عادة ما يُنظر الى السياسة بشكل عام انها قذرة، وانها تتجاوز المبادئ والاخلاقيات للوصول الى الهدف، ولهذا ترى غالبية المجتمع يبتعد عن الحديث في السياسة، لانه يراها أنها لم تجلب له سوى الويل والثبور، وهذه النظرة يستتبعها اثار فكرية وسلوكية خاطئة، لان أي سلوك او حركة خارجية عند أي انسان، إنما هو نتيجة نظرته ورؤيته الى أي حدث، ولهذا ترى الناس يتباينون في نظرتهم الى الاحداث الجارية، فكلٌ ينظر بمسباقته الفكرية، وخلفياته الثقافية، ومن هنا ينشأ السلوك تبعا لتلك الرؤية التي يحملها.
مِن النظرات الخاطئة التي ابتلي بها الكثير؛ هي ان السياسة معول هدم الشعوب، وانها الشر الذي يكتوي بناره الجميع، وهذه هي النظرة الشمولية حول السياسة برمتها، مع عدم مراعاة في هل أن هناك سياسة حقة، وسياسة باطلة، في حين أن هذه النظرة السلبية، والتعميم غير المنطقي، اسس لهوّة بين المجتمع الاسلامي الحاضر، وبين قيادات اسلامية عظيمة مارست السياسية، كالإمام علي، عليه السلام، الذي كان احد القادة المسلمين، ممارسا للسياسة انطلاقا من مبادئ الدين الحقة، والقيم الالهية العليا.
مِن النظرات الخاطئة التي ابتلي بها الكثير؛ هي ان السياسة معول هدم الشعوب، وانها الشر الذي يكتوي بناره الجميع وهذه النظرة ورّثت تبعات سيئة عند الكثير
مما اتصفت به سياسة الامام علي، عليه السلام، هو جعل معايير واضحة للقيام بأي مسؤولية، سواء كانت اجتماعية او اقتصادية او عسكرية، فكانت تلك المعايير، هي معايير الدين التي تنطلق من قيم العدالة، والحرية والمساواة بين الناس في العطاء، واخذ الحق للضعيف دون مهادنة، والاقتصاص من الظالم دون هوادة تذكر، والغاية عند الامام علي، عليه السلام، لا تبرر الوسيلة، ففي معركة صفين التي دارت بينه وبين معاوية بن ابي سفيان، كان الجيش الشامي قد سيطر على شرعة الماء، ولم يسقوا جيش الامام قطرةً من الماء، وعندما اغار الامام وجيشه على الماء، وفرضوا سيطرتهم عليه، لم يمنعوا الماء عن الشاميين، فهذه من مبادئ الامام علي، عليه السلام، التي لم تفارق سياسته الى أن مات.
كان الامام يُدرك ان هذا التعامل بهذا النوع من السياسة، سيجلب له السخط من القريب والبعيد، وهذا ما أكده بقوله: ” ما ترك الحق لي صاحبا”، فمنزلة الحق عنده لاحد اقربائه، كما هي لأبعد الابعدين منه، وقصة عقيل بن ابي طالب وبيت المال اشهر من نار على علم.
-
معايير السياسة الحقّة عند الامام علي
السياسة الناجحة التي اتبعها الامام علي، عليه السلام، جعلت الكثير من المستضعفين يلتفون حوله، لانهم وجدوا ما فقدوه عند الخلفاء السابقين، لان الامام عليه السلام، كان همه الوحيد العمل ما يمليه عليه الدين، وبما يكفل كرامة الانسان كإنسان، وان واجه في ذلك عقبات كبيرة.
الامام علي، عليه السلام كان انجح لنفسه من معاوية، لأن الاول اتبع الاسس الحضارية والقيَمية في سياسته، بينما اتبع الأخير المكر والخداع
وعلى مستوى السياسة القائمة اليوم، كيف يمكن أن نعرفها ما إذا كانت تسير وفق مبادئ وقيم حقة، أم على اسس باطلة وظالمة، وهنا حوار رائع اقتبسته من كتاب ” يسألوك عن الامام علي” لسماحة السيد هادي المدّرسي” ، وهذا الحوار يتضمن مقارنةً بين سياسة الامام علي، عليه السلام، وبين سياسة معاوية بن ابي سفيان، وهو حوار بين سائلٍ، وبين السيد هادي.
“يقول السائل: ايهما الأنجح:
سياسة الامام علي بن ابي طالب، أن سياسة خصمه معاوية بن ابي سفيان؟
قلتُ: استخدمنا ميزان الحق والباطل، والخير والشر، والصح والخطأ، فسياسة الامام، عليه السلام، هي الأنجح بلا تردد.
قال: ألا ترى أن عالم السياسة لا يخضع لهذه الموازين؟
قلت: فما هي الموازين التي يخضع لها؟
قال: المصلحة.
قلت: مصلحة مَن؟ مصلحة الناس، أم مصلحة صاحب السياسة؟
قال: بل مصلحة صاحب السياسة؛ فمن استطاع تحقيق مصالحه اعتُبر ناجحا عند السياسيين، ومَن فشل في ذلك اعتبر فاشلاً.
قلت: وهل تظن أنّ معاوية حقق مصالحه ونجح؟
قال: بالطبع، فقد ربح زعمامة لم تكن، وحكم العالم الاسلامي، بلا استحقاق، وفعل كلّ ما أراد.
قلت: وكلنه خسر.
قال: هو لم يكن يعمل للآخرة، ولاكان يهمه أمرها.
قلت: لكن الآخرة حقيقة قائمة، والجنة حق، والنار حق، والله للظالمين بالمرصاد.
قال: أنا اتكلم عن السياسة واسسها، وليس عن الدين وقيمه؟
قلت: حتّى بناء على ما ذكرت، قإن سياسة معاوية لم تكن ناجحة، لانها كانت ضد الاسس الحضارية، ولو أن معاوية اتبع الاصول الصحيحة في سياسته لكان باستطاعته الامة الاسلامية أن تتحرز بعض التقدّم في ذلك العصر.
بالاضافة الى أن معاوية حكم خمس وعشرين عاماً، ثمّ مات، كما مات الامام علي، عليه السلام، وكلاهما انتقل الى عالم الآخرة، وهما هناك منذ اكثر من ألف واربعمائة عام وكلاهما رهين اعماله.
عليٌ عليه السلام مع اعماله، ومعاوية مع اعماله.
فهل كان الامام انجح لنفسه، أم معاوية؟”
إنّ تقديم المصحلة على المبادئ والقيم والمُثل لم تكن من سياسة الامام علي، عليه السلام، فكان المبدأ هو الحاكم، وان تطلب ذلك الى التضحية بالغالي و النفيس، لان قيم السماء واخلاق العظماء، تأبى ان تداس تحت اقدام المصالح الآنية، وهذا ما جسده الإمام في حكومته ذي الخمس سنوات، وما احوج السياسيين اليوم، في عالمنا العربي والاسلامي الى الاقتداء بتلك الشخصية العظيمة التي قدمت نموذجا مشرقا من الحكم السياسي الاسلامي، وما تلك السقطات التي ابتلي بها السياسيون إلا انهم تخلوا عن قيمهم ومبادئهم.