إن للحسين، عليه السلام، أدعية قيّمة فى موضوعاتها ومتعدّدة المضامين وأغراضها شتّى، سواء انتهى السند إليه أم ارتقى منه إلى جدّه المصطفى، صلى الله عليه وآله، أو إلى أبيه المرتضى، عليه السلام، وهذه الأدعية تمثّل عنصرا أساسيّا من عناصر الثقافة، فيها مضامين أخلاقية سامية ومفاهيم عقائدية عالية تدعو الإنسان إلى معرفة الحقائق الدينيّة والسياسية، بل والعلمية فى الإسلام، ومن هذه الادعية دعاؤه الكبير في يوم عرفة، فهو من مفاخر تراثنا الإسلامي، وهو مناجاة الله – عزوجل – فيه روح التوحيد والتسليم لله جل وعلا، من خلاله يتبين وبصورة جلية واضحة حدود علاقته، عليه السلام، بالله سبحانه، ولا ينحصر طريق معرفة علاقة الإمام، عليه السلام، به تعالى في خصوص دعاء يوم عرفة، بل هناك أكثر من موقف يشير لمدى هذه العلاقة، والتي تتمثل في دعائه عليه السلام ليلة عاشوراء حينما قال: «اللهمّ، أنت ثقتي في كلّ كرب،…»، تجلت فيه روح الفداء والتضحية، وقدم فيه منهجا تربوياً يعزز الإيمان بالغيب واليقين الصادق.
فالعلاقة وثيقة بين دعاء الامام الحسين، عليه السلام، يوم عرفة وبين دعاء نهضته، عليه السلام، الدامية، التي وقعت في ارض كربلاء بعدما قدم نفسه الزكية قرباناً لبقاء الاسلام والربط واضح، المتتبع لدعاء عرفة يجد بشكل واضح ان المحبة في قلب الحسين لله – سبحانه وتعالى – واضحة؛ وخصوصاً في هذا المقطع الذي اقتطعته من دعاء عرفة الكبير: «…كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ام متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك ام متى بعدت حتى تكون الاثار هي الموصلة اليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبة وخسرت صفقة عبد لم تجعل في حبك نصيباً…»، ولا سيما دعاء ليلة عاشوراء إن الإمام الحسين، عليه السلام، ومن خلال هذا الدعاء يقدم لنا منهجاً تربوياً يعزز فيه الإيمان بالغيب واليقين بصدق وعده – تعالى- الذي وعد به عباده، ويُظهر لنا شدة افتقار الإنسان إلى الله – جل شأنه – مع وجود الأهل والأصحاب.
ولقد كشف الإمام، عليه السلام، من خلال الدعاءين عن عمق العلاقة مع الباري سبحانه، واضح من خلال هذه النصوص وهذه العبائر نجد ان المحبة الالهية واضحة، والعبد اذا احب الله – عزوجل – محبة صادقة قدم له – تعالى – كل ما يملك ومن هنا نجد ان الامام الحسين، عليه السلام، في الوقت الذي كان يناجي ربه على صعيد عرفة ظهراً تصهره حرارة الشمس؛ هو نفس الامام الحسين، عليه السلام، حينما استدعى الواجب منه ان ينهض ليلة عاشوراء ليناجي ربه «اللهمّ، أنت ثقتي…»، في قبال الجور والظلم والطغيان المتمثل بيزيد عصره آنذاك وهذا يكشف عن المحبة الصادقة للامام الحسين لله – تبارك وتعالى – في كلا الدعاءين التي تتبين فيهما العبودية المطلقة من العبد ذي النفس المطمئنة إلى ربها، فلذلك قدم كل ما يملك من اجل الله وفي سبيل الله؛ فإذن الربط واضح بين دعاء عرفة وبين دعاء نهضة الامام الحسين في يوم عاشوراء تلك التي قدم بها دمه الزاكي من اجل ان يبقى الاسلام وفعلاً الاسلام المحمدي بقى الى يومنا هذا ببركة موقف الامام الحسين، فسلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث.