عندما قرَّر أبناء علي عليه السلام، في اليمن أن يساندوا إخوانهم المظلومين في فلسطين عن طريق تضييق الخناق على السفن المتجهة الى كيان الاحتلال، انبرى بعض الأعراب (الذين يُقال أن أصولهم يهودية – والله العالم) انبروا لإبطال مفعول الحصار اليمني على سفن الاحتلال الغاصب، وذلك باستعجال فتح طريق بري من الضفة (العربية) للخليج عبر الاردن (العربية) لايصال الوقود والغذاء والبضائع الأخرى للكيان الغاصب، لأنه ليس من العدل أن يتضوّر المسلمون (العرب) في غزة جوعاً ويموت أطفالهم – إضافة الى القصف والمرض – بالمجاعة، ولكن تُمنع بعض المواد والأطعمة والوقود عن الكيان الارهابي القاتل المدمِّر.
🔺 في آيات أخرى يذكّرهم الله بالميثاق الذي أخذه عليهم؛ ميثاق التوحيد والايمان بالرسالة، ولكنهم نقضوا الميثاق فلعنهم الله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}
لستُ بصدد تفصيل هذه النقطة من (النخوة العربية) التي تساهم بشكل مباشر او غير مباشر، في تقتيل وتجويع إخوانهم (العرب) في غزة، وتساند القاتل سراً وعلناً وبلا حدود، وتتفرج على الضحية والشهيد وتسانده بالبيانات والتصريحات والكلمات التي جاءت هذه المرة ضعيفة، وخجولة، وعلى استحياء من الراعي الامريكي والأخ الأكبر الاحتلالي الغاصب.
إنما يهمني الآن ما نشرته بعض الشبكات والمنصات عبر الانترنت تبريراً لهذا الموقف، وذلك بالقول: إن إسم كيان الارهاب والاحتلال جاء في القرآن الكريم عشرات المرات، إذن، لماذا لا تقبل الشعوب المسلمة بالتطبيع؟ اليس القرآن قد كرر إسم هذه الدولة (اسرائيل) مرات ومرات، فلماذا لانساعدها ولا نقيم معها العلاقات ولا نفتح جسراً برّياً لنقل البضائع اليهم، لكي لا يجوع لهم طفل، ولا يموت لهم مريض بسبب شحّة الدواء؟
بالطبع هذا القول والتبرير مضحك وسخيف جداً وشرّ البلية ما يُضحك، ولكن – ومع الأسف الشديد – هناك شريحة من الناس (ليس من الاميين وضعيفي الثقافة فقط، بل حتى من المتعلمين وحملة الشهادات) يستقبلون مثل هذه السخافات برحابة صدر، وكأنه وحي منزل.
هذا ما دعاني لكي اسلط الضوء على تكرار كلمة (اسرائيل) في القرآن، ومدلولات ذلك، وهل لهذا الأمر علاقة بالكيان الارهابي الغاصب الذي ينتحل هذا الاسم للتغطية على حقيقته البشعة التي تفوح منها رائحة الدم والقتل والارهاب منذ أكثر من 70 عاماً في منطقتنا الاسلامية.
1- نعم جاءت كلمة: {اسرائيل} في القرآن 43 مرة.
2- لم تأتِ الكلمة وحدها إلا مرتين فقط وذلك في الآيتين (93- آل عمران) و (58- مريم) والمراد بها النبي يعقوب عليه السلام حيث كان اسمه أو لقبه في اللغة العبرية (اسرائيل) اي: عبد الله، فلا علاقة لهذه الكلمة باليهود على الاطلاق لأنها كانت قبل التوارة واليهودية.
3- أما في سائر الآيات جاءت الكلمة مع (بني) أو (بنو) وواضح أن المقصود من كلمة (بني اسرائيل) هم ابناء يعقوب وذراريهم الذين شكلوا فيها بعد مجتمع اليهود.
4- فهل كان القرآن الكريم يمتدح هؤلاء القوم عندما كرر ذكرهم 41 مرة في مناسبات مختلفة؟ وهل آيات القرآن التي تسرد لنا قصص هؤلاء القوم هي بصدد تقديم نموذج صالح وطيب للمجتمعات الأخرى؟
الجواب: كلا وألف كلا؛ بل القرآن الكريم يريد أن يحذِّرنا عن سلوك المسير الذي سلكه (بنو اسرائيل) اليهود رغم أن الله ــ تعالى ــ فضّلهم في ذلك العصر على العالمين، حيث ارسل لهم نبياً منهم وهو من اولي العزم، وانزل عليه كتاباً سماوياً لارشادهم وتوجيههم، ولكنهم كفروا بنعمة الله، وضربوا هذه الفضائل عرض الجدار، وعاندوا الله ونبيه موسى وأخاه هارون واتهموا عيسى بالسحر:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ}. (سورة المائدة/ الآية:110).
5- وبشكل سريع – وندع التفاصيل لفطنة القارئ لكي يلتقطها من خلال قراءته للقرآن والتدبر في آياته الكريمة – نستعرض أهم النقاط التي تركز عليها الآيات التي جاءت فيها كلمة (بنو أو بني اسرائيل).
ألف: في عدد من الآيات يذكّرهم الله تعالى بنعمة عليهم، والتي كفروا بها ولم يقدِّروها: (سورة البقرة، الآيات: 40 /47/ 122).
باء: وفي آيات أخرى يذكّرهم الله بالميثاق الذي أخذه عليهم؛ ميثاق التوحيد والايمان بالرسالة، ولكنهم نقضوا الميثاق فلعنهم الله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}. (سورة النساء/ الآية: 155).
جيم: وتتحدث آيات أخرى عن الكتاب والهدى والبيّنات التي جاء بها النبي موسى من عند الله، ولكنهم لم يهتدوا بها ولم يعيروا لها أي إهتمام: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. (سورة البقرة/ الآية:211).
دال: وفي آيات عديدة يتحدث القرآن عن مخالفات اليهود وتمردهم على الله والرسول، هذا في عصر وجود النبي بين اظهرهم وليس بعد غيابه: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}. (سورة البقرة/ الآية:246).
هاء: وفي آية أخرى يتحدث عن بعض أحكام الشريعة التي لم يلتزموا بها (كحرمة الصيد في السبت) فمسخهم الله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}. (سورة البقرة/ الآية:65).
واو: وفي مجموعة من الآيات (ربما بلغت الست آيات) يشير الله الى لطفه تعالى بهم، لأنهم كانوا مستضعفين في الأرض ومظلومين من سلطات فرعون وملأه، ولكنهم هل كان ردهم للجميل جميلاً؟ {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}. (سورة المائدة الآية:78).
زاء: وفي آية واحدة فقط مدح الله ــ تعالى ــ الصالحين منهم، ولا شك في أن كل قوم مهما توغلوا في الطغيان، والفساد، والانحراف، ومناوءة الله وانبيائه، فهناك قلة صالحة لا بد ان يمتازوا عن الأكثرية الساقطة: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}. (سورة الاعراف الآية:137).
حاء: وفي آيات ثلاث يتحدث القرآن مع هؤلاء القوم عن الشرك والتوحيد، هؤلاء الذين رغم كل ما تفضل الله تعالى عليهم – وأبرز الفضل هو انقاذهم من بطش فرعون – كفروا بكل القيم الرسالية وطلبوا من نبيهم ان يجعل اللهُ آلهةً كما لعبدة الأصنام آلهة: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}. (سورة الاعراف الآية:138).
🔺 في آيات ثلاث يتحدث القرآن مع هؤلاء القوم عن الشرك والتوحيد، هؤلاء الذين رغم كل ما تفضل الله تعالى عليهم – وأبرز الفضل هو انقاذهم من بطش فرعون – كفروا بكل القيم الرسالية
طاء: وفي عدد أكبر من الآيات التي جاء فيها هذا الاسم (ربما بلغت التسع آيات) يذكّرهم الله بانقاذهم من فرعون الذي سامهم أشد العذاب لعشرات السنين، وقتل أبناءهم، واستحيا نساءهم، واسترق رجالهم، ولكنهم ما أن أنقذهم الله تعالى من كل ذلك انتكسوا على أعقابهم وخالفوا النبي والرسالة في كل شيء، بل انتهجوا تكذيب الانبياء وقتلهم: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}. (سورة المائدة/ الآية:70).
ياء: وأخيراً – وليس آخراً – يشير الله ــ تعالى ــ الى فساد هؤلاء القوم في الأرض، وفسادهم كان عقيدياً (حيث عبدوا العجل مرة، تم طلبوا من نبيهم ان يجعل لهم أصناماً يعبدونها من دون الله) وكان سلوكياً (حينما اختلفوا فيما بينهم في أمور كثيرة) وكان ارهابيا ودموياً (حينما قتلوا الانبياء بدل طاعتهم والاقتداء بهم).
هذه هي موارد ذكر القرآن لكلمة (اسرائيل) او (بني اسرائيل) فهل – يا أعراب الجهل والامية – تبرر لكم هذه الآيات تطبيع علاقاتكم مع مثل هذا القوم؟ إلا إذا صدقت مقولة أنكم – أيها الأمراء والملوك وولاة العهد – تنحدرون من أصول يهودية، فإذا صدق هذا فاذهبوا مع اسيادكم الى العاقبة السوأى في دار القرار، الى قول الله تعالى فيهم وفيكم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. (سورة الاعراف/ الآية:167).