تعيش المجتمعات في فترة الحروب اوضاعا اقتصادية صعبة خصوصا اذا كانت الحرب بين طرفين غير متكافئين في العِدّة والعدد، كما يحصل في الحرب الظالمة التي تفرضها السعودية وعدد من الدول المتحالفة معها ضد شعب اليمن، ونظرا الى أن الحرب تأخذا اشكالا متعددة فهي لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، فليجأ الخصم الى استخدام الحرب الاقتصادية من قبيل الحصار البحري، كمنع السفن التجارية التي تحمل الغذاء والدواء من الوصول الى المحتاجين، و ايضا منع خروج أي منتوج من هذا البلد بغرض التصدير والاستفادة من موارده المالية.
اليوم؛ ومنذ اكثر من ثلاث سنوات يعيش الشعب اليمني أسوأ مجاعة في العصر الحديث حسب تقارير الامم المتحدة، اذ يفرض النظام السعودي، مضافا الى الحرب؛ الحصار الجائر على كل الموانئ البرية والبحرية اليمنية، مما تسبب في هلاك الكثير بسبب نقص الغذاء والدواء، ففي محافظة حَجّة شمال غرب اليمن تسوء الحالة المعيشية يوما بعد يوم، ومما يندى له الجبين الانساني، حيث تعرضت عوائل للموت بسبب عدم توفر اساسيات الحياة الضرورية.
ولان من طبيعة الحرب انها تهجّر الساكنين وتبعدهم عن ديارهم و أرضهم، فقد نزح الكثير من اليمنيين من مناطق القتال، الى مناطق آمنة علّها تقيهم من شبح الموت الذي يطاردهم، فاصبحت العاصمة صنعاء وضواحيها ملاذاً آمنا للكثير من النازحين المشردين لما تتمتع به من استتباب أمني بفضل الجيش واللجان الشعبية.
في إحدى الضواحي الشرقية للعاصمة صنعاء وبالتحديد في مديرية جحانة أقام الكثيرمن النازحين من مختلف المحافظات المنكوبة والتي تعيش وطأة الحرب، كتعز والحُديدة وحجة.
استقبلَ أهالي المنطقة، النازحينَ بحفاوة كبيرة، و واسوهم ورحبوا بهم، ولم يتوانوا عن تقديم الدعم المادي لهم، فخطباء المساجد و وجهاء المنطقة دعوا جميعاً الى مؤازرة النازحين والوقوف الى جانبهم في محنتهم التي يمرون بها.
أم حسين؛ إحدى نساء الحي الذي نسكن فيه تقول: نزل في احد البيوت المجاورة لنا نازحون من محافظة تعز، وكانوا أسرة كاملة تركوا خلفهم كل ما يملكون بعد تعرض منطقتهم لاحتلال من قبل مرتزقة الجيش السعودي، وكانت هذه العائلة تشكو الفقر، وتعاني اوضاعا اقتصادية مرّة.
تضيف ام حسين : نحن لم نتركهم في الايام الاولى بعد نزولهم في الحي فالكل تعاون، وكل بيت قدم شيئا ليكتمل تجهيز النازحين بما يحفظ لهم كرامتهم وعزتهم، فهناك من قدم البطانيات والفراش، وآخر جلب الطحين والسكر والمواد الغذائية، وثالث مع عائلته ينظفون البيت، فالكل يتفانى في خدمة الجار الجديد، اذ لا يعدّونه نازحا و إنما ضيفا حل بهم ويجب اكرامه.
تضيف ام حسين : كنتُ اذا اعددتُ الطعام لزوجي واطفالي، اقوم بأخذ نصف ما طبخت و ارسله الى جيراننا النازحين، فليس من الاخلاق ان يتلوّى اطفالهم جوعا ونحن نتلذذ بالطعام، واشارت ام حسين: حين اقوم باعداد الخبز، فإذا خبزتُ اليومَ ثماني خبزات أرسل أربعاً للنازحين ونكتفي باربع، وهكذا تأقلمنا مع هذا الوضع منذ بداية العدوان على اليمن.
هذا نموذج واحد من بين عشرات النماذج الاجتماعية النبيلة في المجتمع اليمني الذي ما زال يحتفظ بالقيم المثلى والصفات العليا، وبهذا التكاتف صمد اليمنيون امام العدوان الغاشم لاكثر من ثلاث سنوات وسينتصرون ما دام المجتمع متكاتفاً يشدّ بعضه إزر بعض .
ان محافظة الشعب اليمني على اصالته العربية، وتمسكه بالقيم الاخلاقية الرفيعة جعلته مؤهلا للصمود في وجه العدوان السعودي، فلا يزال الانسان اليمني بسيط الحال متواضع الشأن نقي الفطرة، ومع ما يمر به هذا الشعب من ضيق في المعيشة وتكالب الاعداء عليه، إلا انه لم يترك مبادئه وقيمه في إعانة المظلوم، ومساعدة المحتاج، واغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، هذه صورة حيّة يعيشها الشعب اليمني الصابر في ظل عدوان غاشم لا يراعيِ الحرمات ولا يلتزم بالمواثيق والعهود.
————————
- كاتب من اليمن