قال ابن ابي الحديد المعتزلي في قصيدة المؤالف والمخالف يصف الامام أمير المؤمنين، عليه السلام:
يا برق إن جئت الغري فقل له
اتراك تعلم من بارضك مودع
فيك ابن عمران الكليم وبعده
عيسى يقفيه وأحمد يتبع
بل فيك جبريل وميكال
واسرافيل والملأ المقدس أجمع
بل فيك نور الله جل جلاله
لذوي البصائر يستشف و يلمع
فيك الإمام المرتضى فيك
الوصي المجتبى فيك البطين الانزع
لعل سائل يسأل كيف كانت شخصية الامام علي، عليه السلام، الاجتماعية في مجتمعه الجديد بعد تحويل العاصمة من المدينة الى الكوفة وتصارع القوى النفعية في الكوفة وتجاذب التيارات كيف كانت شخصيته، عليه السلام، الاجتماعية وهل كانت شخصية منغلقة أو منعزلة؟
🔺 يصف ضرار بن ضمرة الكناني لنا البعد الاجتماعي الشخصية أمير المؤمنين، ويقول: يعظم أهل الدِين ويتحبب إلى المساكين إذا جاءه المتدين احترمه ولو كان فقيراً
يصف ضرار بن ضمرة الكناني لنا البعد الاجتماعي الشخصية أمير المؤمنين، ويقول: يعظم أهل الدِين ويتحبب إلى المساكين إذا جاءه المتدين احترمه ولو كان فقيراً، أو كان رد الملابس، فهو يحترمه لدينه لأنه أكرم عند الله تعالى وهو القائل: {إنَّ أكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ اتْقَاكُم}. (سورة الحجرات الآية (١٣)، فتعظيم أهل الدين تعظيم للدين نفسه، ويتحبب إلى المساكين فيغدق عليهم رحمته، وعطفه، وحنوه، وهو القائل أقنع من نفسي بأن: يُقال أمير المؤمنين ولا شاركهم في مكاره الدهرِ وَأَكُونَ أَسْوَةً لَهُمْ في جشوبة العيش”.
فكان، عليه السلام، بنفسه يزور المساكين، ويحمل الطعام على ظهره، وكان بنفسه يداوي مرضاهم، ويتفقد أحوالهم فكان – كما يصف ضرار يدنينا منه إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه إن خلق التواضع، هو خلق الرحمة، وهي من أخلاق رسول الله، صلى الله عليه وآله، فكان علي مثالاً لرسول الله، الذي كان خلقه القرآن ولم تكن تلك الأخلاق تنقص من شأنه كان مع دنوه منا، وحنوه علينا، لا نكلمه هيبة له، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.
- عبادته ومناجاته
ان البعد الروحي الذي نجدة في كلام امير المؤمنين، عليه السلام، وحكمة ووصاياه الذي يقع في قلب السامع، ويكون بلسما لجراحه ومناجاته مع ربه، والادعية والمناجاة التي يفتخر بها محبو اهل البيت، عليهم السلام، وحفظها لنا الأئمة، عليهم السلام، والعلماء الإعلام والتي قلَّ نظيرها في مذاهب المسلمين الاخرى.
لن تلد الأرحام مناجيا لربه كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب فكان قطعة من حب الله والمناجاة له يكفي أن نقرأ لي ما ورد عنه من الأدعية والمناجاة لنرى كيف ينقطع إلى الله حين يقول: “إلهي هَبْ لِي كَمَال الانقطاعِ إِلَيْكَ وَأَنَرْ أَبْصَارَ أن قلوبنا ضياء نظرهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَخرقَ أَبْصَارُ الْقُلُوبِ حُجَبَ النُّورِ فَضْلَ إِلَى مَعْدِنَ الْعَظَمَةِ”.
🔺 الادعية والمناجاة التي وردت عن أمير المؤمنين، يفتخر بها محبو اهل البيت، وحفظها لنا الأئمة، عليهم السلام، والعلماء الإعلام، والتي قلَّ نظيرها في مذاهب المسلمين الاخرى
وإلى ذلك يشير ضرار حين يصف امير المؤمنين عليه السلام، بما شاهده في بعض لياليه فيقول لَقَدْ شَاهَدتُهُ لَيْلَةً في محرابه وقَدْ أَرْحَى اللَّيْلَ سُدُولَهُ وَهُوَ قائم يُصَلِّي قابضاً عَلَى لَحيته يَتَملمَلُ تَململ السليم و يئن أنين الحزين، ولذلك تجده عليه السلام، يأنس بالليل ووحشته لما يجده في حلاوة المناجاة مع ربه والقرب منه تعالى، فإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام يناجي ربه قائلا: آه من قلة الزاد، وبعد الطريق، ووحشة السفر، فهو يذكرنا بذلك اليوم الذي يصفه الرب تعالى في قوله: “وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فَرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ”.
فسوف نسعى إليه فرادى، كما خلقنا أول مرة ولذا لا غرابة أن نرى مدح أمير المؤمنين عليه السلام على لسان القاصي والداني، العدو والصديق، فهو الذي اتفقت الإنسانية على مدحه، فحتى معاوية يبكي عند سماع صفات أمير المؤمنين، وهو الذي ابتدع لعنه عليه السلام على المنابر حتى صارت سنة في دولة بني امية حتى اوقفها عمر بن عبد العزيز.
لكن الغريب أن لا يقتدي به المسلمون، بل يقتدون بمن هو ادنى منه منزلة وجهاد حتى في الإعلام تكون له مساحة اكبر فأين نحن عن دعوته عليه السلام، حين قال: “ألا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَامًا يَقْتَدِي و به وَيَسْقِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قد اكتفى من دُنْيَاهُ بِطمريه وَ مِنْ طعمه بِقَرصيه أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أعِينُونِي بِوَرَعَ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفة وَسَدَادٍ”.
ونحن اليوم مدعوون للاقتداء بأمير المؤمنين، عليه السلام، في أبعاده التي كونت شخصية اسلامية منفرده فقد جمعت الاضداد بشخصه، وهذا مما دعى الى تاثر الفكر الغربي فنجد الفيلسوف والكاتب الانكليزي (توماس كارليل) يقول: “اما علي فلايسعنا إلا ان نحبه ونعشقه فإنه فتى شريف القدر عالي النفس يفيض وجدانه رحمة وبرا ويتلظى فؤاده نجده وحماسة وكان أشجع من ليث ولكنها شجاعة ممزوجة برقة ولطف ورأفه وحنان”. (محمد المثل الاعلى، ص٣٤)
ليكن لنا إماماً ونكون له شيعةً ومحبين وموالين قولا وفعلا.