من الصعب جدا التمييز بين الغرور والثقة بالنفس لشدة القرب بينهما، فهناك شعرة صغيرة جدا تفصل بين الحالتين.
في البداية نسأل عن كيفية ولادة الثقة بالنفس؟
و كيفية ولادة الغرور؟
في بادئ الامر، الثقة والغرور على حد سواء هما صفتان مكتسبتان تبتدئ من داخل الاسرة، ثم تنمو و تتقوى بالمحيط الذي يعيش فيه الشخص، فيكبر و تكبر معه احدى الصفتين.
عند احترام الاهل لرأي أحد افراد الاسرة و الاستماع إليه، والأخذ بكلامه، فهذا الموقف الايجابي يولّد بداخله مشاعر الثقة بالنفس، والقدرة على التعبير عن رأيه، وما يكنّه من مشاعر، وحتى قدرات ومواهب، وعدم الخوف من الكلام أمام أشخاص آخرين، او أمام مَن هم اكبر منه سناً، لاسيما اذا كان هذا الموقف الايجابي ردّاً وتثميناً على صنعٍ حسن قام به، او أي عمل جيد ينجزه داخل البيت او خارجه، و عدم تحقيره او التقليل من شأنه وشأن ما يقوم به، كل هذا يولّد بداخله الثقةَ بنفسه وبقدراته، فيبدع فيهما وهذا يُسمى الثقة بالنفس.
أما اذا لم يحصل كل هذا فماذا تكون النتيجة؟
من الطبيعي أن يلجأ الشخص في هذه الحالة لمحاولة جذب انتباه الآخرين اليه، فيستجدي المدح عن طريق تصرفات مصطنعة يحاول بها ملء شعور النقص الحاصل بداخله، او يتباهى بأشياء ليست من اختياره مثلاً؛ مظهره، او اسم عائلته، او بالمستوى المعيشي والمالي لأبيه، فيحوّل كلَ ذلك الى مظاهر غرور وتبجح على الآخرين.
يقول الامام علي، عليه السلام:
“مَن اغتر بنفسه أسلمته إلى المعاطب”
واحياناً يكون هو شخصياً مالكاً لبعض الامور المميزة عن غيره، مثل الدراجة، او السيارة، او المستوى الدراسي الجيد، او المظهر الجميل، وغير ذلك من مظاهر الجذب والتميّز، فهو يسعى من خلالها تسجيل نقاط قوة وهمية في محيطه الاجتماعي.
ولكن!
[.. الواثق من نفسه تراه يعرف جيداً ما يفعل، ولا يخاف لومة لائم، ولاسيما انه واثق كل الثقة من أن تصرفه او كلامه صحيح، أما المغرور فهو على العكس من ذلك ..]
-
كيف نميز المغرور عن الواثق بنفسه؟
الغرور والثقة هما حالتان في داخل الانسان نستطيع التمييز بينهما عن طريق ما تفرزهما الصفتان من خلال تصرفات الانسان.
الواثق من نفسه تراه يعرف جيداً ما يفعل، ولا يخاف لومة لائم، ولاسيما انه واثق كل الثقة من أن تصرفه او كلامه صحيح، ومع ذلك يستقبل انتقادات الاخرين اليه بكل رحابة صدر، ويستمع الى اراءهم ويفكر فيها ويفرح عندما يشير له احد بخطأ ارتكبه، ليكون مصداق الحديث الشريف: “رحم الله مَن اهدى اليَّ عيوبي”، و يكون الواثق مصدر الهام وتشجيع للأخرين، واهم شيء لا يتحدث عن انجازاته ويتباها بها كي لا يغتر، بل انجازاته هي مَن تتحدث عنه بصمت .
اما المغرور فعكس ذلك كله، فهو لا يتقبل الملاحظة و الانتقاد، وتراه معجباً بنفسه وبرأيه، ودائما يبحث عن أخطاء الآخرين ليثبت لنفسه الفاشلة انه افضل منهم، و يحاول بشتى الطرق ابراز نفسه لنيل الاعجاب، يقول الامام علي، عليه السلام: “مَن اغتر بنفسه أسلمته إلى المعاطب”.( ميزان الحكمة – ج ٣).
وهذا ما يدعونا لمراجعة انفسنا باستمرار حتى لا نقع في فخ الغرور، ونظن انها ثقة بالنفس، فالخلط بينهما وارد، و ربما يقع الانسان في الغرور دون أن يشعر ظناً أن من حقّه الثقة بنفسه والاعتداد بها وعدم السماح بالتقليل من شأنها.