المرجع و الامة

أين نجد الإخوّة الحقيقية؟* (6)

يقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. (سورة التوبة/ آية 72).

تشكل الولاية خيمة المؤمنين، وعمودها مودة النبي وأهل بيته، صلوات الله عليهم، وهذه المودة تنطلق من حب الله سبحانه وتعالى، وهل الدين إلا الحب؟

الإسلام كدين واقعي لم يرفض العلاقات الإجتماعية الطبيعية، كالعلاقة بين الزوج وزوجته واولاده ضمن الأسرة، والعلاقة ضمن العشيرة أو القبيلة، أو حتى علاقات الشعوب فيما بينها، فالله تعالى هو القائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

 

من أعظم علامات وأركان الإيمان التواصي، يقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

 

مع وجود هذه العلاقات الإجتماعية، هناك علاقة أخرى، تتجاوز، وتتخطى، العلاقة  الأسرية والعشائرية..، وهذه هي العلاقة الإيمانية، التي يكون محورها الإيمان بالله، ومن محبة الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، ومن محبة أهل بيت النبي.

جاء في حديث شريف: “أن المؤمن أخ المؤمن من أمه وأبيه”، فالأخوة الإيمانية التي يعبر عنها الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وهذه الأخوّة أعظم من الأخوة الطبيعية (النسبية)، لأنها تبقى متصلة من الدنيا الى الآخرة، ولأنها ـ الإخوة ـ شاهدة على سائر الإخوّات والعلاقات الإجتماعية.

يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}، هذه هي الأمة الوسطية، وهي التي يقول الله عنها في آية أخرى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، فهذه العلاقة عظيمة، وهي أهم من أي علاقة أخرى، وهذه العلاقة هي التي تحافظ على وحدة المجتمعات، وتكون هي الرائدة والشهادة على القيم المثلى، التي أمر الله بها.

 

السائرون الى كربلاء في مسيرة الأربعين، مختلفون بإختلاف مناطقهم، ولغة البعض مختلفة عن الآخر، لكنهم في الأساس يذهبون الى رافد واحد، وروح واحدة، وهذا هو أعظم إنجاز يمكن للإنسان أن يحققه في حياته وهو ( الالتحام الإيماني)

 

وفي أحاديث النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وما ورد عن أهل بيته الطاهرين، بيان لعشرات الحقوق، والتي تربو على الثلاثين حقاً، فالمؤمن على أخيه المؤمن حق..، وفي زيارة عاشوراء، والتي تجمع مخلتف القيم الإيمانية، وفي بعض فقراتها هناك تأكيد على الولاية الإيمانية، فنقرأ في هذه الزيارة:

يا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ.

وفي فقرة أخرى من ذات الزيارة نقرأ:

إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وَوَلِيُّ لِمَنْ وَالاكُمْ وَعَدُوٌ لِمَنْ عاداكُمْ.

فهذه العلاقة والولاية الإيمانية، لابد أن تتكرس، فعلاقة الإنسان بالآخر، والتي تنبع كعلاقة طبيعية، كالعلاقة الأسرية، او العشائرية؛ كل هذه العلاقات ليست معنوية، وإنما علاقة منافع قد تتأثر بالظروف، بينما العلاقة الإيمانية تبقى فوق كل ذلك، فالله تعالى يعبّر عن المؤمنين بالبنيان المرصوص، يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}، وهذه هي الغاية التي لابد أن نسعى من أجلها، في أن تكون علاقة أتباع الإمام الحسين، عليه السلام، ببعضهم البعض.

وهذا ما نراه في المراقد المطهرة، وخصوصا عند قبر الإمام الحسين عليه السلام، حيث تتقاطر الوفود الى كربلاء من كل مكان، وفي مختلف المناسبات، فالتقاء المؤمنين ببعضهم البعض، تكون العلاقة في أعلى درجاتها الإيمانية، وهذا ما يحدث في مسيرة الأربعين الكبرى، التي قلَّ نظيرها في التاريخ والعالم.

فالسائرون الى كربلاء في مسيرة الأربعين، مختلفون بإختلاف مناطقهم، ولغة البعض مختلفة عن الآخر، لكنهم في الأساس يذهبون الى رافد واحد، وروح واحدة، وهذا هو أعظم إنجاز يمكن للإنسان أن يحققه في حياته وهو (الالتحام الإيماني).

وهذا الإلتحام الإيماني له تجليات واقعية، فالكل في زيارة الأربعين يجلس على مائدة واحدة، ولا فرق بين هذا وذاك، والكل ـ أيضا ـ يُعطي، والكل يأخذ ويأكل ويشرب ..

وكلما زادت علاقة المؤمن بالإمام الحسين، عليه السلام، تفيض هذه العلاقة لتشمل المواليه له، وهذا هو زيادة العطاء من الله تعالى للمؤمن، يقول الشاعر:

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حبُّ من سكن الديارا.

فمن يحب الله، لكنه لا يحب أنبياءه ورسله وملائكته، ولا يتبع الصديقين من عترة النبيين، ولا يحب المؤمنين، الموالين لأولياء الله، المعادون لأعداء الله فإن إيمانه ناقص، إن لم يكن غير مؤمن. فلماذا لا يكون حبنا خالصا لله؟

يقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}، هذه الولاية ذات قيمة، وهدفها تكريس القيم المثلى، ولذا لابد على الإنسان المؤمن أن يقوم بدور الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

من أعظم علامات وأركان الإيمان التواصي، يقول الله تعالى: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، التواصي بالحق وبالصبر، هما دعامتان للإيمان، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعاون والتشاور، والِإحسان الى الآخرين..، هذه هي حقائق الإيمان، فلا يمكن أن يكون هناك إيمان من دون هذه الحقائق، ولهذا جاء في الرواية: “إن على كل حق حقيقة و على كل صواب نورا”.

وتتمة للآية الكريمة يقول الله تعالى: {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، فقاعدة هذا الإيمان هو الإيمان بالله والرسول، ورحمة الله تتجلى في نعمه على عباده، وفي دفع النقم عنهم، ورحمة الله تتجلى أيضا قوة المؤمنين وعزتهم ومنعتهم، فكلما كان التكتل الإيماني أقوى، كان قويا في الدفاع عن نفسه.

———————————–

  • مقتبس من محاضرة للمرجع المدرسي بتاريخ 26 ـ 8 ـ 2020.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا