يعتبر “الحياء” إحدى مكارم الأخلاق التي بها يسمو الإنسان إلى المعالي. فهي صفة تتجذر في عمق النفس وتظهر في سلوك الإنسان، وكان من صفات النبي الأكرم (ص) أنه شديد الحياء.
وعلى الرغم من أنها لم تُذكر في القرآن بشكل مباشر إلا في قصة بنات النبي شعيب، عليه السلام، مع النبي موسى، عليه السلام، لكنها وردت بتعبيرات مختلفة لعل أهما ما قاله يوسف، عليه السلام، لامرأة العزيز عندما أرادت منه المنكر في جُنح الليل وخلف أبواب الغرف حيث لا يراهم أحداً: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.
وقد ورد التعبير عنها في كلمات الدعاء مع الله سبحانه، وَيْلِي كُلَّما طالَ عُمْرِي كَثرَتْ مَعاصِيَّ فَكَمْ أَتُوبُ وَكَمْ أَعُودُ؟ أَما آنَ لِي أَنْ أَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّي؟
والحياء من الله ـ سبحانه ـ أعلى درجات الحياء، تعكس شعوراً كبيراً بالامتنان والشكر من العبد تجاه ربّه، حيث يستحي الإنسان أن يراه الله في مواضع يكرهها، ويحب أن يُرى في مواطن الرضا والرحمة والخير.
يعتبر بعض المفكرين أن أكبر مشكلة يعاني منها الإنسان اليوم “فقدان الحياء” من الإنسان المعاصر، فهو لا يشعر بالامتنان لأحد، لما تشبّع من الفردانية ونمو الذات على حساب كل شيء. حتى أن النقاد البيئيين يعتقدون أن أول طريق لإصلاح البيئة يبدأ بتعزيز الشعور بالامتنان للخالق أو الطبيعة على الأقل، فيتوقف عن تدميرها واستباحتها.
وهكذا طارت الأمثال في ثقافتنا “إن لم تستحِ، فافعل ما شئت”، فمن لا يستحي لا يقف أمامه أي رادع من عرف أو تقاليد أو سنن اجتماعية.
العالم الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي تقلل من حياء الإنسان تجاه الآخرين، لأنهم ليسوا أمامه، وقد لا يعرفهم، وإذا كان متنكراً تحت حسابات وهمية يزداد الموضوع سوءاً.
لكن هل يبرر هذا أن يخلع الإنسان درع الحياء وهو يتحدث مع الآخرين؟ لماذا يبدو سهلاً على كثيرين التعرض لآخرين بكلام وسلوكيات لا يقومون بها لو أنهم كانوا أمامهم؟ يتجسد هذا في أشكال التنمّر والهمز واللمز والسخرية، وتصنيف الناس بحسب شكلهم الخارجي
إذا أردت أن تكون حيياً فعليك أولاً أن تتذكر أن الله ـ سبحانه ـ يراك، وأن تتخيل ثانياً أن الشخص الذي تعلق عليه يقف أمامك، فهل ستتكلم وتعلق عليه وتتنمر عليه كما لو أنه في منصات التواصل الاجتماعي؟!
وأخيراً؛ يقول الإمام علي، عليه السلام: “مَن لا حياء له، فلا خير فيه”.