عندما تستيقظ في الصباح الباكر وتخرج من بيتك بعد أكل وجبة الافطار لتذهب الى عملك مستقلا وسيلة نقلية توصلك إليه، وحتى تعود الى بيتك في المساء محملا بألوان وانواع من المشتريات لتلبية حاجاتك، والعديد من التصرفات اليومية التي نؤديها من دون توجه منا إليها، هي عبارة عن تصرفات قانونية وعقود لابد من قواعد تحكمها سواء أكانت تلك القواعد عرفية ام نصية، فالتنظيم ينبغي ان يسبقها ـ مثلما يقولون القانون سابق على انشاء التجمعات او مزامن لها على أقل تقدير ـ، وقد يكونوا محقين، ألم يقل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: “الله الله في نظم أمركم”
-
فما هو القانون وما هي مصادره؟!
فالقانون بناء على ما تقدم هو عبارة عن مجموعة من القواعد تستقي صياغتها ومضمونها من التشريعات العامة، كالدستور والنظام العام وكذلك العرف وغيره، تهدف الى تنظيم العيش والحياة في المجتمع، يلتزم أفراده بمراعاتها في العلاقة التي تجمع فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين السلطة العامة من جهة أخرى، ومما تقدم يتضح ان على واضع القانون اخذ الاعتبارالزمان والمكان التي يراد طبيقه فيه، من عرف سائد وعادات وتقاليد اجتماعية، وقيم وأخلاق المجتمع المراد تطبيقه فيه، مع ضمان حفظ حقوق الأقليات المتواجدة في تلك الرقعة الجغرافية والبرهة الزمانية، وهذا ما جعل القوانين الوضعية تتباين من دولة الى أخرى مع أن معظمها يطمح الوصول الى هدفه الأسمى وهو تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.
-
ما هي علاقة الشريعة بتنظيم القانون في العراق؟
في بلد مثل العراق حيث غالبية سكانه يعتنقون الديانة الإسلامية بل متمسكين بتعاليمها، لا يمكن لأي قانون أن يخالف تلك التشريعات أو أنّه لا يتماشى مع فلسفتها ورؤيتها، وإن حدث ذلك فإنه يُعد مخالفة لما وجد القانون من أجله، ومفسدة له كما تقدم في تعريف القانون ومصادر القاعدة القانونية، ناهيك عن الدستور العراقي الذي يعد بمثابة العقد الاجتماعي بين أفراد الشعب الذين اتفقوا وصوتوا على اعتماده ومراعاته، وإلتزام قواعده في استفتاء 2005، والذي ينص في المادة الثانية منه على: “أولاً:- الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع: أ- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام”.
ولكن ما يثير الجدل في تشريعاتنا الوضعية، سواء القديمة منها أم الحديثة، هو إعتمادها بشكل أساس على استنساخ ما ينتجه الغرب من قوانين قد لا تتماشى مع قيم وأخلاق الشعب العراقي العريقة، التي كانت الأس للقوانين.
ومما أثار النقاشات لفترة ليست بالقليلة في المحافل المختلفة والاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، هو قانون العقوبات لسنة 1969 النافذ وتحديدا المادة الحادية والاربعين منه والتي تنص على: “لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق: تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً”.
[.. في بلد مثل العراق حيث غالبية سكانه يعتنقون الديانة الإسلامية بل متمسكين بتعاليمها، لا يمكن لأي قانون أن يخالف تلك التشريعات أو أنّه لا يتماشى مع فلسفتها ورؤيتها ..]
فقد عَدَّ البعض هذا النص بمثابة تمييز بين الجنسين، ومخالف للنصوص الدستورية التي تؤكد على تساوي العراقيين أمام القانون دون النظر الى الجنس والعرق والمذهب، وكوَّن مادة دسمة للمطالبين بتشريع قانون (العنف الأسري) على غرار ما هو موجود في البلدان الغربية، ولا أعلم ما السر وراء الاصرار على استنساخ التجارب الغربية مرة بعد أخرى رغم فشلها المتتالي؛ فلست في مقام مناقشة الأرقام والإحصاءات بهذا الشأن ولكن بالعودة إليها نجد أن هذه القوانين لم تتمكن من حماية المجتمع الذي صيغت من أجله.
فالزواج شبه منعدم من الأصل أو تراه ينتهي بالطلاق سريعاً، كما أن أرقام العنف الأسري والتعدي مخيفة جداً، فكيف لها أن تنفع مجتمع لا ينسجم مع مبادئها وتختلف مشاكلها عن موضوعها، هذا من جانب ومن جانب آخر، أتساءل من المطالبين بإقراره ألسنا نعاني من تخمة في ازدياد القوانين؟!
ما الذي يمكن لهذا القانون أن يضيفه من الحماية؟!
فالحماية المالية لكل أفراد الأسرة بخلاف التشريعات الوضعية الغربية التي تعتمد على الذمة المالية الموحدة ، مما قد يؤدي الى ضياع حقوق أحد الزوجين، فإنَّ قوانينا المدنية تعتمد على احتفاظ كل من الزوجين بذمته آخذة ذلك من تعاليم الشريعة الغراء.
أمّا حقوقهما الزوجية فيتكفلها قانون الأحوال الشخصية رغم المآخذ عليه في تبنيه لآراء بعض المذاهب على حساب مذاهب أخرى. أمّا الحماية من التعدي والجزاء فإنَّ قانون العقوبات حاضرٌ رغم ورود المادة موضع البحث فيه.
وتوضيحا لذلك نقول: إنَّ المادة الحادية والاربعون من قانون العقوبات سالفة الذكر لا تحتوي بأي شكل من الأشكال على إهانة للمرأة، ولا تعطي الحق للرجل في ضرب زوجته رغم ركاكة صياغتها التي توحي إلى ذلك، هذا ما أوضحته المحكمة الاتحادية العليا في جلستها في تاريخ 8/4/ 2019 برئاسة القاضي مدحت المحمود وحضور القضاة الاعضاء كافة، مؤكدة أنَّ التأديب لا يعني بأي شكل من الإشكال العنف الأسري المقصود.
كما أنَّ ذيل المادة يؤطر حق التأديب في حدود ما هو مقرر شرعاً، فهل تعطي الشريعة الغراء الحق للزوج في ضرب زوجته؟!
-
ضرب الزوجة في الشريعة الإسلامية
حرصت الشّريعة الإسلامية على الإهتمام بكيان الأسرة اهتماماً بالغاً، حفاظاً على استقرارها وحمايةً لها من التفكك، فبتفككها ينهار المجتمع ككل، لذا واظب التشريع على وضع الأطر والأسس الشرعية لإستقرار الأسرة وديمومتها، كما أمر المؤمنين برعاية العائلة وإرشادها الى الصراط المستقيم في حال خروجها عن المسير وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
[.. يقول النبي صلى الله عليه وآله: “استوصلوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم لستم تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا ان يأتين بفاحشة مبينة” ..]
كما حمَّل الرجل تكليف رعاية هذا الامر بجعله القيّم على الأسرة في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}، كل ذلك في موضوع التأديب وتحمل مسؤولية العائلة أمّا ضرب المرأة فإنَّ فتواى مراجعنا العظام تحرمّه طبقاً للقواعد العامة، ولا يجوز لأنّه يُعد اعتداء، ويمكن استخلاص ذلك من روايات النبي وأهل بيته عليهم السلام، يقول النبي صلى الله عليه وآله: “استوصلوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم لستم تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا ان يأتين بفاحشة مبينة”.
أمّا الاستدلال بالآية المباركة: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}، جاء في تفسير التبيان، عن الامام الباقر في تفسير الضرب، قال عليه السلام: “هو بالسِّواك”، (تفسير التبيان : 3 / 191)، وجاء في جاء في فقه الرضا: “والضرب بالسواك وشبهه ضرباً رفيقاً”، (بحار الأنوار : 101 / 58، باب النشوز و الشقاق)، وعلى جواز ضرب المرأة فإنه كإستدلال ذلك الرجل الذي عضَّ زوجته، ولما سأله القاضي عن سبب ذلك قال القرآن يقول (عظوهن)، فسياق الآية واضح في اختصار الضرب لأجل أمر معين لا يمكن الولوج في شرحه وتوضيحه رعاية لمشاعر القراء إلّا أنني اختصره بقول: إنه ضرب “دلع ورغبة” لا ضرب “تعذيب وسِلَّة”.