علينا التوقف طويلاً عند هذه المفاصل الهامة في تاريخنا لماذا منعوا الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، من كتابة وصيته العاصمة لهم من الضلال كما تعترف وتروي كل مجاميعهم الروائية، لأنها هي المفصل الذي تحولت فيه الأمة من خير أمة أخرجت للناس إلى شر أمة من الناس يقتلون أبناء الأنبياء والمرسلين وأهل البيت، عليهم السلام، أجمعين طمعاً بالسلطة والحكم، ونَهَم رجال قريش للدنيا وزبرجها وزخرفها.
📌 تلك الحادثة الكارثية بكل ما في الكلمة من معنى مهدت الطريق للكارثة العظمى والانقلاب على الاعقاب في السقيفة المشؤومة
تلك الحادثة الكارثية بكل ما في الكلمة من معنى مهدت الطريق للكارثة العظمى والانقلاب على الاعقاب في السقيفة المشؤومة، وذلك بما عرف برزية يوم الخميس، كما سماها حبر الأمة عبد الله بن عباس، التي يرويها البخاري عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: لما حضر رسول الله ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي: “هلم اكتب لكم كتابا لن، تضلوا بعده.
فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله فاختلف اهل البيت فاختصموا منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما اكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال رسول الله: “قوموا عني”.
اي انه، روحي له الفداء، طردهم من بيته ومجلسه لأنهم ردوا عليه واتهموه بعقله، فتصور ان المحكوم بالإعدام يطلبون له آخر أمنية له، ورسول الله يرفضون منه الوصية.
قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية (المصيبة) كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب العاصم من اختلافهم ولغطهم”.
وفي البخاري عن ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله وجعه، فقال: “اتوني اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا”، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا ما شأنه، أهجر، خرف، استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: “دعوني فالذي انا فيه خير مما تدعونني إليه”.
وفي مسلم: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه، حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: أأتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا”، فقالوا: إن رسول الله ص يهجر!
سبحان الله؛ رسول الله كان معصوما مطلقا، قال ـ تعالى ـ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، فاتهمه الرجل بالهجر، والهذيان، والتخريف، فشكك بعقله وقابليته، والعياذ بالله، ولم يكن به ضرب، او طعن، او نزف، وما شابه ذلك، وكان مسددا بالوحي وجبرل لا يفارقه، ولكن الرجل كان رجلا من رجال مكة الذي قضى ردحا من الزمن يعبد الأصنام والأوثان كما كان يحدّث، وكان مطعونا بخنجر مسموم، وينزف الدماء، وابتدع نظرية لأول مرة في تاريخ البشرية، الشورى السداسية، ولم يمنعه احد من هذه البدعة، ولم يتهمه احد بعقله، فهو أحق، واجدر، بالهجر، والتخريف، والهذيان في حالته تلك، ولم يطعن احد بقرار الرجل ذاك بل جعل سنة سارت عليها السياسة الاسلامية، وإلى اليوم يحتجون بها في كتبهم ونظرياتهم وهي باطلة أصلا وفصلا، وداعية للضلال، وباعثة للضياع كما اثبتت التجربة عبر أربعة عشر قرنا من الزمن وإلى اليوم هي تمثل النص الديني الذي يطالب به اهله، فلماذا لا يجرؤ احد على البوح بهذه الحقيقة؟ نعم إنه سيف التكفير والتفسيق وهدر الدم والكرامة وسياسة الدرة ما زالت سارية المفعول ولكن باساليب حديثة لكم الأفواه.
فضلال الأمة مسؤولة عنه عصابة قريش، وحكام السقيفة، الذين قتلوا رسول الله حين سقوه السم مرتين في مرضه باسم الدواء اللدد، وردوا عليه كل اوامره، ورفضوا الخروج مع أسامة إلى حيث أمرهم، إلى أن حققوا مآربهم بالوصول إلى الحكم والسلطة بانقلاب ابيض حدث في السقيفة المشؤومة، لان القوم ارادوه دمويا حيث اتفقوا مع قبيلة اسلم التي احتلت المدينة حتى ملأوا سككها، وانضموا إلى رجال قريش وقووهم، لكن وعي أمير المؤمنين، عليه السلام، كان حاضراً ففوت عليهم الاقتتال الدموي.
- الانقلاب المسلح بأربعة آلاف مقاتل
إليك بعض النصوص والشواهد التي تؤكد الانقلاب المسلح بأربعة آلاف مقاتل، قال هشام قال أبو مخنف فحدثني ابو بكر بن محمد الخزاعي: “إن قبيلة اسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايقت بهم السكك، فبايعوا ابا بكر، فكان عمر يقول: ما هو إلا إن رأيت اسلم فايقنت بالنصر.
📌 تصور ان المحكوم بالإعدام يطلبون له آخر أمنية له، ورسول الله يرفضون منه الوصية
وان قوما من الأعراب دخلوا المدينة ليتآمروا على امنها، فانفذ إليهم عمر، فاستدعاهم وقال لهم، خذوا بالحظ والمعونة على بيعة خليفة رسول الله فمن امتنع، فاضربوا راسه وجبينه، قال: فوالله لقد رأيت الأعراب قد تحزموا، واتشحوا بالازر الصنعانية، واخذوا بأيديهم الخشب، وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا، وجاووا بهم مكرهين إلى البيعة”.
ومن المعلوم تاريخيا أن الأعراب الذين كانوا حول المدينة هم قبائل، أسلم وجهينة وغفار واشجع، ولذا قال ابن أبي الحديد المعتزلي: جاء ت اسلم فبايعت، فقوي بهم ابي بكر.
اذن؛ البيعة كانت بالقوة واحتلال المدينة من قبائل أسلم، ومن تحالف معهم عمرمن قبل، ولذا كانوا متحضرين على كل المستويات الفردية والاشخاص، والقبائل ويذكرون رقما ليس بالسهل وهو أربعة الاف الذين دخلوا المدينة واحتلوها وملأوا السكك فيها، وهم كانوا موتزرين بالازر الصنعاني، وكانوا يجبرون كل من لقوه على بيعة الخليفة الذي كانوا يزفونه إلى المسجد كزفة العروس رضي بذلك او ابى، فالدرة، والسوط، والخشب جاهزة لخبط المعترضين عليهم.
ويأتيك فيلسوف ليقول لك انها كانت بيعة عامة بالرضا، او انه لماذا لم يخرج عليهم الإمام علي، عليه السلام، بمن معه من بني هاشم، فما عساهم ان يفعلوا إلا أن يحدثوا فتنة عمياء يقتل فيها الكثيرين، ولهذا قال أمير المؤمنين، عليه السلام، يشرح الأمر ليُفهم الأمة حقيقة ماجرى في خطبته المعروفة بالشقشقية، حيث يقول فيها: “أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى..” ، ثم قال: “فرأيت أن الصبر على هاتا احجى فصبرت وفي العين قذى وفي الخلق شجا أرى تراثي نهبا”
قالها الإمام علي، عليه السلام، جهاراً نهاراً وبمحضر كبار رجال واعيان الأمة، ويأتيك لقن، لا يدري ما يقول ليتقوّل على أمير المؤمنين، عليه السلام، ويتفلسف عليك أمير المؤمنين، عليه السلام.
وكل هذا الكم الهائل من الخطب والروايات لا تكفي لانه إما يكذبها إذا لم يروها أصحاب ما يسمونه بالصحاح، او يرفضها لأنها لا توافق ذوقه، ومحبته لرجال وحكام قريش، وما عسانا ان نفعل لهؤلاء الأشقياء، ولو جاءهم رسول الله، صلى الله عليه وآله وقال لهم: “علي مع القرآن والقرآن مع علي”، و”علي مع الحق والحق مع علي” و”من اتبعه اتبع الحق ومن تركه ترك الحق”، لما قبلوا منه لأنه قالها لهم وبمحضرهم وغيابهم ولم يقبلوا منه لأن حب الدنيا والرئاسة اعمت البصائر قبل الأبصار، وكان امير المومنين، عليه السلام، أعظم المظلومين. اللهم ارزقنا شفاعة الإمام علي، عليه السلام يوم التناد يا رب.