الهدى – وكالات ..
قديماً، وحتى عام مضى، يطلق على السودان وصف “سلّة غذاء العالم” وليس العرب وحدهم، والآن يشهد أكبر أزمة جوع على مستوى العالم، كما تحول إلى بؤرة لأكبر أزمة نزوح في العالم، سواء في الداخل أو في الدول المجاورة، بخاصة النساء والأطفال وكبار السن.
فقد فرّ الملايين بسبب الهجمات المروعة التي سببتها الأطراف المتصارعة، وصاحبتها مشاهد صادمة ومروعة عن حالات اغتصاب جماعي وعنف عرقي وإعدامات وعمليات سلب ونهب وحرائق في شوارع العاصمة الخرطوم والمدن الرئيسية، وفق شهادات الذين حاصرتهم تلك الحرب الأهلية.
ويواجه السودان حرب بشعة انطلقت شرارتها في مثل هذه الأيام من العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي.
وتلك الحرب غذّتها ومولتها دول وقوى إقليمية انحاز كل طرف لفريق من الفرق المتحاربة على حساب الدولة، وذلك عبر أحدث أنواع الأسلحة والمؤن والعتاد والمال والمرتزقة وسرقة مقدرات الدولة وثرواتها من الذهب والمعادن وغيرها، وكأن هناك من يريد تفتيت السودان إلى دويلات أو إضعافها إلى الأبد لمصلحة دول مجاورة وأطراف أخرى في المنطقة.
وتجاوزت خسائر السودان 100 مليار دولار خلال العام الأول من اندلاع الحرب في بلد فقير الموارد والسيولة الدولارية، وعاجز عن سداد ديونه.
وخلال هذا العام تحول السودان إلى مأساة إنسانية بسبب الحرب التي أشعلها العسكر بحثاً عن مكاسب سياسية وشخصية وغيرها، وإلى البلد الأكثر رعباً من حيث المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، والأشد بؤساً ونزوحاً وفقراً وجوعاً على مستوى العالم.
وفي ذروة العدوان الإسرائيلي المجرم على قطاع غزة نسي العالم أو تجاهل ما يدور في السودان من حرب شرسة رافقها حالات اغتصاب وقتل ممنهج وإعدامات وانهيارات لجميع أنشطة الاقتصاد والقطاع المالي والمصرفي والتجاري وفرار الجميع ناجين بأنفسهم.
وأدخلت الحرب الأهلية في السودان في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي عرفها التاريخ الحديث، والتي يمكن أن تؤدي إلى أكبر أزمة جوع في العالم، وفق تصريحات مسؤولين كبار في الأمم المتحدة.
وأجبرت الحرب الشرسة نحو 11 مليون شخص على النزوح والفرار، منهم 9 ملايين داخل البلاد، وما يقرب من مليونين إلى دول الجوار، ومنها أفريقيا الوسطى وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان ومصر وليبيا وبعض دول الخليج، وفق أرقام المنظمة الدولية للهجرة.
أما على المستوى الاقتصادي فحدّث ولا حرج، فالخسائر المالية المباشرة وغير المباشرة لا تقل فداحة عن الخسائر الأخرى، إذ شهدت العملة المحلية، الجنيه، مزيداً من الانهيار مقابل الدولار، بعد أن فقدت ما يقرب من 60% من قيمتها في عام الحرب الأول.
وشهدت العملة المحلية، الجنيه، مزيداً من الانهيار مقابل الدولار، بعد أن فقدت ما يقرب من 60% من قيمتها في عام الحرب الأول
وزاد معدل التضخم ليصبح من أعلى المعدلات العالمية، واختفت السلع وقفزت معها الأسعار، وباتت الحكومة عاجزة عن دفع الرواتب والأجور بنسبة تصل إلى 50% بسبب تراجع الإيرادات العامة بنسبة تقترب من 85%.
وتفاقمت أزمة البطالة بعد أن فقد الموظفون والعمال أعمالهم وإغلاق آلاف المصانع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وحالت الحرب دون خروج الملايين منهم إلى عملهم.
ويوماً بعد يوم تتضاءل فرص إنقاذ الاقتصاد السوداني بعد أن تجاوزت خسائره 100 مليار دولار خلال العام الأول من اندلاع الحرب في بلد فقير الموارد والسيولة الدولارية، وعاجز عن سداد أعباء ديونه الخارجية.
ووجهت الحرب والمواجهات العسكرية أكبر ضربة للبنى التحتية والطرق والجسور وشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والأنشطة الاقتصادية، ومنها الزراعة والتجارة والصناعة والتعليم وأسواق المال.
وتعرّض القطاع المصرفي الحسّاس لعمليات سلب ونهب منظّمة، دفعته إلى إغلاق أبوابه في وجه العملاء والمراسلين الخارجيين، وهو ما يجعله عرضة لمخاطر الإفلاس والانهيار المالي والتصفية.
ببساطة، ضاع السودان وتعرض أمنه القومي لخطر شديد ودخلت البلاد في نفق حالك السواد، وفر منها الملايين بحثا عن النجاة، وحتى لو انتهت الحرب اليوم أو غداً، فإن مستقبل الدولة أصبح في غاية القتامة، والسبب هو صراع العسكر على السلطة.