العبادة في شهر رمضان المبارك لها خصوصية تختلف عن غيرها من الشهور، فهي تحتاج الى جهد كبير ووقت ربما مضاعف عما في الأيام الأخرى، ولكي ينتهي هذا الشهر الكريم على اتم وجه، يفضل ان يكون هنالك نوع من التوازن بين الأمور العبادية والاعمال المنزلية، وهو ما يضع المرأة في اختبار صعب امام هذه الضغوطات او المهام الكبيرة.
كثرة العبادات والادعية الخاصة بالشهر الكريم وكأن الله يمنحنا من خلال هذه الممارسات الفرصة للتكفير عن ذنوبنا، وإصلاح أنفسنا، ونزيد من حسناتنا، فليس من الصحيح أن نضيع ونُهدر أيام هذا الشهر المبارك لأي سبب من الأسباب، فيجب اغتنامه وشد العزم به وضبط البوصلة قبل مجيئه وحلوله وخلاله، ليكون نقطة التحول نحو رضا الله والظفر برحمته.
🔺 إنّ تأجيل الأمور يراكمها على الإنسان، فيشعره ذلك بالثقل من أدائها، وعدم إنجاز الكثير منها، ويتبع ذلك تأخير العبادات والتراخي في إنجاز الفروض العبادية
اغتنام خيرات ومكتسبات الشهر الكريم من الأمور التي أكد عليها نبينا نبي الرحمة، صلى الله عليه وآله وسلم، حيث دعا الى اغتنام لحظات وأيام رمضان، ولا يُضيع منها شيئاً، وهذا لا يعني ان يتعارض شهر رمضان مع الأعمال اليومية؛ فلا بد من مخاطبة الأمهات على نحو خاص بموازنة الأعمال والعبادة في هذا الشهر المبارك الفضيل، وسنقدم لهنّ بعض النصائح لإعانتهنّ على ترتيب يومهن في شهر رمضان واستثمار نهاره وليله بشكل أفضل.
- إدارة الوقت:
أولى هذه النصائح هي إدارة الوقت، فمن الأشياء المهمة في شهر رمضان أن تقوم الأم وغيرها من النساء بتنظيم أعمالهن بأوقات محددة؛ تحددها حسب الوقت المناسب لها مع إعطاء فسحة للراحة، وجاء في الحديث الشريف لخاتم الانبياء وسيد المرسلين بهذا الخصوص، “اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حياتَك قبلَ موتِك، وصحتَك قبلَ سقمِك، وفراغَك قبلَ شغلِك، وشبابَك قبلَ هرمِك، وغنَاك قبلَ فقرِك”.
وفي الحديث تصريح واضح على استثمار الوقت في خلق نوع من التوازن الواجبات والمستحبات، فعلى سبيل المثال من الواجب قضاء وقت كبير لقراءة القرآن الكريم وغيره من الادعية اليومية الخاصة بالشهر، مع إعطاء أهمية اقل نسبيا لإكمال الاعمال المنزلية التي لا يمكن اغفالها او التقصير فيها، كون التقصير يؤدي الى تأزيم الأجواء الاسرية.
من يقرأ السطور السالفة يعتقد ان الوقت من الأفضل ان يقسم الى قسمين او ثلاثة وهما العبادة والمنزل والنوم، لكن المراد من خلق التوازن عبر قيام الفرد بملاحقة سير الركب في هذا الشهر؛ اذ يجب عليه أن يقوم بإدارة الوقت حسب الأعمال وأولياتها، مع تنظيمها وإعطاء وقت للعبادة ووقت للعمل ووقت لنفسه ولأهل بيتيه، والأصدقاء وغيرهم من الشرائح التي له ارتباط معها.
- ترتيب الأولويات:
يقع ترتيب الأولويات في مقدمة النصائح التي على النساء الالتزام فيها ولو بدرجة معينة، ونعني هنا بترتيب الأولويات هو عدم السماح لعمل ان يقفز على الآخر إذا كان يحمل قدرا من الأهمية، فمثلا ربما تكون مشاهدة التلفاز لديها وقع خاص في نفس ربة البيت، وتعدها من الطقوس الرمضانية المهمة، فلا مانع من المشاهدة، شريطة الا يسرقها التلفاز لساعات طويلة وتبذير الوقت واضاعته بما لا يخدمها من الناحية الدينية والاجتماعية.
🔺 كثرة العبادات والادعية الخاصة بالشهر الكريم وكأن الله يمنحنا من خلال هذه الممارسات الفرصة للتكفير عن ذنوبنا، وإصلاح أنفسنا، ونزيد من حسناتنا
وعلى الام او النساء بصورة عامة ان يتذكرنّ أن شهر رمضان هو شهر واحد في السنة؛ أما البرامج سيُعاد عرضها خلال السنة كاملة، وعليهن الحرص على استثمار الأوقات التي تمر كمر السحاب، وعدم استثمارها ربما يقود الى الندم على تفويت فرصة من أثمن الفرص في التقرب الى الله عز وجل، ولذلك قد يكون من الأفضل ايتها الفاضلة اتباع خريطة لتحقيق جميع الغايات، اذ يمكنك ترتيب الأعمال بالمنزل حسب الأهمية، أي ان تقومي بإعداد الطعام منذ الصباح أو تجهيز سفرة الأكل عند وقت العصر، فبإمكانك بعد كل صلاة أن تجلسي ساعة تذكرين الله، وتقرئي جزءًا من القرآن وتستشعري بذلك الطاعة وقربك من الله، كما يمكن أن تقومي من الصباح لترتب المنزل مع متابعته بين كل وقت ووقت، وتجلسي مع أطفالك قليلاً وتقومين وإياهم بطاعة معينة.
- طلب المساعدة
ولكي تتمكن المرأة او ربة البيت من تلبية جميع المتطلبات، بإمكانها طلب المساعدة من الزوج والأطفال لضمان انجاز الاعمال المنزلية بأسرع وقت واقل جهد، ومن التفرغ للجوانب العبادية او الانشغال بتربية الأبناء الصغار ورعايتهم، وكذلك الاهتمام بالأبناء في المدارس، عبر تحضير واجباتهم المدرسية والاعتناء بشؤونهم الصحية بما يجعلهم بعيدين عن الأمور المسببة للإصابة بالامراض.
- الاستعداد مسبقاً
ومن النصائح التي تقدم للنساء خلال شهر رمضان المبارك هي الاستعدادات المبكرة، بمعنى القيام بشراء اغلب الاحتياجات الضرورية للمائدة الرمضانية، فالخروج لشراء هذه المتطلبات يوفر الكثير من الوقت على المرأة الصائمة والباحثة عن وقت لتأدية الأمور العبادية، وبالإضافة الى توفير فأنه يقلل من مرات الذهاب الى الأسواق وما يؤديه من اتعاب لها بمرور الوقت.
- تجهيز برنامج عبادة
الاستعداد المسبق يمكن الفرد وعلى وجه الخصوص النساء من وضع وتحديد برنامج عبادي خاص بشهر رمضان، كأن يركز على الختمات القرآنية، وتوزيعها على أيام الشهر، وحضور الاجتماعات الرمضانية التي تتناول في مضامينها جوانب دينية على تماس مباشر في حياة الافراد، الى جانب القضايا الاجتماعية.
- عدم التراخي والتأجيل
إنّ تأجيل الأمور يراكمها على الإنسان، فيشعره ذلك بالثقل من أدائها، وعدم إنجاز الكثير منها، ويتبع ذلك تأخير العبادات والتراخي في إنجاز الفروض العبادية، فمثلا تأخير الصلوات إلى ما بعد إكمال المهام المنزلية قد يجعلها تفوته، وفي المقابل لا يصح تأخير العمل على حساب الأمور العبادية، قد يجعله يتكاسل عن إتمامها، فمن الأفضل إنجاز كل أمر بوقته لضمان القيام به.
وأخيراً؛ إعزمي النية منذ بداية هذا الشهر الفضيل على استثمار الوقت وعدم ضياعه، واستعيني بالله فهو حسبك ويعينك على العمل والطاعة، واعلمي أن بالنية الصادقة والعزم تكون الأعمال ليست عادةً إنما تكون بمثابة العبادة، فمن المهم أن يوازن المسلم بين العبادة بمفهومها المعروف وبين العمل، فلا يطغى جانب على آخر ولا يقصّر في أحدهما على حساب الثاني، وكذلك كي لا تمل النفس بأن يحصرها المرء في جانب واحد منهما، فالتنويع والموازنة أمر مطلوب.