منذ نحو عام والعالم مقلوب رأسا على عقب، بسبب مجرد كائن طفيلي مجهري، استطاع ان يقطّع أوصال الكرة الأرضية، ويثير الخوف والهلع ويتسبب بالخسائر البشرية والمالية والاقتصادية، فأغلقت المدارس والجامعات، و تعطلت الدوائر، و توقفت الشركات، والسياحة اصبحت في خبر كان، فينقلب مشهد المدن، وتُقفر شوارعها إلا من التحسّر لغياب المشاة والسيارات والمتجولين.
وعلى أثره اتخذت مختلف البلدان اجراءات احترازية لمواجهة هذا الفايروس الذي ينطلق وتتسع رقعة انتشاره كالصاروخ، ولاشك ان انتشاره أدى الى جائحة أودت بحياة الملايين من البشر حول العالم، ولم تسلم دولة العراق والعراقيين من هذه الجائحة.
الامر جعل الحكومة العراقية كباقي البلدان تخطو نحو اتخاذ العديد من الاجراءات والضوابط لمواجهة نقل العدوى الناتجة عن انتشار فايروس كورونا، وكانت أولى تلك الخطوات هو فرض حظر شامل للتجوال على الرغم من عدم ظهور حالات تذكر في العراق، كما سارعت الحكومة في سبيل ذلك الى وضع الحواجز الكونكريتية بدعوى منع انتقال الفايروس!
يعد قانون مواجهة كورونا حماية للفساد الناجم عن استيراد لقاحات ومضادات غير صالحه او فاسدة او تغطية على الأخطاء الطبية او القتل غير المقصود نتيجة العلاج
وضمن سياق سعي الحكومة لمواجهة فايروس كورونا تأتي الاجراءات من خلال إعادتها لفرض حظر جديد للتجوال، مع متابعة قضية الحصول على جرعات اللقاح، رغم إثارتها للجدل حول العالم، بخصوص جدوائيتها ومناشئها، مع ذلك فان الحكومة العراقية تحاول إثبات جديتها في مسألة اللقاح شأنها شأن العديد من دول العالم من خلال إعداد “قانون مواجهة كورونا”، حيث جاءت موافقة الحكومة على هذا القانون، وإرساله الى البرلمان، من أجل حماية الشعب العراقي والمحافظة على حقوقه.
وافق البرلمان على المضي قدما في تشريع هذا القانون بعد اجراء بعض التعديلات عليه، وقد تمت بالفعل وبسرعة فائقة القراءة الأولى والثانية للقانون وقد اخذ مجراه ليصبح قانونا نافذا بعد اقرار مجلس النواب، وذلك للحاجة الماسة للقاحات حسب قول وزارة الصحة وأعضاء في مجلس النواب.
فما هي فحوى هذا القانون وما هي غاية القانون وما نوع الحماية التي يوفرها؟!
بالرجوع الى مسودة القانون نجد انه يتشكل من ست مواد، تُختم بالأسباب الموجبة لهذا التشريع والتي جاء فيها نظرا للانتشار المفاجئ والسريع والواسع لجائحة فايروس كورونا على مستوى العالم بما في ذلك العراق وتعذر مواجهة جائحة كورونا بالطرق التقليدية ولغرض توفير الحماية القانونية لوزارة الصحة وتشكيلاتها والعاملين فيها ومنتجي اللقاح وممثليهم من المطالبات الناتجة عن مواجهة الجائحة.
وجاءت الأسباب الموجبة لسن هذا القانون واضحة وصريحة لا تتطلب العناء في تفسيرها ومعرفة خباياها، اذ بالرجوع الى نصوص مواد هذا القانون تظهر تلك الاسباب جلية، حيث تنص المادة 2 ببنديها اولا وثانيا، حيث تنص؛ أولا: تعفى من المسؤولية المدنية والجزائية، الشركات المصنّعة والمجهزة والموزعة والمسوقة وممثليهم والمكاتب العلمية ووزارة الصحة وتشكيلاتها والعاملين فيها من الأضرار الناتجة عن توفير او استخدام المواد الطبية اللازمة للوقاية او العلاج من فايروس كورونا، وأما البند ثانيا، فجاء بنص عجيب ليشمل هذا القانون الحالات السابقة على اقراره بقولها: يسري حكم البند (اولا) من هذه المادة على الحالات الناشئة قبل نفاذ هذا القانون وبعد نفاذه.
-
الحصانة القانونية للأخطاء الطبية!
وبالتمعن في نص هذه المادة من مشروع القانون الذي يشق طريقه للاقرار بكل سهولة ويسر، يتضح انه يوفر الحصانة ويمنع الملاحقة القضائية لجهتين، جهة تتمثل بوزارة الصحة وشركاتها العامة ومؤسساتها وكوادرها والجهات المتعاقدة معها، والجهة الثانية هي الشركات المنتجة والمصنعة للقاحات ضد فايروس كورونا.
وقد وجهت الى هذا القانون الذي أُعد بناء على طلب الشركات المصنعة للقاح لحماية نفسها من الملاحقات القانونية لما قد ينتجة من أضرار جراء استعمال اللقاحات التي انتجت بغير اتباع البروتوكولات الصحية في صناعة اللقاحات، والجدير بالذكر ان المطالبة بسن قانون يحمي الشركات المصنعة ووزارة الصحة وتشكيلاتها جاء كشرط لتسليم اللقاحات بعد ان تم تسليم مستحقاتها من الجانب العراقي.
بالتمعن في نص هذه المادة من مشروع القانون الذي يشق طريقه للاقرار بكل سهولة ويسر، يتضح انه يوفر الحصانة ويمنع الملاحقة القضائية لجهتين، جهة تتمثل بوزارة الصحة وشركاتها العامة ومؤسساتها وكوادرها والجهات المتعاقدة معها، والجهة
كما وقد انتقد القانون المرتقب على توجهه في منح الصحة ومؤسساتها ومنتسبيها كافة حصانة من الملاحقة القضائية الامر الذي قد يؤدي الى إفلات حالات الخطأ الطبي (الخطأ غير العمدي) التي تنتج عن إهمال وتقصير المؤسسات الصحية والأطباء من المسؤولية القانونية، ناهيك عن فتح المجال للإفلات من كل الأخطاء الطبية الخطيرة بتسجيلها ضمن حالات الاصابة بكورونا.
ونتفق مع بعض خبراء القانون من اساتذتنا(1)، بأن هذا القانون يعد حماية للفساد الناجم عن استيراد لقاحات ومضادات غير صالحه او فاسدة او تغطية على الأخطاء الطبية او القتل غير المقصود نتيجة العلاج؛ ناهيك عن انها سابقة خطيرة فيها مخالفة صريحة لقواعد السلامة التي اقرها الدستور والقانون الجنائي ولقواعد المسؤولة المدنية بشقيها العقدي والتقصيري، اذ انه سينفي صفة الخطأ عن الفعل الضار.
بالاضافة الى خطورة ما ذكر في نص المادة الثانية فإن المادة الثالثة لا تقل عنها خطورة، اذ اقحمت الدولة لتحملها مبالغ التعويض لما قد ينتج من الضرر، فهو بمثابة إقرار مسبق بمقصرية الدولة وتحملها أعباء أخطاء وتقصير واهمال الأطراف أعلاه وهو ما سيكبدها أعباء مالية قد تمتد لأجيال.
- ماجستير قانون
—————————–
هوامش:
- أ. د. حيدر حسين الشمري، https://www.facebook.com/groups/259434162144248