كلمة سيدة النساء عليه السلام، لابد، ولا يستغني الرجال عن النساء.
وأما كلمته المشهورة في تشبيه المرأة بالعقرب فهي من هذا الباب حيث يقول، عليه السلام: “الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ“، وكم اشتبه على العلماء قراءة وفهم هذه الكلمة له عليه السلام، حيث قرأوها خطأ وفهموها وشرحوها غلطاً كذلك إذ قرؤوها (حلوة الُّبْسَة)، وفسَّروها بقوله تعالى: “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ“، ولكن الصحيح؛ هي (اللُّسبة)، بتقديم السين على الباء وليس العكس، وتعني كما في النهج: ” اللّسْبَة: اللَسْعَة، لَسَبَتْهُ العَقْرَب ـ بفتح السين ـ: لَسَعَتهُ، والمرأة ـ في رأي الإمام ـ تشبه العقرب، لكن لسعتها ذات حلاوة”.
ويتبيَّن لنا مما تقدم أن أمير المؤمنين عليه السلام، لا يتحامل على المرأة ـ حاشاه – ولكن يصف واقعهن وحقيقتهن لأن أكثرهن بهذه الصفات، فهنَّ في هذه الحياة كما يقول، عليه السلام: “إِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا“، فهمُّها زينة الحياة وهي أجمل ما فيها وكأنها مخلوقة إلى الزينة ولغواية الرجال، ولذا قال عنها، عليه السلام: “عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم“، فالمرأة تُكرِّس كل حياتها لمنظرها وهيئتها وجمالها وكأن الدنيا محصورة في جمالها، وأما الرجل فإن جماله في عقله لا في شكله فقد كان سقراط من أبشع الناس صورة حتى أنه امرأة رأته وهو جالس في الشمس، فقالت له: ما أقبحك أيها الشيخ؟ فقال: “لولا أنّكنّ من المرائي الصَّديّة (المرايا الصَّديئة) لغمَّني ما بان فيكنّ من قبح صورتي”، وقيل له: أيّ السِّباع أجسر؟ قال: المرأة”، وذلك لأنه كان يُعاني أشدُّ المعاناة من زوجته وشراستها، حتى قال لولده يوماً: “يا ولدي تزوج فإن أخذتها صالحة عشت سعيداً، وإن أخذتها كأمك صرت فيلسوفاً”.
وكذلك كانت صورة لقمان الحكيم وغيره من الرجال الذين لا يُقاس جمالهم وهيأتهم في الناس بالجمال الظاهر بل بالجمال العقلي والحكمة، وأما النساء فإنه لم ولن تُذكر امرأة في التاريخ إلا بجمالها وفتنتها كما فعلت زُليخا بنبي الله يوسف عليه السلام، أجمل الرجال صورة، فكانت تنظر إلى شكله وصورته فقط، ولم تُدرك جمال عقله وحكمته ونبوته إلا بعد أن فقدت جمالها الظاهر.
فالمسألة في الكلمات العلوية الشريفة المنقولة عنه عليه السلام، هي ناظرة إلى هذه الجوانب المعاشية، الواقعية في حياة المرأة، ولذا قال عنها: “خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ: الزَّهْوُ، وَالْجُبْنُ، وَالْبُخْلُ، فَإذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً؛ لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِذَا كَانَتْ بِخِيلَةً؛ حَفِظَتْ مَالَهَا وَمَالَ بَعْلِهَا، وَإِذَا كَانَتْ جَبَانَةً؛ فَرِقَتْ(خافت) مِنْ كُلِّ شِيْء يَعْرِضُ لَهَا“. (نهج البلاغة: ح234).
فهذه الكلمات يُطلقها أمير المؤمنين عليه السلام، ويُفسِّرها ورغم ذلك يأتيك ليقول: “ولا ندري إذا ما كان هناك معنى آخر لا نفهمه”، لم تفهم كلام الإمام عليه السلام، لأنك نظرتَ بمثالية، وكلامه كان بواقعية، فالإمام عليه السلام، يتحدَّث ويصف حال النساء في هذه الدنيا لا حقيقة النساء وما يجب أن يكنَّ عليه كزوجته فاطمة الزهراء عليه السلام، فهي درَّة في العالمين لا تتكرر، ونسخة فريدة لا نظير لها، فهي المعصومة الوحيدة في النساء، فهو يصف حال الناس وواقعهن لا يصف مثالهن ومثاليتهن، لأنه يُريد أن يُعطي الأمة دروساً واقعية حقيقية لا دروساً مثالية طوباوية.
-
واقعية الإمام علي
نعم؛ الدارس والباحث في حياة وكلمات الإمام علي عليه السلام، يجده واقعياً جداً، ويُعطي الحِكم والكلمات والصفات حجمها الحقيقي وصفتها الواقعية حتى يفهمها الناس من حوله، ويقيسَ عليها الأجيال من بعده، لأنه إمام وكلام الإمام إمام الكلام، فعندما يصف النساء بما هنَّ عليه من حال من الجمال والدلال والفتنة للرجال فلا يعني أنه يذمَّهن، بل يُحذِّر الرِّجال منهنَّ، كقوله: “طاعة النساء شيمة الحمقى“، لأن المرأة تنظر بعاطفتها لا بعقلها فحذَّرنا من تلك العاطفة التي تجُّرنا إلى المهالك، لأن الله سبحانه جعل العقول لا العواطف لضبط الحياة وقيادتها، ولذا قال عليه السلام، موصياً ولده الإمام الحسن، عليه السلام: “وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ رَأَيَهُنَّ إِلَى أَفْن(نقص)، وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْن (ضعف).
وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ، وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مَنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ.
وَلاَ تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ، وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَة) (حاكمة وسلطانة). وَلاَ تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا، وَلاَ تُطْمِعْهَا أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا. وَإِيَّاكَ وَالتَّغايُرَ(الغيرة) فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَة، فَإِنَّ ذلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ، وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ“. (نهج البلاغة).
هذه الوصايا والكلمات هي من صميم الحياة لا المثاليات، فالمرأة ريحانة لك تشمُّها وتتمتع بعبقها وريحها وجمالها ودلالها وهنا يكمن كمالها بالنسبة لها، بأن تُكمل نقصك وتخفف قوتك، وتُنعِّم خشونتك أنتَ أيها الرجل، فالقهرمان والحاكم والشرطي هو أنتَ لا هي في هذه الحياة، فهي الزهرة الناعمة الجميلة التي عليك أن تحفظها برموش وأهداب عينيك، فهي عورتك التي يجب أن تخفيها، كما قال، عليه السلام: “إنّ اللّه خلق النّساء من عيٍّ، وعَورة، فداووا عيّهنّ بالسّكوت، واستروا العورة بالبيوت“، وذلك أحفظ لهنَّ ولسمعتكم أنتم وذلك لأن: (عار النّساء باق يلحق الأبناء بعد الآباء)، لأنه يمسُّ الأصل، وإذا فسد الأصل فسد الفرع، وخاب الزَّرع.
فالمرأة مخلوق ضعيف ولكن (كيدهن عظيم)، وجميل قوله، عليه السلام: “طلبتُ الراحة لنفسي فلم أجد شيئاً أروح من ترك ما لا يعنيني، وتوحَّشتُ في القفر البلقع فلم أرَ وحشة أشدُّ من قرين السوء، وشهدتُ الزُّحوف، ولقيتُ الأقران فلم أرَ قرناً أغلب من المرأة“. (شرح النهج: ج20/293).
نعم؛ المرأة بالنسبة للرجل لا تُصاول ولا تُطاول، فهي غالبة بكيدها ومكرها ودهائها، وصدق مَن قال: “كيد الرجال يهدُّ الجبال، وكيد النساء يهدُّ الرجال“، فهذا واقع وحقيقة النساء في حياتهن، ولذا ترى الكثير من الرِّجال ينطلقون بنظرتهم إلى المرأة من نظرته إلى زوجته فإن كانت مؤمنة وموافقة ومطيعة وقنوعة فإنه يرى ويظن أن كل النساء مثلها، لا -يا عزيزي- هناك نساء الشيطان يعمل تحت أيديهن وفي خدمتهن لا العكس.
وما أعظم هذه الكلمة التي قالها، عليه السلام: “اتّقوا شرار النساء وكونوا من خيارهنّ على حذر، وإن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ لكيلا يطمعن منكم في المنكر” (أمالى الصدوق: ص304).
المرأة بالنسبة للرجل لا تُصاول ولا تُطاول، فهي غالبة بكيدها ومكرها ودهائها، وصدق مَن قال: “كيد الرجال يهدُّ الجبال، وكيد النساء يهدُّ الرجال”، فهذا واقع وحقيقة النساء في حياتهن، ولذا ترى الكثير من الرِّجال ينطلقون بنظرتهم إلى المرأة من نظرته إلى زوجته فإن كانت مؤمنة وموافقة ومطيعة وقنوعة فإنه يرى ويظن أن كل النساء مثلها
فالنساء كالرجال فيهن الخيِّرات، والشِّريرات، ولكن العام الأغلب عليهن الشِّريرات، لأن الخيِّرات مصونات ومكنونات في البيوت فهنَّ كالدُّرر في أصدافها، والعاقل هو الذي يستطيع أن يختار قرينته الصالحة، ويحفظها في بيته، ففي الحديث عن الإمام الصادق، عليه السّلام: “إن إبراهيم، عليه السّلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة، فأوحى إليه: إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ، إن أقمته كسرته وإن تركته استمتعت فاصبر عليها“. (الكافي للكليني 5 : 513 ح 2).
هذه هي المرأة وحقيقتها وواقعية نظرة الإمام علي عليه السلام، في سيرته العطرة وكلماته المباركة عنها ويجب أن نفهمها في هذا السياق الواقعي لنفهم تلك الكلمات العلوية النورانية، ولا نتَّهمه أو نتهم أنفسنا في الفهم كما وقع كثير من الناس في ذلك.
-
الإمام علي عليه السلام، أنصف المرأة
كان الإمام علي عليه السلام، أبرُّ الناس بأمه السيدة فاطمة بنت أسد، رضوان الله عليها، وكان أقرب وأحب الناس إلى أخته فاختة أم هانئ بنت أبي طالب، عليه السلام، وكان أكرم الناس لزوجته سيدة النساء فاطمة الزهراء، عليها السلام، وكان أحنُّ وأعظم الناس في تعامله مع ابنتيه زينب الكبرى عليه السلام، فماروته كتب التاريخ عن ذلك شيء مدهش وعجيب لا سيما في تعامله مع بضعته العقيلة عليه السلام، التي كان يحرص أن لا يرى خيالها أحد من المسلمين، حتى في صغرها فكانت إذا خرجت لزيارة قبر جدها أو أمها كان يُرافقها ويحرسها بإخوتها ويحوطها من كل جانب ولا يخرجها إلا في الليل وعندما تصل إلى القبر الشريف كان يُطفؤ السِّراج حتى لا يرى خيالها أحد.
هذه هي مكانة وكرامة المرأة في سيرة الإمام علي عليه السلام، ولكنه ابتُلي (بأطوع الناس في الناس) وهي تلك المرأة التي (ركبت الجمل الأدبب ونبحتها كلاب الحوأب)، وقادت الجيوش لحربه وقتاله في البصرة، فكان يقول لها: (ما للمرأة وقيادة الجيش والعسكر؟)، وعندما أسرها عاملها معاملته للمرأة الناشز فأعادها بكل احترامها وصيانتها إلى بيتها ومخدعها التي هتكته وخرجت منه ورافقها أربعين امرأة بلباس الرجال ولما عرفت ذلك وكشفن وجوههن قالت: (كان عليٌّ أرأف بي من نفسي).
ولذا كان يقول، عليه السلام: “معاشر الناس، لا تطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهن على مال، ولا تذروهن يدبرن أمر العيال، فإنهن إن تركن وما أردن أو ردن المهالك وعدون أمر المالك، فإنا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عند شهوتهن البذخ لهن لازم وان كبرن، والعجب لهن لاحق وإن عجزن، لا يشكرن الكثير إذا منعن القليل، ينسين الخير ويحفظن الشر، يتهافتن بالبهتان، ويتمادين بالطغيان ويتصدين للشيطان، فداروهن على كل حال، وأحسنوا لهن المقال، لعلهن يحسن الفعال“. (البحار: ج 100 /223).
ففي الحقيقة والواقع إن أمير المؤمنين عليه السلام، قد أنصف المرأة في حياته وكلماته، وتعامل معها من منطلق الرسالة والمسؤولية، ينطلق من قواعد الدِّين الحنيف والقرآن الكريم، ووضعها في مكانها، وأنزلها في محلها التي خُلقت له دون زيادة أو نقصان، وهذا ما خفي عن الكثيرين للأسف.
السلام عليك يا أمير المؤمنين وأنصف المنصفين ورحمة الله وبركاته.