حدیث الناس

كربلاء مقدسة على طول الخط

مبادرة رائعة من إخوة مؤمنين بتنظيم تظاهرة ولائية في كربلاء المقدسة شعارها التلبية لنداء الإمام الحسين، عليه السلام، بالإصلاح في الأمة على كافة الصُعد، وذلك؛ مساء يوم الاحد المصادف لليلة رأس السنة الميلادية (1-1- 2024)، الهدف من التظاهرة دعوة شريحة من المجتمع بالكفّ عن بعض الاعمال في هذه الليلة بما يناقض هوية المدينة، مثل رفع اصوات الاغاني والموسيقى، والرقص الجماعي، وخلق أجواء من البهجة والفرح المبالغ فيه وغير المبرر أمام المطاعم والمولات، وسط زحام شديد وسط المدينة، وعرقلة مريرة لحركة المركبات والمواطنين في الشوارع الرئيسية.

⭐ إن الناس الموالية والمحبّة للإمام الحسين، عليه السلام، تريد مدينتها مقدسة ومحترمة بأقصى ما يمكن على طول الخط، وفي كل ايام السنة

ومن الطبيعي أن المبتهجين بهذه المناسبة لن تصدر منهم –على الأغلب- ردود فعل تذكر إزاء هذه التظاهرة، لاسيما اصحاب المحال التجارية والمطاعم في مناطق معينة من المدينة، لأن استقرار الشارع، والسلم الأهلي والاجتماعي وسيلتهم لتحقيق النجاح والارباح لمشاريعهم التجارية، فليس من مصلحتهم الاصطدام بقضية كبيرة وحساسة مثل قدسية مدينة مثل كربلاء، هذا فضلاً عن قرار المحافظ، السيد نصيف جاسم الخطابي بحظر كل اشكال الزينة والابتهاج والرقص في هذه الليلة، والتهديد بعقوبات شديدة للمخالفين. ولكن!

هل هذا يكفي لمدينتنا المقدسة؟

المدينة التي يزداد التوافد عليها يوماً بعد آخر، بين مقيم مع عائلته، او مستثمر، او زائر، أو عامل، تحتاج عملية تذكير يومي ايضاً بهوية المدينة واستحقاقاتها، فالقضية ليست هذه الليلة، او تلك فقط، إنما المرقد الشريف للإمام الحسين، وأخيه أبي الفضل العباس أمام مرأى المقيمين في هذه المدينة على مدار الساعة والايام، والناس تحوم حوله، وتمر منه ذهاباً وإياباً، فضلاً عمن يتخذ منطقة ما بين الحرمين الشريفين بما يشبه “الاستوديو” لالتقاط الصور التذكارية، فيما ينشغل آخرون بتناول الطعام في الزوايا والاماكن القريبة من المرقدين الشريفين.

لا نخوض كثيراً في افعال الزائرين، لاسيما الاضطجاع والنوم داخل الحرمين الشريفين، وايضاً في المناطق القريبة مما يبرره البعض بالاضطرار، او التزوّد المعنوي من بركات الإمام الحسين بتناول الطعام، لاسيما إفطار شهر رمضان المبارك، إنما القضية بالغة الأهمية والحساسية وليس من السهل تحويلها الى عادة اجتماعية مباحة، لان انتهاك حرمة أي شيء له بدايات صغيرة غير محسوسة، ولا يكون بقوة وبشكل سافر، فلا أحد يريد لنفسه تهمة انتهاك قدسية مدينة كربلاء، لذا فهو يلجأ للتبرير واستصغار هذا العمل او ذاك، مما يتطلب عملية تفهّم كامل وعميق لمعنى قدسية كربلاء، ومنشأ هذه القدسية.

⭐ إذا عرفنا واستشعرنا بوجود الأشلاء المقطعة والدماء السائلات على هذه الارض التي نسير عليها وننام فوقها والتضحيات الجسام من اجل العقيدة والرسالة السماوية

فإذا عرفنا واستشعرنا بوجود الأشلاء المقطعة والدماء السائلات على هذه الارض التي نسير عليها وننام فوقها والتضحيات الجسام من اجل العقيدة والرسالة السماوية، حينئذ ستكون كل حركاتنا وسكناتنا محسوبة بمعايير آداب الزيارة والإقامة لأي انسان في هذه المدينة، وهذا الشعور نرجو ان يكون في قلب كل امرأة زائرة، وفتاة جامعية، وفي قلب كل شاب يكتّسب في محل تجاري، وفي قلب كل رجل صاحب مشروع تجاري او يقود مركبته في الشارع.

ولا يمكن تبعيض الأخلاق والدين مطلقاً، فهي إما تؤخذ كاملة، او لا تؤخذ، وقدسية الشخصيات العظيمة في الاسلام، ومن ثم، الارض التي تضم جثامينهم الطاهرة، مصدرها القيم الدينية والاخلاقية التي جاءت بها تعاليم السماء، فالرقص في الشوارع بحجة ليلة رأس السنة الميلادية وجد تبريره بمشاهد الرقص في الاعراس وسط المدينة المقدسة طيلة ايام  السنة، و تبرّج النساء والفتيات في بعض المناطق في هذه الليلة ايضاً وجد تبريره من التبرّج طيلة ايام السنة في شوارع ومناطق المدينة، حتى بات من الطبيعي اجتماعياً ظهور الفتيات والنساء من دون عباءة بذريعة وجود “موديلات” من الملابس تستر جسد المرأة وهذا يكفي! هذا ناهيك عن تصرفات وأعمال أخرى تتعلق بالملبس وطريقة الحديث ومستحضرات التجميل والعطور. إن الناس الموالية والمحبّة للإمام الحسين، عليه السلام، تريد مدينتها مقدسة ومحترمة بأقصى ما يمكن على طول الخط، وفي كل ايام السنة، بل حتى أيام الحزن والعزاء، فالانسان يبقى انساناً معرضاً للخطأ والزلل، فلابد من التذكير والذكرى تنفع المؤمنين، تقول الآية القرآنية الكريمة، بأن يحافظ الشباب والرجال على عفّتهم البصرية، فيما تحافظ النساء على عفتهن البدنية حتى يكون المجتمع بأكمله نقياً من الشوائب النفسية، ومتماسكاً اخلاقياً وعقدياً.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا