يصعب على الكثير من الأشخاص البالغين التعبير عما يجول بخاطرهم من مشاعر سلبية ام إيجابية، ويبقى عدد غير قليل منهم في حيرة لإيضاح المشكلة التي يعاني منها او الحالة التي يمر فيها، فكيف بالطفل الذي تعترضه في مقتبل حياته بعض المشاعر المتناقضة التي تجعله يغوص في دوامة الصمت لعدم معرفة الطريقة المثلى للتعبير.
يأتي التعبير عن المشاعر ضمن المهارات الضرورية التي تعبّر عن بلوغ الطفل حالةً من التطور والنمو على المستوى الشخصي والاجتماعي الذي عادة ما يحصل كجزء من مرحلة التنشئة الاجتماعية، لذا ففسح المجال للطفل من اجل التعبير عن مشاعره يعطيه قوة الشخصية والخوض في مضمار البناء الذاتي.
🔺 عندما يظهر الآباء مشاعرهم بشكل صريح وصادق، فإنهم يُعلّمون أطفالهم أن المشاعر طبيعية ومقبولة
ويعد التعبير عن المشاعر بصورة صحيحة بمثابة جسر للتواصل بين الفرد ومحيطه الخارجي، فالتعبير عن المشاعر المكبوتة يعني عرض المشكلة او الخلجات النفسية امام الآخرين، فمهما كان العرض جيد، يكون التعاطي او التفاعل معها أفضل، فالبوح هنا أقرب ما يكون لعرض بضاعة او سلعة، الاعتناء فيه يوسع مساحة التأثير والمقبولية.
وبذلك يكون من الواجب ان يقوم الآباء بالتعبير عن مشاعرهم بالشكل المطلوب امام أبنائهم، لغرس قضية التعبير عن المشاعر فيما بعد في نفوسهم، ويمنحوهم الشجاعة على إخراج ما بداخلهم من كلمات تحاول إيجاد طريقها الى الفضاء الرحب، وتعليمهم هذه الطريقة يساعدهم وبشكل كبير على بيان شخصيتهم اثناء الطفولة وما يتبعها من مراحل.
يكتسب الأطفال مهاراتهم الحياتية بصورة مباشرة واولية من الابوين، ولأهمية هذه المرحلة تقول خبيرة الصحة النفسية الدكتورة نتالي الحاج إنه: “عندما يظهر الآباء مشاعرهم بشكل صريح وصادق، فإنهم يُعلّمون أطفالهم أن المشاعر طبيعية ومقبولة، وعندما يظهر الآباء كيفية التعامل مع المشاعر بطريقة صحية، فإنهم يساعدون أطفالهم على تعلم كيفية القيام بذلك أيضا”.
يتوقع عدد من أولياء الأمور ان التعبير عن الذات او المشاعر من الأشياء التي يتم اكتسابها مع مرور الوقت، وهي في النهاية تحصيل حاصل وشيء لابد ان يأتي سواء عاجلا ام آجلا، لكن الحقيقة غير ذلك، وقد يصاب الطفل الذي لم يدرب على هذه المهارة، قد يصاب بداء الخشية وعدم التحدث حتى عند الكبر، وفي مثل هذه الحالة تكون شخصيته غير مكتملة الأركان، وينقصها ربما الركن الأهم الى جانب التكوينات الأخرى او المكملات الشخصية الأخرى.
ولصعوبة التمرين والتعويد على مسألة التعبير عن المشاعر عند الأطفال، فالأمر يحتاج الى مزيد من الوقت وبذل الجهد من قبل الاهل والطفل نفسه لعبور هذه المرحلة والوصول الى حالة مرضية يتمكن بموجبها الطفل من الإفصاح عن مشاعره السلبية والايجابية امام الآخرين لاسيما الاقربين منهم، وهم الابوين على مستوى النطاق الضيق، ومن ثم يتسع هذا النطاق ليشمل أطفال الحارة او المنطقة وصولا الى زملاء المقاعد الدراسية.
من الأشياء التي تجعل الأطفال يعبرون عن مشاعرهم بشكل صحيح لا تشوبه المشكلات، هي فهم الذات، أي يتعرف الطفل على حدود شخصيته، وعندما يفهم الأطفال أنفسهم بشكل أفضل، فإنهم يتعلمون كيفية التعبير عن مشاعرهم والتعامل معها بطريقة صحية، فإن ذلك يساهم بتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وقد يحتاج الأطفال للمساعدة في التعبير عن مشاعرهم، لذا يمكن استخدام الأدوات التعبيرية مثل الرسم أو اللعب بالدمى والصور والرسومات، لتشجيعهم على وصف مشاعرهم والتعبير عنها.
كذلك عدم الانعزال عن الآخرين والانفتاح عليهم، فالتواصل مع الاقران يساعد الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بشكل أفضل، إذ يتعلمون كيفية التعبير عن احتياجاتهم واهتماماتهم، وبهذا الأسلوب يتمكنون من تكوين صداقات قوية تتمتع بالقوة والثبات، فتشجيع الطفل على وضع نفسه مكان الآخرين يعلّمه كيف يتعاطف معهم، وهي مهارة مهمة للحفاظ على علاقات إيجابية مع الآخرين.
ومن الطرق الناجعة في تعليم الطفل مهارة التعبير عن المشاعر، هي التحفيز العاطفي وعدم كبت المشاعر، فعندما يشعر الأطفال بأن الكبار يفهمونهم، فإن ذلك يزيد من ثقتهم بأنفسهم، وينمي لديهم الشعور بالأمان على استكشاف عواطفهم وتحقيق إنجازات أكبر، كما يضمن للطفل نموا سليما عاطفيا واجتماعيا ونفسيا وعقليا.
توفير هذه الأجواء تعطي الدافع لدى الأطفال من اجل التعبير عن المشاعر المزعجة او السلبية، فالطفل بهذه الحالة يحتاج من يساعده ويدفعه بتجاه التعبير عن المشاعر السلبية مثل الغضب والحزن في تفريغ الضغط العاطفي وتقليل التوتر، وإذا تعلّم الأطفال كيفية التعبير عن هذه المشاعر بشكل صحيح، فإن ذلك يبعدهم عن العدائية، ويزيد المشاعر الإيجابية التي تمنح التفاؤل والشجاعة وتعزيز الثقة مع احترام الذات.
ويحصل ذلك عندما يستقطع الابوين من وقتهم الذاتي؛ لتوفير مساحة تمنح الأبناء الحرية في التعبير عن المشاعر، ويسهم ذلك في تعزيز التنمية العقلية للأطفال من خلال تحفيز تفكيرهم وقدراتهم الاستدلالية، بعيداً عن الخوف من الانتقاد او العقاب من قبل الاهل او الأصدقاء.
🔺 ومن الطرق الناجعة في تعليم الطفل مهارة التعبير عن المشاعر، هي التحفيز العاطفي وعدم كبت المشاعر، فعندما يشعر الأطفال بأن الكبار يفهمونهم، فإن ذلك يزيد من ثقتهم بأنفسهم
تخليص الأطفال من مشاعر الخوف امر يؤكد عليه المختصون لما يعطيه من فوائد كبيرة، فمثلا عندما يشعر الطفل بمشاعر معينة، كشعوره بالسعادة بعدما أنهى مشروعا، من الأفضل ان نقول له: يمكنك أن تقول أنا سعيد جدا لأنني انتهيت من المشروع وأعتقد أنه نجح، كما يجب طرح الأسئلة على الطفل حول مشاعره، والاعتماد على الأسئلة اليومية للتحدث مع الطفل عنها، مثل الأسئلة عن حالته اليوم ومشاعره، وهل هو سعيد أم حزين وما سبب ذلك.
يحدث ان يتعرض الأطفال في مقتبل عمرهم الى مضايقات من الاهل تجعلهم خائفين من التعبير عن مشاعرهم، وعادة ما يحصل ذلك في الاسر ذات المستوى الثقافي المنخفض، وكذلك المناطق البعيدة عن مراكز المدن بحكم انقطاعها عن التواصل مع المتغيرات الحديثة التي تصيب جميع المجالات لا سيما مجال تربية الأطفال الذي يعد من اهم الأشياء في عصرنا الحالي وسط الطفرات السريعة التي يشهدها نمط الحياة الاجتماعية.
وقد يؤدي الحرمان من التعبير عن المشاعر لدى الأطفال الى تفضيلهم الانعزال الكلي عن الجو الاسري، وقد يلجأ الطفل الى قضاء ساعات طويلة على الهاتف الذكي، او أجهزة الالواح الذكية، للهروب من المحيط الضيق الذي يعيش فيه، في ظل عدم وجود اهتمام او رغبة لمساعه من قبل اشخاص في محيط الاسرة.
التعبير عن المشاعر يفهم على انه عملية معالجة وتوليد الأفكار واخراجها من داخل الأطفال، فالتوليد يعني الصناعة والإنتاج، وعلى الاهل ان يدركوا أهمية هذا الامر لتحسين نوعية المنتجات وتجويدها بما يُحسّن صورة أبنائهم امام الآخرين.