سمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تساب جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله، بطعام فقال لها: كلي فقالت: أنا صائمة يا رسول الله!
فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟ إن الصوم ليس من الطعام والشراب وإنما جعل الله ذلك حجابا عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول يفطر الصائم.
🔺 هدف العبادات تقويم سلوك الانسان وتهذيبه ليكون إنسانا صالحا منتجا في هذه الحياة
الالتزام بالشعائر الدينية مهم جدا لكنه ليس انجازا في حد ذاته إن لم يؤدِ الى الغاية التي يريدها الدِين من الانسان المؤمن، صحيح ان المكلّف يُسقط التكليف عنه بأداء الصلاة، وبصيام شهر رمضان المبارك، وبحج بيت الله الحرام، لكن السؤال هنا: هل تغيّر حاله بعدَ صلاته؟
وهل سيخرج من شهر رمضان بشيء جديد؟
أم أنه لم يأخذ من شهر الله سوى الجوع والعطش في ساعات النهار؟
كما هو معروف لدى الجميع ان هدف العبادات تقويم سلوك الانسان وتهذيبه ليكون إنسانا صالحا منتجا في هذه الحياة، وهذه الحقيقة أكدتها آيات قرآنية وروايات عن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته الطاهرين، عليهم السلام، فعن حِكمة من حِكم الصلاة قال ــ تعالى ــ: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(الصَّادِق) عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ أَ قُبِلَتْ صَلاَتُهُ أَمْ لَمْ تُقْبَلْ، فَلْيَنْظُرْ هَلْ مَنَعَتْهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْكَرِ؟ فَبِقَدْرِ مَا مَنَعَتْهُ قُبِلَتْ مِنْهُ”.
أما ما هو الفحشاء والمنكر الذي يجب ان تمنعه الصلاة “لعل كلمة (الإقامة) تعني إتيانها بشروطها، ومن شروطها السكينة والخشوع، والفائدة العاجلة التي نرجوها بإقامة الصلاة تركيز التقوى في القلب، مما تبعدنا عن الذنوب الكبيرة والصغيرة.
إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ولعل الفحشاء هي الخطايا الكبيرة التي لا يمكن تبريرها كالقتل، والزنا، والنهب، والسرقة، والاعتداء على حقوق الناس علنا.
أما المنكر فلعله الذنوب التي ينكرها القلب، و قد لا يعرف عنها المجتمع كالمساهمة في قتل الناس عبر إسقاط شخصياته بالغيبة والتهمة، وكذلك الغش والرشوة وهكذا الرياء والنفاق”. (المرجع المدرّسي، تفسيرمن هدى القرآن، ج6، ص: 433).
من هنا نستشف ان العبادات ومنها الصلاة يجب ان تتجلى واقعا ولذلك عبر تهذيب سلوك المصلّي وتقويمه، أما الحالة الروحية الشخصية التي يصل إليها المصلي فلا بيان لذكرها سواء في الآيات او الروايات، وهذا ما يدلّل ان الجانب الأكبر من الأحكام في الدِين الاسلامي ليست حالة نفسية شخصية بعيدا عن المحيطين بالانسان، فصلاتك التي تزيدك خشوعا وتقوى يجب ان تنعكس في عدم الاعتداء على الاخرين، او ايذائهم، او التحامل عليهم بأخلاق غير لائقة.
ومن العبادات التي تقوّم سلوك الانسان وتهذبه “الصيام” وغايته التقوى كما تقرر ذلك الآية الكريمة من سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ولفلسفة الصيام عدة جوانب لسنا بصدد التعرّض لها لضيق المقام، لكن ما يهمنا هو الأثر التربوي الذي يحدثه الصيام عند الانسان، فالصيام يلطف روح المؤمن، ويبعث فيها قوة الإرادة، بالإضافة الى ذلك يعدّل الصيام غرائز الانسان الأمر الذي يمكنه من التحكّم في شهواته ورغباته.
و الجانب التربوي الذي يحدثه الصيام لابد وأن ينعكس ايجابا مع الآخرين، فالصائم الذي اكتسب روح التقوى لابد وان ينعكس ذلك سلوكا قويما في تعامله مع الناس من حوله؛ بدأً من أرحامه واصدقائه، ومن ثم الى الدائرة الأوسع وهو المجتمع.
🔺 الجانب التربوي الذي يحدثه الصيام لابد وأن ينعكس ايجابا مع الآخرين، فالصائم الذي اكتسب روح التقوى لابد وان ينعكس ذلك سلوكا قويما في تعامله مع الناس
وفي خطبة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، في استقبال شهر رمضان إشارة الى هذه الحقيقة، ومما جاء في خطبته: “وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم”، هذه وغيرها قيم أخلاقية اجتماعية يلفت النبيُ الأكرم الصائمَ الى أخذها بعين الاعتبار، وما الامتناع عن الأكل والشرب والجنس إلا الشكل الظاهري للصيام.
إن معيار التديّن في الاسلام هو ما يجب ان ينعكس من اخلاقيات وقيم على واقع الانسان وحياته الشخصية و الاجتماعية، وإلا فما قيمة الصلاة والصيام والحج لمن يقطع رحمه، او لمن يكون فرعونا في بيته، وهنا لا نقول: ان يجب ترك العبادات لانه لا تؤدي هذا الغرض، صحيح انه بمجرد اداؤها تسقط من الذمّة، لكن ما يريده الدِين ليس الأداء كروبوت آلي يؤدي حركات معنية وينتهي الأمر!
وفي الختام لابد من الإشارة الى أمر: إذا كنت تنظر ان العبادات لا تؤدي دورها كما ينبغي فهذا لا يعني ان المشكلة فيها، وإنما المشكلة فيك، وعليك أن تسأل نفسك: لماذا صلاتي لا تنهاني عن منكر؟ ولماذا يمر عليَّ شهر رمضان كلَّ عام ولا ازداد تقوى؟ وكل إنسان يعرف عِلته ودواءها {بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.