عندما يحلّ شهر رمضان المبارك من كل عام، يبدأ الحديث عن مظاهر التكافل الاجتماعي، منها؛ السلّة الرمضانية، وزيارة العوائل الفقيرة والمتعففة، ومدّ يد العون لهم، ومساعدتهم على تحمل أعباء المعيشة، من طعام، وتكاليف دراسة الابناء، والعلاج، وسائر المستلزمات الضرورية، كما يدور الحديث عن شريحة الايتام والأرامل التي يزداد استحقاقها من كل ذلك خلال هذا الشهر الكريم، ولذا وجدت مجلة الهدى من الواجب تسليط الضوء على هذه الشريحة تحديداً، في تحقيق يبحث عن سبل تكثيف الجهود وزيادة الوعي الاجتماعي لمزيد من الدعم لهذه الشريحة، الى جانب معالجة ما يعترض هذا المشروع الخيري العظيم، من مشاكل أو عقبات. ولابد من التأكيد أن العراق بشكل عام، وكربلاء المقدسة -حيث تصدر المجلة- تكثر فيها المؤسسات الخيرية المعنية بهذه الشريحة، فكان علينا اختيار عدد منها ليكون حديثها بالنيابة عن جميع المؤسسات العاملة التي ترمي الى نفس الهدف النبيل.
يتكون التحقيق من محورين؛ الاول: حول دور المجتمع وعمل المؤسسات المعنية، والثاني: حول الشريحة المستفيدة نفسها، وهي اليتيم وأسرته.
توجهنا بدايةً الى مؤسسة «السراج المنير الخيرية للبناء والتطوير، في حي الغدير. استقبلنا رجلٌ شاب وسيم، عرّف نفسه بانه؛ خالد يوسف الحجيمي، مسؤول العلاقات في المؤسسة، تحدث بدايةً عن انطلاقة العمل عام 2010، ومن داخل جامع الامام المهدي، عجل الله فرجه، في الحيّ نفسه، وقد «ولدت الفكرة من اتفاق عدد من خريجي الجامعات على مساعدة زميل لهم وافته المنيّة، في قضاء صلاة وصوم في ذمته، ورفع جزء من التكاليف عن أسرته، فجمعنا مبالغ نقدية وكلفنا أحد طلبة الحوزة العلمية لأداء هذ العبادات عن صديقنا المتوفى بالنيابة، من هذه الحادثة انطلقت فكرة إنشاء مشروع خيري لقضاء صلوات وصيام المؤمنين المتوفين ممن لا يتحملون أعباء «العبادات الاستئجارية»، وكانت البداية بتوزيع استمارات لمن يرغب بالانتماء، ويكون البدل الشهري مبلغاً قدره، خمسة آلاف دينار عراقي، انطلقنا بخمسة شباب خريجين، وكان معنا المهندس إحسان الزيادي، والاستاذ حسن الخيكاني، وهو مهندس كهرباء، وايضاً الاستاذ احمد الخيكاني، وهو مدرس رياضايات، أما مدير المؤسسة فهو السيد ياس العرداوي، وهو رجل أعمال. ومن أولئك الخمسة، اصبح اليوم عدد أعضاء المؤسسة ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص يقومون بعمل تطوعي في كربلاء المقدسة، وفي مدينة السماوة، وفي مدينة النجف الأشرف».
-
نحتاج ثقافة مجتمعية عالية عن كفالة الأيتام
أما عن كيفية تحول العمل الى كفالة الايتام، فيقول انه جاء بسبب وجود المؤسسة في وسط حي شعبي وفقير، فبدأت الناس تقصد مقر المؤسسة، لاسيما شريحة الايتام، فقررنا تأسيس مشروع ثانٍ لكفالة الايتام.
المتحدث باسم مؤسسة السراج المنير يؤكد على وجود الحالة الانسانية في نفس كل عراقي، وهذا ما أشار اليه جميع الاخوة في المؤسسات الاخرى، إنما «المشكلة في عدم الفهم الصحيح لفكرة كفالة اليتيم، مع رواج بعض التصورات السلبية عن عمل المؤسسات المعنية، لذا فنحن نؤكد على استقلالية المؤسسة بشكل كامل، ونعلن أننا واسطة خير بين المنفق، والمستفيد، فبإمكان الشخص المتبرع التعرّف على اليتيم وتسليمه الراتب أو أي مبلغ نقدي».
وفي مؤسسة اليتيم، فرع كربلاء المقدسة، فقد استقبلنا بحفاوة الأخ رسول الكركوشي رئيس الفرع، وأشار بدوره – في سياق هذا الحديث- الى مشكلة أخرى تواجه عمل المؤسسات الخيرية المعنية بالايتام، وهي: «ظهور بعض المؤسسات غير الرصينة او فاقدة للخبرة والتجربة، وهي تبحث عن مصالح سياسية او شخصية، هذا الامر ترك بعض الأثر السلبي على أذهان المجتمع، حيث نلاحظ احياناً تراجع الدعم للمؤسسات الخيرية بسبب تصرفات واهداف هذه المؤسسات الدخيلة».
وبموازاة ذلك أكد هو الآخر على أن «مجتمعنا يمتلك الرؤية الكاملة عن مفهوم مساعدة العوائل الفقيرة والايتام، وهو ما يساعدنا جداً على تقديم الافضل، بدليل المقارنة في مستوى الوعي في هذا المجال بين ما كان قبل حوالي خمسة عشرة سنة، وبين الوقت الحاضر، حيث نجد الفارق كبيراً، ففي الماضي لم يكن هذا الوعي اكثر من نسبة 25% في المجتمع، ولم يكن ذلك التفهّم والايمان بأهمية التبرّع للايتام وأثره الى المانح، وعلى المجتمع، وآثاره الدنيوية والأخروية، وبدأت ثقافة المساعدة وكفالة الايتام تنتشر في المجتمع».
كما تحدث الاخ الكركوشي عن شواهد لهذا التفاعل في شريحة المتعلمين، حيث أشار الى وجود أساتذة جامعات متبنين لكفالات أيتام، فمنهم من يتعاون معنا، او يكون هو متحملاً لكفالات أيتام من أرحامه او جيرانه»، وأعلن عن فتح المؤسسة أبوابها لمن يساهم في المشروع «بالشكل الذي يريد، حتى مرحلة التنفيذ وإيصال المساعدات بنفسه الى العوائل المستفيدة، مع حرصنا على صون كرامة العائلة المستفيدة».
ثم سألنا عن كيفية العمل على تعميق الوعي الاجتماعي، فأجابنا الأخ الكركوشي بأن «لدينا كوادر تلقوا دروساً في التنمية البشرية؛ مثل فن التواصل، وطريقة تسويق الافكار، وايضاً؛ دورة المندوب الناجح، الى جانب تحركاتنا التعبوية في المجتمع، و زيارات المراجع الدينية، كما نشرك الكادر في النشاطات الاجتماعية والثقافية من اجل الاتصال المباشر مع اليتيم وتفهّم حالته، مما يساعده على تقديم الافضل».
وفي إطار الحديث عن دور افراد المجتمع في إنجاح هذه المشاريع الخيرية، فقد أكد جميع من التقينا بهم في هذه المؤسسات على مبدأ الوساطة الخيرية بين المستفيد، وهو اليتيم والعوائل الفقيرة، وبين اصحاب الأيادي البيضاء، فالمؤسسات تتكفل بالتنظيم والإدارة ورفد الكوادر المتخصصة، وهي على استعداد للتعاون مع جميع الاخوة والاخوات الراغبين في الإسهام بهذا المشروع الحضاري، وتقديم كل التسهيلات لهم بغية الوصول الى بيوت الايتام والفقراء واحتضانهم وتقديم ما أمكن من الرعاية والمساعدة والدعم المادي والمعنوي، وقد أكد الاخ الكركوشي تحديداً على أن مؤسسته (اليتيم) تشترط على المتبرع بأن لا يكون العطاء سبباً في خدش كرامة ومشاعر المستفيدين بأي شكل من الاشكال.
-
التعاون بين المؤسسات وفكرة قاعدة البيانات
في سياق حديثنا عن السبل الكفيلة بتقديم افضل الخدمات والبرامج للايتام والعوائل الفقيرة، قفز سؤال مهم خلال حديثنا مع الأخ الكركوشي عما اذا كانت ثمة علاقات تنسيق وتعاون بين المؤسسات الخيرية، فكان الجواب بالنفي، واستثنى في ذلك العلاقة مع مؤسسة «العين»، وهي الوحيدة التي نشترك معها في برنامج «داتا» الالكتروني، ومن خلاله يمكننا معرفة اليتيم المسجل لدينا او لدى هذه المؤسسة».
واستدرك الكركوشي في هذا السياق بمسألة مهمة وهي اضطرار المستفيد للتسجيل في أكثر من مؤسسة لعدم كفاية ما يحصل عليه، وهذا البرنامج الالكتروني ينجح ويكون واقعياً، عندما نعرف أن اليتيم او العائلة الفقيرة تأخذ كفايتها من المساعدات، وهذا ما يجعلني – يقول الكركوشي- أن أجد خلال التطابق المعلوماتي في النظام الالكتروني أن حوالي سبعين بالمئة من العوائل مسجلة في مؤسستين، وهذا ما يؤدي الى حرمان الكثير من الايتام والمتعففين الذين ربما لا يطرقون ابواب المؤسسات الخيرية مطلقاً.
عن هذا الجانب الفني كان للأخ أزهر الركابي رئيس مؤسسة «القليل خير من الحرمان» الخيرية، رؤية وفكرة تطويرية حيث أكد على أننا «نعمل على إقامة قاعدة بيانات تجمع المؤسسات والهيئات الخيرية العاملة، ولو انها ليست بالعملية السهلة، والصعوبة ليست فنية بقدر ما هي منهجية في اقناع المنظمات بان تكون فيما بيننا لغة أرقام بعدد الايتام المسجلين في مدينة كربلاء المقدسة، ثم الكشف عن دخل اليتيم، إذ ربما يتيم يستلم 400الف دينار فيما لا يستلم أخر 50الف دينار، فضلاً عن وجود بعض العوائل المتعففة التي لا تطرق ابواب المؤسسات، وما تزال قابعة في بيوتها».
وعن كيفية الوصول الى هذه العوائل المتعففة، التي ربما تعيش في مناطق نائية، قال الاخ الركابي: «لدينا لجان تحرّي تقوم بكشف ميداني على العوائل الفقيرة لاستجلاء المعلومات الدقيقة عنها، كما لدينا تواصل مع بعض المؤسسات بالمعلومات حتى نعرف ما اذا كان هذا الفقير او مع الحفاظ على خصوصيات المؤسسات.
وبين الاخ الركابي بأننا «أعددنا دراسة كاملة لبرمجة قاعدة البيانات، بيد أنه اعترضتنا المشكلة المالية، ونرجو ان نجد المتبرع الذي يتبنى المشروع كاملاً، كما عالجنا مشكلة الخصوصية المعلوماتية لدى بعض المؤسسات، بان يكون البرنامج معداً بشكل لا تتمكن مؤسسة رقم 4 -مثلاً- من الدخول الى تفاصيل مؤسسة رقم 5، انما يكون التبادل المعلوماتي في اسماء المستفيدين فقط.
-
من هو الفقير؟!
وفي اطار الحديث عن طبيعة عمل مؤسسة «القليل خير من الحرمان» بين الأخ الركابي بأن المؤسسة تشمل برعايتها جميع الفقراء دون استثناء، مع وجود ترتيب الأوليات؛ من شهداء الحشد الشعبي، ثم شريحة السادة، ومن ثمّ العوّام. ثم لفت الاخ الركابي الى ظاهرة انسانية راقية في المجتمع العراقي وهي أن نسبة لا بأس بها من المحسنين، هم من شريحة الفقراء ايضاً.
ثم أردف بالقول: إننا «لا ننظر الى ظاهر الفقير، وأين يسكن؟ وماذا يعمل؟ لأن هنالك أشخاصاً موظفين في الدولة، ونحن نعدُهم فقراء، لانهم لا يتمكنون من سد حاجاتهم، فهنالك موظف ولديه ثماني بنات، وعنده طفل مصاب بالشلل، مع والدته المُقعدة، فموظف مثل هذا، فانه في اليوم العاشر من الشهر يبدأ بالاقتراض، إذن؛ المعيار ليس بالضرورة ان يكون المستفيد يتيماً او ليس لديه راتب. انما المعيار هو دخل العائلة».
-
الإعلام والوصول الى الايتام
ضمن السؤال الذي كنّا نتجول به على المؤسسات الخيرية؛ وهو: السبيل لتعميق ثقافة كفالة اليتيم ومساعدة شريحة الفقراء، أكد سماحة السيد عبد الغني الماجدي، المشرف العام على مؤسسة أمير المؤمنين الخيرية على أن «المحرك الاساس للمجتمع بهذا الاتجاه؛ هو الاعلام، فهو قادر على إثارة اهتمام شرائح المجتمع بالايتام من خلال تعدد وسائل الاعلام (سوشيال ميديا)، و أيضاً القنوات الفضائية».
أما عن المعوقات التي تحول دون انتشار هذه الثقافة فاشار سماحته الى مشكلة نفسية تعود بجذورها الى عهد النظام السابق؛ وهي عدم الثقة بمن يجمع الاموال والمساعدات مهما كانت الواجهات المؤسساتية الخيرية والدينية، كما اشار الى ضعف التوجيه الاعلامي في هذا الاتجاه، وتبيين الآثار الايجابية المباشرة على الفرد وعلى المجتمع، في الحاضر والمستقبل، حيث إن احتضان اليتيم ورعايته من شأنه ان يحول دون ظهور اشخاص، ربما ينتقمون من المجتمع الذي همّشهم وتجاهلهم، إذن؛ فهي مسؤولية تضامنية تقع على عاتق الجميع دون استثناء؛ التاجر والعالم ورجل الدولة وجميع شرائح المجتمع.
-
ما الذي يحتاجه اليتيم؟
طرحنا هذا السؤال بصيغ مختلفة على المتحدثين لنا في المؤسسات الخيرية، فكانت الاجابة بصيغ مختلفة ايضاً، واتفقت كلمة الجميع على أن اليتيم لا يحتاج الى المال المأكل والملبس، وحسب، وإنما هو بأمسّ الحاجة الى الامور المعنوية التي تتعلق بشخصيته ومستقبله.
وعن هذا الجانب تحدث لنا سماحة الشيخ محمد السيلاوي المشرف على مبرّة الرحمة الخيري للأيتام، الذي كشف عن حقيقة غاية في الأهمية؛ وهي الحاجة الى وجود مكان خاص بالايتام ينظر اليه اليتيم على أنه بيته الثاني وانه ينطلق منه نحو المستقبل، وهو يحمل رؤية سليمة وثقافة متكاملة عن الحياة، ليكون عنصراً فاعلاً ومؤثراً في المجتمع.
المبرّة التي زرناها، تقع في أقصى حي العامل غرب المدينة المقدسة، وهي عبارة عن بيت مستأجر، ولكن بالكاد يمكن ان يطلق عليه اسم مبرّة يأوي أيتاماً ويطمح لتقديم مختلف البرامج الثقافية والترفيهية لهم، لما يعانيه البيت من تصدعات في البناء، وشحّة شديدة في الامكانات والمستلزمات الضرورية.
وفي حديثنا الى سماحة الشيخ قال باننا «عندما نعطي المال لليتيم لابد ان نعرف اين ينفقها»؟ واضاف بان «أهم مهام المبرة، متابعة سلوك اليتيم، و تصرفاته، وايضاً صداقاته وعلاقاته الاجتماعية، ثم لنكون سنداً له وداعمين في صناعة شخصيته، لاسيما وأننا رصدنا بعض الضغوطات النفسية التي يتعرض عدد من الايتام من المحيط الأسري والاجتماعي، بعد فقدان الأب، وبقاء الأم الأرملة وحيدة في الدار».
ولدى طرحنا هذا السؤال وبصيغة أكثر دقة؛ حول البرامج الخاصة ببناء شخصية اليتيم، أجاب الاخ الكركوشي بصراحة جميلة بأن «ليس من السهل تنفيذ برامج كهذه على هذه الشريحة لاسباب عدّة، ربما منها؛ عدم تفهّم الحاجة الى ذلك، بدليل واحد من صميم الواقع؛ عندما ندعو الى محاضرة او حتى رحلة ترفيهية أو دورة ثقافية، لن نجد الحضور اكثر من عشرة اشخاص، بينما يكون الحضور عند استلام المساعدات أضعاف هذا العدد، بل ربما يخبر أحدهم الآخر»!
واستطرد الاخ الكركوشي بالقول: باننا «كل عام نقدم خطة عمل جديدة، والبحث في زيادة العطاء المادي وايضاً المعنوي، من برامجنا المتميزة في كربلاء المقدسة والمحافظات؛ المخيم الكشفي، حيث دعونا اليه 120يتيماً من ستة فروع في العراق ولمدة ثلاثة ايام، بالتعاون مع العتبات المقدسة، والجهات الاخرى، يتضمن برامج دينية وعقائدية؛ من دروس لتعليم الصلاة، والحثّ على صلاة الجماعة، إضافة الى دروس للتنمية البشرية، كما لدينا سفرات ترفيهية، و إجراء بطولة كروية بين فروع المؤسسة في الوسط والجنوب، شاركت فيه السماوة والديوانية والنجف والكاظمية والكرادة وكربلاء، ونحرص على أن نشرك الجهات الاخرى في هذه البرامج لنشر ثقافة التكافل، فالدورات أجريناها في مدينة الزائرين، فيما أقمنا البطولة الكروية في جامعة كربلاء بحضور ومشاركة من طلبة الجامعة والاساتذة التدريسيين الكرام».
وفي سياق الحديث عن الجانب النفسي والمعنوي أشار الأخ أزهر الركابي الى أن مؤسسة (القليل خير من الحرمان) «لا تتعامل مع فاقد الاب كيتيم، وايضاً العوائل الفقيرة، فما نقدمه لليتيم من أموال، لا نعطيها كمساعدة، او صدقة، بل بهدف دعم مسيرته التعليمية، او من اجل ان يكون عنصراً مفيداً في المجتمع، لا أن يشعر بالصدقة والمنّة، فاليتيم هو صاحب الفضل، وليس العكس. فعندما يستلم اليتيم من الكفيل، انما يستلم حقوقه الطبيعية، وليس صدقة».
من جانب آخر يشير الاخ الركابي الى أننا «عملنا على تحويل الايتام من مستهلكين الى منتجين، من خلال ادخالهم في ورش عمل لتعلم مهن مختلفة مثل الحلاقة او صيانة الموبايل، علماً أن هذا ليس بالامر السهل، لحاجته الى تمويل وامكانات، ولكن عملنا بالممكن، كما عملنا على التنمية البشرية وكيفية مواجهة تحديات الحياة، وعملنا على اعادة عدد كبير من الايتام الى المدارس، ثم صارت لدينا كفالة مدرسية، كما هنالك كفالة صحية، فحققنا طفرة نوعية على الصعيد النفسي لدى هذه الشريحة بحيث بدأ اليتم يشعر بالعزّة بما تعنيه الكلمة».
وأضاف الى حقيقة هامة في هذا المضمار بأن «بناء شخصية اليتيم لا تتم من خلال عمل المؤسسة الخيرية، ولا من عائلته فقط، و إنما من المجتمع بأسره، ولاسيما من المعلمين والمدرسين في المدارس، وهي مبادرات لا تحتاج الى مال او كثير من الجهد سوى التفاتة واهتمام اكثر للطالب اليتيم».
-
التعليم وتنمية المهارات
ومما يتفرع من الحاجة المعنوية لليتيم، يقفز الحديث عن التعليم وتنمية المهارات والمهن التي يحتاجها اليتيم في مختلف مراحله العمرية، وهو أمر بحاجة الى تظافر جهود، واهتمام خاص من لدن المعنيين في هذا المجال.
وقد اشار الى ذلك الاخ خالد الحجيمي من مؤسسة السراج المنير الى أنه «لدينا ارتباط وثيق بمديرية التربية في كربلاء المقدسة، كما لدينا تعاون مباشر مع عدد من ادارات المدارس بهدف متابعة المستوى التعليمي للطالب اليتيم، والدعوة الى الاهتمام الخاص بهذه الشريحة من الطلاب من لدن الكادر التعليمي والادارة».
وأضاف الحجيمي في هذا السياق بأنه «حصل أن بعض الطلاب تميزوا بالذكاء الحاد، فبادرنا لتسجيلهم في مدارس خاصة مع تغطية تكاليف الدراسة، ولدينا طلاب مسجلون يحرزون المرتبة الاولى على مدارسهم، وهذا بفضل الله أولاً؛ ثم جهود المدرسة، وأيضاً الأم».
ويبدو ان مؤسسة السراج المنير لا تتوقف في رعايتها عند اليتيم في مرحلة الطفولة، بل تواكبه وهو شاب متخرج من الجامعة، فقد اشار الحجيمي الى برنامج «استثمار الكفاءات واصحاب الشهادات الجامعية، ارتأت مؤسستنا باقامة دورات مهنية لحث الايتام على العمل في الحرفة التي يرغبون، مثل الخياطة، او الحلاقة، او تأسيسات كهربائية،او صيانة موبايل وغيرها، وهذا يمكن ان يكون العامل المساعد لتوفير لقمة العيش في حال عدم وجود الوظيفة».
كما اشار الى الشيء نفسه، سماحة السيد الماجدي باننا «على مدار السنة لدينا مشاريع ذات نفع مادي على المجتمع، فهنالك دورات علمية ومهنية وروحية اخلاقية وتربوية، مثل تعليم الحاسوب، والتنضيد، والخياطة للأمهات، اضافة الى دورات في الخط واللغات الاجنبية، والخطابة، والكتابة، وفتوشوب، والسياقة».
كما أدلى بدلوه في هذا المضمار الاخ رسول الكركوشي بأن «لدينا برامج في العطلة الصيفية لتعليم المهن المختلفة، فأقمنا دورة تعليم الحلاقة، و أخرى لصيانة التكييف، والحاسوب، وهذا بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية، فقد تم التنسيق بهذا الخصوص مع فاضل الجابري مسؤول الدورات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية».
وعن مواكبة الطالب اليتيم في مسيرته التعليمية وتوفير الاطمئنان النفسي له، يقول الاخ أزهر الركابي: «هنالك مسألة لابد من الالتفات اليها، وهي: أن اليتيم في الصف الاول الابتدائي غير ما هو في الصف السادس الابتدائي، والفتاة في الصغيرة غير ما هي في الجامعة، فالانسان كلما يكبر في العمر تزداد احتياجاته، لذا نحن نبدأ بالكفالة من 30الف، بمعنى يجب ان يزداد هذا المبلغ مع مرور الزمن. مع ذلك لدينا عدد من طلبة الجامعات تخرجوا بمساعدة الكفلاء والايادي البيضاء للمحسنين، واصبحوا اساتذة ومعيدين وموظفين، بل بدأ بعضهم برد الجميل وكفالة الايتام بنفسه».
ولفت الاخ الركابي الى أن «هنالك تخوفاً لدى البعض بأنه اذا حصل على فرصة عمل، فان المؤسسة الخيرية سترفع يدها عنه، لذا نحن نواكب الفقراء والايتام في اعمالهم، و نعمل عكس هذا التصور، فمن يعمل نساعده ونقف معه».
-
أين الدولة من الأعمال الخيرية؟!
سؤال جدير ومهم، ليس كون مؤسسات الدولة معنية بإقامة المؤسسات الخيرية، او ان تكون لديها وزارة خاصة وغير ذلك، فهذا ما لا يفكر به أحد مطلقاً، إنما المسألة في الرعاية والاهتمام من الناحية الادارية. فقد أجمع من التقينا بهم على أن مؤسسات الدولة لا تهتم بالشكل المطلوب بالمؤسسات التي تعنى برعاية الايتام، رغم معرفتها بما خلفته ظروف الحرب والعمليات الارهابية، فضلاً عن الحوادث والكوارث التي ألمّت بالعراق، وكلها تعود الى الثغرات المريعة في الجهاز الأمني والفشل السياسي الذي بات أشهر من نار على علم.
في بداية جولتنا، وفي حديثنا مع الاخ خالد الحجيمي، أبدى استغرابه من عدم دعوة الحكومة للمؤسسات الخيرية في لقاء معين او ندوة او مؤتمر تتعرف من خلاله على طبيعة عمل هذه المؤسسات، والوقوف عند المشاكل والتحديات التي تواجهها، مع انه استدرك بالقول بوجود التجاوب والتفاعل من بعض الدوائر المعنية، مثل مديرية التربية عندما نتقدم بطلب للتعاون والتنسيق.
وفي نفس الاتجاه الايجابي تحدث الاخ الكركوشي من مؤسسة اليتيم، بوجود فقرة قانونية فيما يتعلق بالضريبة والجمارك تساعد المؤسسة على تقديم الأفضل، فلدينا -يقول الاخ الكريم- شحنات من البضائع القادمة من الصين لمصلحة الايتام، وقد تم إعفائها من الرسوم الجمركية، كما ننتظر شمولنا بالفقرة القانونية التي تمنح المتبرع إعفاءً ضريبياً من خلال صك بالمبلغ الذي يهديه الى الايتام، تصدّره له المؤسسة ويكون وثيقة إعفاء لدى الهيئة العامة للضرائب.
فيما دعى الاخ الركابي من مؤسسة «القليل خير من الحرمان»، الجهة المعنية؛ وهي منظمات المجتمع المدني التابعة لرئاسة الوزراء، بأن تبادر الى وضع خطة استراتيجية لانقاذ هذه الشريحة المتضررة بفعل الكوارث والازمات التي ألمّت بالعراق.
من جانبه السيد عبد الغني الماجدي حيث أسهب بالحديث عن القصور الحكومي إزاء المؤسسات الخيرية، وقال بان «هناك تنصّلاً من المسؤولية إزاء الايتام، ليس من الجانب المادي، إنما الجانب المعنوي، فهي لا تتبنى هذه الثقافة، ولا تحمل رؤية مستقبلية لرعاية هذه الشريحة، فبعض الموظفين يرون انفسهم مكلّفين فقط بأداء عملهم ضمن ضوابط محددة لا غير، ولا يجدون انهم معنيون برؤية مستقبلية لآثار وانعكاسات سلوكه مع اليتيم او الفقير او الأمّي من الشرائح المتضررة، على المدى البعيد».
ويورد سماحته مثالاً على ذلك؛ «مؤسسة امير المؤمنين، لديها مدارس خاصة لتعليم الايتام مجاناً، فهي لم تتلق أي دعم او مساعدة من الدولة حتى الآن، بل يوجد العكس، فهي تفرض الضرائب والرسوم على هذه المدارس. بينما نلاحظ في بعض الدول بالعالم، تسهيلات خاصة ونمطاً خاصاً من التعامل مع المؤسسات الخيرية كونها تتحمل قسطاً من أعباء المسؤولية الاجتماعية».
في تركيا مثلاً؛ يقترحون على العراقيين الذين يتلقون تعليمهم في المدارس العراقية، بأن يدرسوا في المدارس التركية مجاناً، بل ويخصصون لهم منحاً مالية! بهدف تذويب الهوية العراقية، وعدم خلق جالية عراقية داخل تركيا، ودمجهم في المجتمع التركي، فتقدم لكل طالب عراقي ثلاثين ليرة شهرياً كمنحة دراسية له، في نفس الوقت نلاحظ عدم المبالاة والاهتمام لدى الحكومة العراقية بأولئك الطلاب العراقيين وما حلّ بهم»!
بالمحصلة النهائية؛ نجد أن التفاعل مع مشاريع كفالة الايتام ومساعدة العوائل الفقيرة، في مستوى جيد بالمجتمع العراقي، مما يمكن القول، بأن ربما لم يبق بيت فقير في المحافظة -وايضاً في سائر المحافظات- إلا وقد وصلته الايادي البيضاء بشكل او بآخر، يبقى العمل على تكريس هذه الثقافة ومزيد من اتساع رقعتها في المجتمع، ولتكون المساعدة مادية ومعنوية ايضاً، والامر الآخر البالغ الأهمية؛ دور مؤسسات الدولة في دعم المؤسسات العاملة في هذا الاتجاه بكل اشكال الدعم والمساندة، وهي مهمة لن تكون عسيرة، اذا ما عرفنا عن نشاط هذه المؤسسات التي تقوم بكل شيء، من التخطيط والادارة والتنفيذ وبذل الجهود لانجاح هذا المشروع الانساني والحضاري خلال شهر رمضان المبارك، وايضاً في سائر أيام السنة.