يفهم من الاستثمار، انه عملية اقتصادية يقوم بها شخص او مجموعة اشخاص في اطار شركة او مؤسسة باستثمار اموالهم في مشاريع مضمونة الربح بنسبة كبيرة في مجالات مختلفة، ومن عوامل نجاحهم، الى جانب حجم التمويل والادراة والتخطيط، العناصر البشرية في المشروع، إذ المستهلك يلعب دوراً مصيرياً في نجاح المشروع وايضاً في فشله بطريقة تلقيه للسلعة المنتجة.
هذا كان على سبيل المثال سُقْناه للحديث عن تجربة الاستثمار المعنوي، وليس المادي في زيارة اربعين الامام الحسين، عليه السلام، بيد ان الفارق الكبير؛ أن هذا الاستثمار لا يتشكل من مستثمرين ومستهلكين، انما الجميع مستثمرون والجميع مستفيدون، كيف يكون ذلك؟!
كلنا يعرف أن زيارة الاربعين بمظهرها المهيب ومنقطع النظير في الطريق الواصل من أقصى نقطة في العراق (رأس البيشة بمدينة الفاو) وحتى مرقد الامام الحسين في كربلاء المقدسة، تحمل قدرات انسانية هائلة من شأنها ان تكون فرصة للتنمية المستدامة والمساهمة في عملية تطوير مجمل الاوضاع في العراق، وربما العالم الاسلامي برمته.
ان الابتكار والتنوع في تقديم الخدمات للزائرين المشاة، او غيرهم، يدل على وجود روحية عالية وايمان عميق بالنهضة الحسينية، فالجميع يسعى لأن يسجل اسمه في هذا المشروع التغييري العظيم الذي بدأه الامام الحسين في بداية تحركه صوب الكوفة، هذه الدوافع الذاتية للقيام باعمال مختلفة، منها شاقة ومكلفة، من شأنها ان تصب في عملية تنموية أبعد وأوسع من الجانب الاقتصادي والمادي، وربما تشمله ايضاً، لتصل الى البعد الانساني، ومن اهم الابعاد؛ الاخوة الاسلامية التي نراها تتبلور بأبهى صورة لها في هذه الزيارة بما لا نجده في أية مناسبة اخرى اطلاقاً، حتى في موسم الحج، لان خلال أداء فريضة الحج، الجميع يفكر بكيفية أداء الفريضة دون نقص او خلل، بينما هنا الجميع يفكر بكيفية أداء الجميع للزيارة وبأحسن وجه.
تجسيد مفهوم الاخوة بشكل او بآخر في هذه الزيارة، له مدخلية في مجالات عدّة طيلة ايام السنة فيما يتعلق بحياة الناس في العراق وسائر البلاد الاسلامية، حيث زوال الفوارق القومية والعرقية، وحتى المستويات الاجتماعية والاقتصادية، يساعد على تفهم متبادل في قادم الايام، وتمهيد لمشاريع اقتصادية مثل السياحة الدينية وتبادل السلع والمنتجات وحتى الخدمات، وربما يتعدى الامر الى الجانب السياسي لتكون هذه المناسبة فرصة لتطوير العلاقات بما يخدم مصالح الشعوب الاسلامية.
هذا ما يتعلق بمفهوم الأخوّة الاسلامية الاكثر حضوراً في الشارع ايام الزيارة، وهنالك مفاهيم اخرى تطويرها وتجسيدها على ارض الواقع يترك اثراً مباشراً على تطوير المستوى الثقافي للشعوب الاسلامية من خلال الزائرين القادمين الى كربلاء، مثل التعاون والتكافل والشعور بالمسؤولية وتفهّم متبادل للمشاكل والازمات الموجودة في البلاد الاسلامية، كل يتم بشكل جماعي ايام الزيارة، وليس من شخص واحد او جماعة او مؤسسة، حتى وإن كانت متخصصة بالشأن الثقافي، فالجميع في الزيارة الاربعينية معنيون باستثمار كل ما تحمله هذه الزيارة من مفاهيم وقيم ضحى من اجلها الامام الحسين، عليه السلام.