ثقافة رسالية

الحفاظ على المقدسات الإسلامية مسؤولية حسينية

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.

لو أن احدهم تعرض للعَلَم الرسمي للدنمارك بسوء، فإن ذلك الشخص سيتعرض لغرامة مالية وسجن يصل الى اربعة اشهر، اما في الدول الأخرى كفرنسا ـ مثلا ـ فإن الغرامة تكون 7500 يورو والسجن يصل الى ستة أشهر، اما في الولايات المتحدة الأمريكية يصل التعرّض للعَلَم بسوء أو إهانة الى عام كامل في السجن، وفي ألمانيا فإن التعرض للنشيد الوطني او العَلَم الرسمي بإزدراء او اهانة فإن يستحق غرامة مالية وسجن لمدة ثلاث سنوات وذلك تحت قانون (حماية الرموز الوطنية الألمانية).

والسؤال هنا: ما قيمة قطعة القماش(العَلَم) إن تعرض للحرق؟

ولماذا يستحق المتعرِّض لتلك القماشة الى العقوبة؟

العلمانية حينما جاءت بالحضارة الموجودة وحكمت وهي التي تسيطر على كثير من الدول اليوم، جعلت عنوان حركتها وهو “نزع القداسة”؛ فقالوا: لا يوجد شيء مقدّس، وكل شيء يمكن أن يدخل تحت إطار التشكيك.

⭐ كل حدود الله وكل ما أمر مقدس ويجب أن تُحترم، ولكن هنالك ما هو أقدس ويجب أن يحفظ، فإن لم يحفظ سيكون تنازل عن مقدسات أخرى

لكن حينما نأتي الى القوانين التي شرّعتها العلمانية في الدول التي تحكمها وفرضوها من خلال الأمم المتحدة، ومن خلال المنظمات العالمية على دولنا، نجد العكس، فإن هناك أمور مقدسة؛ أي انهم أرادوا نزع القداسة من كل شيء مقدس حقيقي مرتبط بالله، وربط القداسة بأمور يفتعلونها، مثلا لو أن دولة اعتدت على دولة أخرى في حدودها وأخذت منها عدة أمتار بالقوة العسكرية، فهل البلد الذي اُخذ منه سيسكت، بالطبع كلا، فهو مستعد لتجييش الجيوش، ويقيم الحرب من اجل استعادة تلك الامتار المحتلة، فمن أين اكتُسبت هذه القداسة؟

نحن في هذه الأيام نعيش اجواء تعرّض لأقدس مقدسات ألفي مليون إنسان على وجه الارض وهو “القرآن الكريم”، الذي هو الثقل الأكبر، وهو الذي تركه النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، بيننا وجعله أمانة عندنا، وتحت يافطة وعنوان حرية التعبير تُحرق نسخةً من القرآن الكريم، بإيجازة رسمية، وحماية حكومية، وتحت أنظار العالَم، وينشر ذلك عبر وسائل الإعلام.

حينما نعيش هذا الحدث ونحن في شهر محرم الحرام الذي انتُهكت فيه الحرمات، حينما نعيش ذلك ينبغي علينا أن نتساءل: هل مثل هذا الحدث يجب أن يمر دون أن نعتني به كأتباع لكتاب الله؟ ام يجب ان نقف وقفة جادّة؟

وإذا وقفنا ما الذي يجب ان نفعله؟

سيكون الكلام ضمن أربعة محاور:

المحور الأول: ما هي حرمات الله؟

المحور الثاني: فلسفة الحرمات.

المحور الثالث: مسؤولتنا تجاه انتهاك الحرمات.

المحور الرابع: حفظ وصيانة الإمام الحسين، عليه السلام، للحرمات.

  • المحور الأول: ما هي حرمات الله؟

ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ سخر لنا الأنعام، فالملايين منها تذبح سنويا حتى نأكلها، سواء الابقار او الاغنام، او الآبال، لكن ناقة واحدةً عُقرت استحق القوم الذين كانت فيهم تلك الناقة عذابا أليما من قبل الله ـ تعالى ـ: {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا}، قيمة الناقة انها ناقة الله ومنتسبة اليه.

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} قدّوس؛ يعني رب العالمين هو مصدر القداسة، وكل شيء ينتسب الى الله ـ تعالى ـ يصبح مقدّسا؛ لذلك بيت الله، و كتاب الله، آيات الله، شهر الله كلها مقدسة، اُتي لأمير المؤمنين، عليه السلام، (بالنجاشي) الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين، ثم حبسه ليلة، ثم دعا به من الغد فضربه عشرين، فقال له: يا أميرالمؤمنين هذا ضربتني ثمانين في شرب الخمر، وهذه العشرون ما هي؟

 فقال عليه السلام: هذا لتجرئك على شرب الخمر في شهر رمضان”.

كل حدود الله وكل ما أمر مقدس ويجب أن تُحترم، ولكن هنالك ما هو أقدس ويجب أن يحفظ، فإن لم يحفظ ستكون الأمور بعده مختلفة، يقول عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لله عز وجل في بلاده خمس حرم: حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وحرمة آل الرسول صلى الله عليه وآله، وحرمة كتاب الله عز وجل، وحرمة كعبة الله و حرمة المؤمن”.

فرسول الله له حرمته، فلا يجوز رفع الصوت بحضرته، واجماع الفقهاء أن لا يجوز أن يصلي المؤمن مستدبراً رسول الله، صلى الله عليه وآله، كذلك لأهل البيت رسول الله حرمتهم، وقد جاءت الآيات الكثيرة والروايات المستفيضة لبيان ذلك، وكذلك الأمر في بقية الحرمات الخمس التي جاءت في الرواية السابقة، فكل لها خصوصيتها واهميتها.

  • المحور الثاني: فلسفة الحرمات

إذا سألنا الألمانيين: لم سَننتم قانون حماية الرموز الوطنية الألمانية؟

سيقولون: صحيح أن العَلَم خرقة قماش لكنه يمثّل هوية، ويرمز الى احترام الشخص للقوانين والانظمة التي تحكم، فمن يتعرّض ـ مثلا ـ للعلم فإنه يقول: لا احترم أي شيء في هذه الدولة، فربما يُقدم على عملية إرهابية او حرب او اي شيء مخل بالدولة، فمن يدخل في حدود بلدٍ متر فإنه سيدخل بعدها مئة ثم ألف ويصل الى العاصمة، ما لم يُمنع من بداية الأمر.

أما إذا لم يَحفظ الانسان هذه الحرمات فإن تبعاتها ستكون كبيرة، فالشخص الذي حرق القرآن الكريم ثلاثة أمور اراد ايصالها:

الاول: كسر حرمته حتى يسهل كسر الحرمات التي بعدها.

الثاني: جعل حاجزاً بين المسلم وبين كتابه الكريم، لان كتاب الله اصبح له تأثيرا كبيرا على مستوى العالَم.

الثالث: سلخ المسلم من هويته ليسهل فيما بعد التنازل عنها.

  • المحور الثالث: مسؤولتنا تجاه انتهاك الحرمات

رب العالمين كلفنا من جملة التكليفات ان ندافع عن حُرم الله: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

⭐ يجب أن تكون المقدسات في قائمة اولوياتنا وان لا نحاول تصغيرها بأي شكل من الاشكال

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الْأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنكَرِ، وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ، وَشَنَآنِ الْفَاسِقيِنَ: فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤمِنِينَ، وَمَنْ نَهَىِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ الْكَافِرِينَ، ومَنْ صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ شَنِىءَ الْفَاسِقِينَ وَغَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اللهُ لَهُ وَأَرْضَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. “، من يغضب لله في الدنيا يقف ـ تعالى ـ له يوم القيامة، فمن الواجبات الدفاع عن حرمات الله ـ تعالى ـ.

فاولئك الذين لم يدافعوا عن حرمة رسول الله، صلى الله عليه وآله، حينما قال (الرجل): انه ليهجر! كان هذه بداية لانتهاك حرمة رسول الله، التي مهدت فيما بعد للهجوم على بيت الزهراء، وقتل أمير المؤمنين، ودس السم للإمام الحسن، وصولا الى مأساة كربلاء التي كانت نتيجة طبيعية لعدم احترام حرمة رسول الله وهو على فراش الموت.

ومسؤليتنا ـ على المستوى الفردي ـ تجاه الحرمات على ثلاثة أصعدة:

الاول: أن تكون المقدسات على اولوياتنا وان لا نحاول تصغيرها بأي شكل من الاشكال.

الثاني: ان نؤدي حقّ المقدسات، فكتاب الله يجب ان يتحول الى عمل ومنهج.

الثالث: نشر المقدسات الى الآخرين، فعلينا نشر الثقافة القرآنية والحسينية للعالَم، لما تحويه على تعاليم كبيرة للإنسانية جمعاء.

على المستوى الجمعي؛ على المسلمين ان يقفوا جميعاً ولا يسمحوا بالتعدي على مقدسات الامة، فالمسؤولية فردية وجماعية.

الامام الحسين، عليه السلام، تصدى للحرمات التي انتهكها بنو امية، قال عليه السلام، قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله ” وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وإني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله.


  • مقتبس من محاضرة المجلس الحسيني للسيد مرتضى المدرسي في الدنمارك.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا