إن ملحمة الحق ضد الباطل التي مثلتها عاشوراء بمنتهى الدقة حافظت على المبادئ الاسلامية بشكل خاص والانسانية بشكل عام ولم تترك شيئاً منها لم تخطه بين طيات اسرارها، وبالحديث عن اسرارها الجمة نجد ان هناك سرّاً وراء جلب النساء الى ساحة القتال اعمق من ان يكون مجرد سفر واستقبال المصير المنتظر.
وبعد ان كانت المرأة موطنا لطعنات الرجال، ولطالما رموها بشتى المسميات والصفات التي تحط من شأنها، من قبيل؛ «ناقصة العقل» و«نصف انسان»، و«ذات فأل سيئ»، وغير ذلك، إلا ان المنظور والرؤية الاسلامية، وتحديداً؛ الامامية منها الى المرأة مختلف تماما، ولم يكن مجيؤها في معركة معروفة النتيجة امراً عبثياً بل كان قدراً وحكمة صاغها الباري – سبحانه -على يد حجته الامام الحسين، عليه السلام.
فقد انقسم دور المرأة فيها الى مسؤوليتين اساسيتين اولاهما اثناء المعركة والتي تتمحور في تمريض الجرحى وايعازهم ومؤازتهم والشد على سواعدهم للصمود في طريق الجهاد فها هي ذي السيدة رملة زوج الامام الحسن تدفع بابنها اليافع لنصرة عمه الحسين، عليه السلام، وايضا زوج الصحابي زهير بن القين – رضيَ الله عنه – التي كان لكلماتها الاثر في مسامع زهير، ولا يخفى على احد ما ذكرته لنا بواطن صفحات التاريخ عن نساء مؤمنات بهيكل انثوي وبقلب صلب احداهن كانت ممن حظيت بالشهادة، ألا وهي أم وهب، زوجة عبد الله بن عمير الكلبي لما سقط ووافته المنية جلست عند رأسه تناجي الله في مشاركة زوجها الاجر وعظيم المسلك ولم تلبث حتى قتلت هناك على يد مولى الشمر بعمود ضربها به على رأسها.
واخريان قاتلتا دفاعا عن القضية الحسينية وهما؛ ام عبد الله بن عمير، التي اخذت عمود الخيمة بعد مقتل ولدها وسارت نحو الاعداء ولما كان الجهاد ساقطاً عن المرأة فقد ارجعها الامام الحسين الى الخيمة، والاخرى ام عمرو بن جنادة حيث ان الامويين شمتوا بولدها حين قتلوه ولم تسمح لهم ان يكملوا فرحتهم حتى فاجأتهم برمي رأس ولدها، قاتلة به احد الجنود اليزيديين.
أما المسؤولية الكبرى والعضمى كانت بعد المعركة ما ان سقط الامام الحسين، عليه السلام، وجسده مضرجا بدمائه المقدسة حتى بدأت رسالة هي اشد اهمية من ذرف دموع الاسى والعزلة العاطفية التي يفرضها الحزن في الغالب، اجل؛ سقط الامام الحسين وانفاسه تتذبذب بين الحياة و الموت تاركا خلفه ابطالاً ولكن هذه المرة ابطال من جنس آخر فمن يمكن له ان ينكر الدور الذي خاضته بنت رسول الله لما حمت الامامة من براثن الامويين وقدمت روحها في هذا السبيل لما اراد يزيد قتل امام زمانه السجاد، عليه السلام: «ان عزمت على قتله فاقتلني قبله».
اجل؛ فضحت بني امية الذين استغلوا الناس عن طريق الاعلام المضلل فتبعهم السذج الذين لا يملكون شروى نقير من المعرفة حين ردت على يزيد في قعر خلافته:
«فَلَتَرِدَنّ وَشيكاً مَورِدَهم، ولَتَوَدّنّ أنّك شُلِلتَ وبُكِمتَ ولم يكن قلتَ ما قلتَ وفَعَلتَ ما فعلت؛ إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك»! وخطبتها كانت قد رفعت ستار الحقيقة حتى بان جليا للناس.
وختاما لا بد من الاشارة ايضا الى ان الدور الملقى على عاتق الرجل المسلم هو ذاته ملقى على عاتق المرأة الرسالية وان كان مختلفاً في الاسلوب والاتجاه.
وهناك امثلة كثيرة حية لدور المرأة في مقارعة الاستبداد وقيادة المجتمع الهاوي والاخذ بيده وارشاده الى الصراط القويم، فمثلا في السنوات المنصرمة التي شهدت حكم البعث الفاسد وهجوم الثقافة الغربية بكل الوانها لفرض السيطرة الفكرية على الجيل الصاعد برزت العلوية آمنة الصدر وحاربت هذا الاستبداد بفكرها وثقافتها وانجدت اللاتي كدن ان يغرقن في شراك ما يسمى «بالرجعية».