عاش الإمام الصادق، عليه السلام، في فترة من أصعب الفترات التأريخية، ٨٣-١٤٨هجرية، فقد عاصر أواخر الدلة الأموية وأوائل الدولة العباسية، وثار في أيامه عمه زيد بن علي بن الحسين سنة ١٢١هجرية، كما شاهد بداية الدعوة العباسية وظهور جماعة تدعوا لآل العباس وتخرج الخلافة من اولاد علي إلى اولاد العباس.
بعد أن بدأت فصائل العباسيين تتحرك باسم اهل البيت وتدعوا إلى الرضا من آل محمد، صلى الله عليه وآله، انسحب الإمام الصادق من المواجهة المكشوفة، ولم تنطلِ عليه الشعارات التي كان يرفعها بنو العباس للوصول إلى الحكم بعد سقوط بني أمية، الذين ازداد ظلمهم وعتوهم وارهابهم وتعاظمت نقمة الأمة عليهم.
عاصر الإمام الصادق، عليه السلام، حكم أبي العباس السفاح، وشطرا من حكم المنصور، بما يقرب من عشر سنوات، انصرف خلالها عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء الأمة الإسلامية علميا، وفكريا، وعقائديا واخلاقيا، بناءً يضمن سلامة الخط الإسلامي الأصيل على المدى البعيد، على الرغم من استمرار الانحرافات السياسية والفكرية في اوساط المجتمع الإسلامي نتيجة انفتاحه على ثقافات الأمم الأخرى من عادات وتقاليد وعلوم. (ابن سعد، الطبقات، ج٥ ص٣٢٦).
🔺 الإمام الصادق، عليه السلام، في علمه قدّم إلى الإنسانية مدرسةً علمية متكاملة راسخة من جميع الجوانب؛ كانت مدرسته متفتحة على التيارات والمذاهب، تفوقها على المذاهب الأخرى في عصره بحرية الرأي والبحث
ولم يكن، عليه السلام، ليسْلَم من بطش السلطة العباسية، فقد كان المنصور يطارده خوفا منه ويتصور انه اليد التي تحرك كل ثورة ضد حكمه، فاستدعاه إلى العراق اكثر مرة وضيّق عليه ليشعره الرقابة والمتابعة ثم خلى سبيله. (اليعقوبي، التاريخ، ج٢، ص٣٢٨).
وهكذا عاش الإمام الصادق، عليه السلام، الفترة الأخيرة من حياته في جوٍّ مشحون بالعداء والملاحقة، فكان هو وشيعته هدفا للعباسيين على الرغم من انه لم يكن من رأيه طلب الخلافة، وإنما كان سائرا على طريق أحياء العلوم.
ذكر الشيخ المفيد: ونُقل عنه، الصادق، عليه السلام، من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان ولم ينقل عن اهل بيته العلماء ما نقل عنه ولا لقي احد منهم من اهل الآثار ونقلة الاخبار ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله الصادق، عليه السلام، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أصحاب الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الاراء والمجالات فكانوا أربعة آلاف رجل”. (الارشاد، ج٢، ص١٧٩).
أدرك الإمام الصادق، عليه السلام، أن العلم والمعرفة أنجح وسيلة ليكشف الإنسان ذاته، وما يحيط به من الموجودات لمعرفتها والسيطرة عليها، وخصوصا انه قد ورث هذه الصفات عن ابيه الإمام الباقر، عليه السلام، الذي تبحّر في العلوم حتى لُقب الباقر لانه بقر العلم بقرا، اي شقه شقا وأظهره إظهارا.
الإمام الصادق، عليه السلام، في علمه قدّم إلى الإنسانية مدرسةً علمية متكاملة راسخة من جميع الجوانب؛ كانت مدرسته متفتحة على التيارات والمذاهب، تفوقها على المذاهب الأخرى في عصره بحرية الرأي والبحث.
وكان سببا لانتشار العلوم والمعارف، فضلا عن ذلك كانت مدرسته متفتحة أمام الملحدين والزنادقة، وكان، عليه السلام، قويا في حجته هادئا في أسلوبه الانساني، وكان، عليه السلام، يرى أن الإسلام هو خط الله الوحيد في الحياة، وكان لا يلغي الاخر، كما التزمتْ مدرسته بالعلم والعطاء، كان يقول: “اطلبوا العلم فإنه السبب بينكم وبين الله”، وما ميز مدرسة الإمام الصادق، عليه السلام، العلمية الإقناع بالحجة والدليل.
- الإمام الصادق ومرحلة تجديد الفكر الإسلامي وتأصيله
مدرسته ساهمت في ارساء خط التشيع الفكري ليس عن طريق الدراسة والبحث، بل عن طريق القدوة العليا التي مثلها الإمام، عليه السلام، في المجتمع والدرس العلمي.
التمسك بمنهاج أهل البيت، عليهم السلام، يمثل منهاج للوحدة الاسلامية، ولكن لماذا الأعراض عن مذهب اهل البيت؟ والسؤال الذي يُطرح لماذا لا يُدرّس فقه وعلوم الإمام الصادق الذي هو من نسل السيدة الزهراء عليها السلام ووالد الإمام موسى بن جعفر الكاظم ع في بلاد المسلمين شهد له العدو قبل الصديق؟
لنلقي نظرةعن ما قاله المسلمون بحق هذا الامام والشخصية الفذّة وكيف تركها المسلمون وحجّموا فكرها، بل منعوها تدرس او حتى إشارة إلى وجود مذهب خامس مذهب اهل البيت عليهم السلام المذهب الجعفري.
🔺 أدرك الإمام الصادق، عليه السلام، أن العلم والمعرفة أنجح وسيلة ليكشف الإنسان ذاته، وما يحيط به من الموجودات لمعرفتها والسيطرة عليها.
على سبيل المثال إمام السلفية، ابن تيمية الحراني يقول في كتابه منهاج السنة: فإن جعفر بن محمد لم يجيء بعد مثله، وقول ابن خلكان في ترجمته في وفيات الاعيان: لقب بالصادق لصدقه في أقواله.
وفضله أشهر من ان يذكر، اذا كان هذا فضله وعلمه لماذا يمنع ان يدرس علوم اهل البيت، عليهم السلام، في الجامعات الاسلامية، اليس يكون الجواب: حب الدنيا والسلطة والتمسك بها، هو الذي يعمي عن الحق، وانى للظالمين ان يتعظوا في كل زمان وفي كل أرض.
كان الإمام الصادق ع يريد الناس ان يسألوا، اذا كنت لاتعلم فاسأل يقول الله عز وجل: {اسالوا اهل الذكر إن كنتم لاتعلمون}
المشكلة التي عاشها اهل البيت ع هي الحصار السياسي والثقافي والجسدي كما هو واضح في حركة كل إمام، وهذا ما قلّص المساحة التي يتحرك فيها الإمام.
اللهم ارزقنا زيارتهم في الدنيا و شفاعتهم في الاخرة وعجل فرج آخرهم امين يارب العالمين