يبدو واضحا ان هذا الجانب من حياة الأمة هو مهمة ووظيفة الإمام في عصره فكان الإمام، عليه السلام، وروحي فداه، يبحث عن طريق يؤدي تلك الرسالة ويحافظ على تلك الجماعة المباركة من الشيعة التي كانوا في محطة من أدق وأحس الفترات كلها لما لها من تأثير على مستقبل الأمة كلها، فمهمة الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، الشاب الذي اُبعد عن أهله وقاعدته في المدينة المنورة، وجاؤوا به إلى مدينة العسكر ومنعوا أحدا من الاتصال به إلا للضرورة.
فهو في مكان غريب ومجتمع أشد غربة وظروف في غاية البؤس والتقلب والضغط الاجتماعي السياسي، والاقتصادي والثقافي وحتى الانساني، وكان عليه أن يعطي الأمة حقها ويحافظ على دينها ويدافع عن قرآنها وعقائدها تجاه اولئك المتربصين، والرد على الشبهات الكثيرة التي كانت تثيرها حركة الترجمة والاختلاط الثقافي في المجتمع.
ورغم تلك الظروف المعقدة جداً ترى الإمام الشاب الحسن العسكري، عليه السلام، وهو في قلب مدينة العسكر حيث يعدون أنفاسه، ويراقبنه من يقظته وحتى منامه، تراه مطمئنا هادئا لايحسب لهم حسابا، بل بالعكس كانوا يعيشون حالة من الرعب.
⭐ رغم تلك الظروف المعقدة جداً ترى الإمام الشاب الحسن العسكري، عليه السلام، وهو في قلب مدينة العسكر حيث يعدون أنفاسه، ويراقبنه من يقظته وحتى منامه
واول خطوة في هذا الاتجاه هو حماية الشيعة وتحصينهم أمنيا حتى لا تقتلهم السلطات العباسية المتربص بهم للتنكيل بهم اوسجنهم، فكان المولى الإمام، عليه السلام، يحاول بكل طريقة ووسيلة ان يحفظهم ويحميهم من اولئك الطغاة وجلاوزته، لذا شدد الإمام العسكري، عليه السلام، دعوته إلى الكتمان وعدم الإذاعة والحذر في التعامل مع الآخرين، والتشدد في نقل الاخبار، والوصايا عنه ونقل اوامره إلى أصحابه ونقل أخبارهم اليه، فإن اتباعه قد انتشروا في اقطار الدولة الاسلامية في عصره، عليه السلام، بعد أن اخذ التشيع طابع المعارضة واتسعت داىرته تحت راية اهل البيت، عليهم السلام، وكثيرا ما كانت تصدر عنه التحذيرات المهمة لهم تجاه الفتن والابتلاات المستقبلية تجنيبا لهم من الوقوع في شرك السلطة وحفظا لهم من مكاىدها.
الكتمان والسرية المنهج الأصوب إلى تربية شيعته ومواليه
كان الإمام العسكري، عليه السلام، بهذا التصرف الحكيم قد حمى نفسه الشريفة، وحمى هذا المؤمن الموالي له لأن الظروف كانت لا تسمح بالعمل المكشوف، والأمر يحتاج إلى تقيّة وحكمة وحنكة في كل التصرفات لحفظ الجميع، وكان الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، هو المبادر إلى ابتكار أساليب جديدة فيه إيصال أوامره ووصاياه إلى وكلايه وثقاته.
و تفيدنا الروايات والنصوص وغيرها ان الظروف الصعبة والقاهرة التي عاشها الإمام، عليه السلام، وأصحابه هي التي ألجأته إلى اتخاذ السرية والكتمان الشديد في تعامله مع قواعده الشعبية، وبالتالي فهي الطريق الأصوب إلى تربية شيعته ومواليه وتهيئة قواعده لعصر الغيبة الصغرى والتي سوف يتم اتصال الشيعة خلالها بالامام المهدي، عجل الله فرجه، عن طريق وكيل له، حيث لا يتسير الاتصال المباشر به ولايكون الإلتقاء به ممكنا وعمليا، وذلك لما كانت السلطة العباسية قد فرضته من رقابة شديدة على الشيعة لمعرفة محل اختفاء الإمام المهدي، عجل الله فرجه.
وفعلا استطاع الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، الشاب الساكن في مدينة كالمدن، ومجتمع له صبغته الخاصة وتكوينه المميز من حيث العصر والحياة كلها، والمراقب في كل شيء ان يقوم بتلك المهام العويصة تجاه الأمة وقائدها، والشيعة وأمامها، وهكذا خطط الإمام العسكري، عليه السلام، ليبقى امر الإمام المهدي، عجل الله فرجه، بعيدا عن الأنظار كما ولد خفية، ولم يطلع عليه إلا الخواص، او اخص الخواص من شيعته ومحبيه الذين أراد الإمام العسكري، عليه السلام، ان يُقرَّ عيونهم برؤيته تارة وبولادته أخرى، فكان يعطي كل منهم قدر طاقته وحاجته.
الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، قام بكل ذلك ولكن بشكل مختلف ما جعل الناس يحتارون فيها إلى اليوم فبعضهم لايصدقها، او يشكك فيها لأنها خارجة عن المألوف عبر العصور، ومن تلك الأعمال العقيقة، جمع عقائق وليس عقيقة.
⭐ تفيدنا الروايات والنصوص وغيرها ان الظروف الصعبة والقاهرة التي عاشها الإمام، عليه السلام، وأصحابه هي التي ألجأته إلى اتخاذ السرية والكتمان الشديد في تعامله مع قواعده الشعبية، وبالتالي فهي الطريق الأصوب إلى تربية شيعته ومواليه
اخيرا؛ اقول: كل ذلك وهذا الوضوح يأتي إليك من يشكك بالامام المهدي، عجل الله فرجه، وبعضهم ينكره ويؤمن بالمسيح الذي سيأتي في آخر الزمان ليصلح ما فسد منه، او يقول: إنه لم يلد، او انه من ولد الامام الحسن المجتبى، عليه السلام، وكل ذلك صحيح، لأن المسيح، عليه السلام، سينزل ولكن سيكون تحت قيادة الإمام المهدي، عجل الله فرجه، وهل استطاع ان يصلحها أولا المسيح حتى يأتي ليصلحها بعد هذه القرون المتطاولة في الغي والضلال.
و المهدي، عجل الله فرجه، من السيدة فاطمة الزهراء، من ولديها، سيدا شباب أهل الجنة، ولكن الملاحظ هنا أن الإمام المصلح العالمي الذي هو سر الله الذي اودعه في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، يصرح بكلمة منقولة عنه بأنه يتاسى بأمه فاطمة البتول، عليها السلام حيث يقول: “في ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله، لي أسوة حسنة”. إلا يجدر بنا إن نتأسى بها نحن في حياتنا واسرنا ومجتمعاتنا؟
هكذا كان الإمام العسكري ككل اجداده الكرام مظلوم أشد الظلم من الأمة الظالمة وحكامها من بني العباس الطغاة الظالمين الذين حاولوا أطفأ ذاك النور، واسكات ذاك الصوت الحق، ولكن الفطنة والحنكة التي كان عليها الإمام فوتت عليهم الفرصة دون تحقيق مآربهم، بل التف عليها كلها وحقق رسالته كاملة في الأمة، ولذا لم يتركوه فخافوا على ملكهم فدسوا له السمَّ فقتلوه وهو في الثامنة والعشرين من عمره الشريف، ولكنه ترك للأمة والعالَم مخلصها من اشرارها وظلمهم، وباني دولة الحق والعدل الإلهيةالمنتظرة فيهم في قادم الأيام بإذن الله تعالى. اللهم انفعنا بحبه واحشرنا في زمرته بحق محمد المصطفى ص وآله وسلم.