كم يحتاج الطفل والمراهق؛ ذكراً او أنثى من الصبر؟ وكم يحتاجون من التفاعل والحب والبهجة والسرور وسعة العقل والفكر؟ وبالاضافة لكل ذلك؛ هم محتاجون أكثر لزرع القيم وغرسها في نفوسهم بكل صغيرة وكبيرة من حولهم، باللعب وقبولهم للآخرين معهم بالتعاون، والمساعدة وتقديم العون للمحتاج، وايضاً؛ المشاركة في النشاطات الصفيّة واللاصفّية بالمدرسة، والنزهات والحوار الاسري الدافئ. ولعمر البلوغ يحتاج الابناء لوجودنا الأمومي و الأبوي.
وعلى الأبوين طرح هذا السؤال:
ماذا نريد من أولادنا؟
لكل عمل نية دافعة له، ومقومة ومستقيمة ومستمرة باستمراره، وهذه النوايا تؤثر في أولادنا لانها جوهر قدومهم لهذا العالم الرحب، ونحن من نفتح لهم بواباته الواسعة بما نوينا لهم.
فكم من الرجال يريد أن يكثٌر نسله لاظهار الرجولة فقط! وكم من النساء من تريد أن يزداد أولادها لتفتخر بهم امام أهل زوجها!
الى جانب هذا، هناك من ينوي الزواج ليَلِد ابناءً يثقلون الارض بالتهليل والتحميد والتمجيد لله –تعالى- يكونون خير الذرية، والامتداد الطيب بعد الممات، والتمهيد لصاحب الطلعة الغراء؛ الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، وجنوداً في جيشه العظيم المبارك.
وفي عاشوراء ثمة نموذج لتجلّي تلك النوايا العظيمة، فحين اختار الامام علي بن ابي طالب، عليه السلام، أم البنين؛ تلك المرأة العظيمة، عقد النية، ظاهراً وباطناً، بأني أريد أن ألد منها عضُداً ومساعداً ومحامياً لولدي الحسين في يوم عاشوراء.
وما أسرع أن أثمرت النيّة بأعظم صورة، و أروع إنسان، و أعلى نموذج للأخوّة.
وعلى هذا النهج، هل فات الأوان لكي ننوي لابنائنا ما نقتدي به بمنهج أمير المؤمنين، عليه السلام؟
كلا؛ بامكاننا عقد النية على أن يكونوا مُمهدين وناصرين لإمام زمانهم، المهدي المنتظر، عجل الله فرجه، وعند الله تثمر النوايا والدعوات.
-
تربية على النظام
النظام باب جميلٌ و راقٍ، ومن المهم ان يكون متدرجاً في الاسرة، ومن ثم في المدرسة التي تخصص دروساً لمساهمة المعلم مع الطالب بالنظافة، و رمي النفايات في مكانها المخصص، بل وجمع النفايات وأي نوع من الأوساخ أينما وجدها، وكأنها تخصّه وتعنيه.
ثم تتوسع المسؤولية؛ من الفردية، الى المسؤولية المجتمعية. ومن لم يتأدب في صغره، فسوف لا يأتيه الأدب في كبره.
لكن مع ذلك أيضا ربما نجد أسلوب التعزيز والتشجيع نافعاً لترسيخ هذه السلوكيات لدى الابناء وبصور عدّة، مثل كلمات المديح والتصفيق والهدايا وغيرها من الطرق التي تثير الاعتزاز لدى الطفل، او الولد كونه عضواً هادفاً له دور مهم بالمجتمع
تمتع بالجلوس مع أبنائك والتحدث إليهم. إلعب معهم كطفل بينهم، ولو ساعة فقط من وقتك. إغلق جميع التزاماتك. في تلك الساعة ناقشهم، وشاورهم، وخذ آراءهم، واحترمها مهما كانت بسيطة، واستمع لهموهم مهما كانت صغيرة حسب وجهة نظرك، وتقبل اختلاف وقتهم عن وقتك، تلك اللحظات الخالية من التوجيهات المباشرة من شأنها أن تنقش في نفس وعقل طفلك كل معاني التربية السليمة، من تعزيز الثقة بالنفس، واحترام الرأي، والتشاور، والشعور بالامان.
وهي أيضا تساعدك أنت في التخلص من بعض هموم الحياة وترحيلها من الذاكرة، والركون في أحضان أطفالك ولو لساعة، يتجدد فيها تفكيرك.
نظام الحماية
كيف أحمي أولادي؟
وللحماية تلك ثلاث نقاط رئيسية، منها :
1- التحدث مبكراً عن الخلق السيئ، فالوقاية خيرٌ من العلاج، وقد يعتقد الاهل ان ذلك يفتّح عيون الاطفال، نعم؛ هذا كان في سالف الزمان، أما اليوم فاذا لم أقِ اولادي، و افتح عيونهم، فان عيونهم ستتفتح على الانترنت، وعلى قنوات التلفاز، وعلى الاصدقاء وغير ذلك.
2- الدين خير نظام واكبر حماية لاطفالنا بما يملك من قوة روحية وحضور عالٍ في مجتمعاتنا، فالدافع الديني من أقوى الدوافع لدى الانسان، ويكون ذلك باتباع الوسطية، وبلا تزمّت أو تراخٍ.
3- نُشرك الطفل بالنقد معنا للظواهر السلبية، ومدح الظواهر الايجابية، فيما حولنا، فمثلاً؛ لو رأينا صورة فتاة غير محجبة بالشارع، او في صورة اعلانية نسأل الطفل عن رأيه بهذه الصورة؟ و تقبّل رأيه، حتى لو اختلف معك بالرأي، فأنت هنا تستقرئ ابنك وتدخل لبواطنه وتظهرها لتعالجها تدريجيا، بدل ان تبقى مخفية وتتكاثف بُعداً وصدّاً عن الدين، و ان نترك له فُسحة في الحوار، ولا يكن مبدأي مبدأ فرعونياً: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}، فالحوار يعزز العلاقة بين الاب والام وابنهما، ويعزز الثقة لديه بنفسه، وكذلك يفتح أطراً للتواصل البنّاء وحب المجتمع والدين والناس.
الذرية الصالحة
الحصول على الامتداد الطبيعي لما بعد الموت والذي يخلده الابن للاب، كما جاء في الحديث الكريم: “اذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، و ولد صالح يدعو له”.
لاشك ان العلاقة بين الأبناء والآباء قوية، وهذه العلاقة تؤثر سلبا او ايجابا على الأولاد من حيث تقدمهم في الحياة، أو تأخرهم، كما أن الوالدين من ذوي المناصب العلى، والمقامات الراقية، فان شخصيتهما تنعكس على حياة الأبناء في حياتهم الدنيوية والاخروية، سواء كان ذلك المنصب دينيا، او اجتماعيا، وهكذا بالنسبة لمسألة الصلاح في الوالدين، فاذا كان أحد الأبناء فاسقاً أو منحرفا، فانه سيؤثر سلبياً عليهما، وهذا التأثير ليس اجتماعيا ودنيويا، بل حتى تكوينيا، قال تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)
إذن فمن الطبيعي ان تهيؤ الجو والمناخ مؤثر في اكتساب الصفات وتعلمها، فمن يعيش في جو منحرف قد يؤثر عليه ذلك حتى في طريق اللاوعي، وقد يكون العكس، أن يخرج الطالح من الصالح، وإلا لما تغير الناس، وتطورت احوالهم، فلابد للابوين من السعي الحثيث في استحصال كل طرق الصلاح لانفسهم لينعكس ذلك تربية ومحاكاة وتطبيقا وتوفيقا على سلوك أبنائهم.