من الأشياء المستحيلة، ان يخلوا بيت من المشاكل الزوجية التي تحصل في بعض الأحيان لأسباب منطقية وأخرى تافهة لم يتمكن الزوجان من تجاوزها ومنعها من التطور، فالاختلاف بوجهات النظر وغيرها من الجوانب الحياتية سمة طبيعية من سمات الحياة الزوجية والعامة.
باتت الخلافات الزوجية كشبح مخيف يهدد بعض الاسر ويؤدي الى هدم عوائل بأكملها، فالمشاحنات والمشكلات التي تنغرس في البيئة المنزلية تنمو بسرعة فائقة إذا لم تعالج وتقلع جذورها من الأساس، تكون نتائجها غير محمودة، فالتراكم وعدم البحث عن الحلول يعد من الأخطاء الجسيمة والمعاول التي تدك بيت الزوجية.
المختصون في مجال العلاقات الاسرية يضعون لنا جملة من الأسباب التي تؤدي الى تفاقم وتدهور العلاقات الاسرية، ومن بين أبرز هذه الأسباب:
🔺 من جملة أسباب المشاكل الزوجية؛ المتاعب المالية، كالديون المؤقتة، والانفاق المُبالَغ فيه، بما لا يتناسب مع الدخل، ولهذا يكون الزوج مشحون بطاقات سلبية طول الوقت
أولها؛ الغيرة بين الزوجين؛ فالغيرة مشكلة صعبة الحل إذا سمح الزوجان بدخولها الى حياتهما، ومن مظاهرها التجسّس، والتفتيش في الأغراض الشخصية للزوجين، مما يُجبر كل منهما على التكتم والتفنن في إخفاء أغراضه عن الآخر. والغيرة المفرطة تؤدي إلى مشاكل لا حل لها.
ومن نتائج الغيرة بين الأزواج تحوّل البيت الى ساحة لتبادل الاتهامات والبحث عما يوقع بالآخر، ويحاول كل منها تقمص دور الشخصية المثالية التي تتجنب الوقوع في الأخطاء، واتباع الأدوار الإيجابية التي يجب ان يحتكم اليها الزوجان، لكن ومع هذا كله تبقى جذوة الخلاف ملتهبة تظهر للعيان دون عناء.
ثاني الأسباب المؤدية الى تأزم الحياة الزوجية؛ الصمت الزوجي المُطبق، حيث يسود الصمت بين الزوجين، فلا مناقشة لقضايا المنزل والأسرة بسبب خلاف بين الزوجين أو الانشغال بالعمل أو غيره، ومع مرور الوقت يتحول الصمت الى أسلوب حياة يسود باقي أيام السنة ومن ثم يصعب التخلص منه والعودة الى الحياة السابقة التي داهمها الصمت واحتل مكانها بشراسة.
اما السبب الثالث يأتي نتيجة المتاعب المالية، كالديون المؤقتة، والانفاق المُبالَغ فيه، بما لا يتناسب مع الدخل، ولهذا يكون الزوج مشحون بطاقات سلبية طول الوقت، مع ازدياد التفكير في كيفية التخلص من الأعباء المالية، وتسديد الفواتير الشهرية التي وضعتها الحكومة كالقلادة في رقاب اغلب المواطنين.
وقد تتسبب مشاكل الأولاد وتوفير احتياجاتهم بنشوب الخلافات الزوجية، فعلى سبيل المثال يحتاج الأطفال في الوقت الحاضر رعاية واهتمام من نوع خاص، كالخروج بفسحات مستمرة، وشراء العاب على درجة كبيرة من الرقي ذات اثمان باهظة، وهو ما يشكل ضغط وإزعاج بالنسبة للاب الذي لا يعرف كيف يوازن بين دخله المحدود واحتياجاته المتزايدة.
وفي هذا المضمار أجرى علماء في طب النفس مراقبة علمية دقيقة على مدار 50 عاماً وقد شملت 40 ألف حالة زواج، بغرض وضع الأسس الرئيسية لضمان استقرار العلاقات الزوجية وتجنّب حدوث حالات الطلاق.
وضمّت الدراسة أطباء في علم النفس، بينهم الدكتور جون غوتمان و زوجته الدكتورة جولي شوارتز، وهما مؤسّسا معهد “غوتمان” لدراسات علم النفس، حيث نشر موقع شبكة CNBC تفاصيل الدراسة التي قال فيها عالما النفس: إن كل ارتباط أو علاقة زوجية فريدة من نوعها، ولها مجموعة من التحديات الخاصة بها، ولكنْ هناك عامل مشترك واحد بين جميع الأزواج يتلخص في أنهم يريدون أن يكونوا موضع تقدير، وأن يتم الاعتراف بجهودهم، وبالتالي فإن كلمة السر في نجاح العلاقات الزوجية هي كلمة “شكراً”.
ولفت الطبيبان إلى أن العلاقة الزوجية المزدهرة تتطلب التمتع بثقافة التقدير والامتنان، حيث ينبغي إجادة ملاحظة ما يقوم به شريك الحياة بشكل صحيح، بمعنى التركيز على الإيجابيات وليس السلبيات، ويمكن اكتساب تلك الثقافة من خلال التخلص من أساليب التفكير السامّة والبحث عن الإيجابيات.
وأوضحت ذات الدراسة أن المرء يقول “شكراً” تقريباً طوال اليوم من دون تفكير، وذلك في العمل، مع زملائه، في المحلات والأماكن العامة، ولكن في أهم علاقات حياته قد ينسى مدى أهمية قول كلمة “شكراً” التي ربما من أحق الناس في سماعها هي الزوجة التي تسهر على راحة المنزل وخدمة افراد الاسرة جميعهم.
لا بد للخلافات من أن تتسلل الى أي علاقة زوجية مهما كانت هذه العلاقة ناجحة وسعيدة، و تتفاوت الخلافات بين الأزواج من حيث عمقها وأساليب وطرق التعامل معها، بحيث إن بعضها قد يتم حلّه بسرعة، ويتعقد بعضها الآخر فتصبح عصية على الحل، لكن ثمة خطوات يجب اتباعها لإنهاء الخلافات الزوجية عند حدوثها وهي:
التوقف عن تبادل الاتّهامات بين الزوجين، وأن تذهب الاسرة نحو الاستقرار وتجفيف المنابع الرئيسية لحدوث الخلافات الزوجية، فالاتهام بالنهاية يمكن ان نشبهه بحشرة الارضة التي تصيب اساسات المنازل وتخلخلها بما يجعلها غير امينة وتحتاج الى تدخل مختصين للتخلص من آثارها.
بينما تتمثل الخطوة الثانية بعدم لوم الزوجين لبعضهما، وحل المشكلة على أساس الاحترام المتبادَل وتقديم بعض التنازلات لاستمرار الحياة الزوجية، فلا يمكن للحياة ان تستمر وعصى اللوم موضوعة في طريقها تمنعها من السير باتجاه تجاوز المشكلات والوصول الى شاطئ الاستقرار الكلي.
🔺 أوضحت دراسة في علم النفس إن المرء يقول “شكراً” طوال اليوم من دون تفكير، وذلك في العمل مع زملائه، وفي المحلات، والأماكن العامة، ولكن في أهم علاقات حياته قد ينسى مدى أهمية قول كلمة “شكراً” لزوجته
ولا تقل أهمية عن الخطوتين السابقتين؛ خطوة بناء الثقة بين الطرفين وعدم الاقتراب من حافة الشكوك التي تحيط ببعض العلاقات الاسرية، ولا يمكن الاكتفاء بهذا البناء بل يجب الاستمرار في الحفاظ عليه من التصدع وكل ما يربكه ويمنعه من الاستمرار.
الاعتدال في الإنفاق وعدم الاقتراض من الآخرين إلا في حالات الضرورة القصوى، ذلك لان الاقتراض المستمر من الآخرين ربما يُتخذ ذريعة الى الانفاق غير الضروري او الذي من الممكن تأجيله الى موعد استلام المرتب الشهري، وفي ذلك ترويض للنفس وتعويدها الى عدم الإذعان لتلبية جميع المتطلبات.
العمل على تفكيك مشاكل الأولاد والجيران والأهل بالحكمة بعيداً عن الشجار، مع إدارة الاختلاف بذكاء عاطفي واحترام متبادَل، وان اتُبعت هذه الطريقة فأنها ستجنب الأزواج معضلة استمرارية الخوض في الصدامات مع الآخرين، كما انها ستجعلهم أكثر تحملا وصبرا وفي الآخر يكون لديهم المرونة في تجاوز الخلافات وتغاضي الزلات.
هنالك قاعدة اسرية أود أن انهي فيها الحديث عن الحياة الزوجية وما يتخللها من مشكلات، اذ تقول هذه القاعدة ان الحياة مليئة بالمنغصات، وربما أكثر بأضعاف مضاعفة عن الإيجابيات، وهنا يتطلب من الزوجين الابتعاد قدر الإمكان عن الكلام القاسي وذكر العيوب، ليستمر قارب الحياة بالاشراع نحو الوجهة الآمنة التي يحكمها الهدوء والاتزان والطمأنينة.