من قال: عليكم بضرب الأطفال لتأديبهم وجعلهم يتركون التصرفات التي تعاب في المنظور الاجتماعي؟
ومن أكد على ان أسلوب الضرب هو الأسلوب الأمثل لتربية الطفل غير الملتزم بتوجيهات الاهل؟
كل هذه الأساليب غير صحيحة وينهى عنها الدين الإسلامي الحنيف.
الرسالة النبوية وضعت مبدأ لتربية الأطفال والتعامل معهم بعيدا عن الضرب، حيث قال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم: “الولد سيد سبع سنين وخادم سبع سنين ووزير سبع سنين”.
الحديث النبوي هو عبارة عن نص تربوي يتعلق بتربية الاطفال إذا بلغوا سبع سنين، وإذا قطعوا سبع سنين اخرى، وإذا قطعوا سبع سنين، اي 21 سنة، ويعنينا منه من جانب البعد البلاغي حيث يجسد مجموعة صور تمثيلية تتعلق بمرحلة الطفولة الاولى، والطفولة الثانية، والمراهقة.
ويضع لنا الحديث النبوي الشريف نمط التربية في مراحلها الثلاثة، ولنقف عند المرحلة الاولى، حيث نقرأ عبارة “الولد سيد سبع سنين”، و(السيد) هو الآمر والناهي بالنسبة الى العبد الذي يخضع لاوامر السيد وهذا يعني ان الطفل في سنواته السبع الاولى لا يخضع للتربية الجادة بقدر ما يخضع للعب، حيث وردت النصوص الشرعية الآمرة بعدم اخضاعه للتربية الجادة بل يترك للعب، وهذه التوصية رد على ما تذهب به بعض الاتجاهات النفسية الى ان هذه المرحلة تخضع للتربية وانها تحسم مستقبل الشخصية، وهو أمر مغلوط مادام الشارع يجعل السبع سنوات للعب وليس للتربية.
🔺 يؤكد الخبراء أن معاقبة الأطفال جسديا لا تؤدي إلى تقويم سلوكهم، بل تولد مشاعر سلبية تؤثر على نموهم وتوازنهم النفسي، وسلطت دراسة علمية حديثة الضوء على مخاطر هذا النوع من التنشئة
ولتفسير العبارة الثانية التي تقول “خادم سبع سنين”، اي من السنة 7-14، وهي الطفولة الثانية، إذ تعتبر الاساس في التربية عبر التصوّر الاسلامي، كما يطلق عليها مرحلة (الابتدائية)، بحيث يتحدد مستقبل الشخصية على نمط تربيتها في المرحلة الممتدة بين السابعة الى الرابعة عشر.
واما العبارة الثالثة “وزير سبع سنين” فترمز الى مرحلة (المراهقة) وهي من 14-21، حيث أطلق النبي، صلى الله عليه وآله/ مصطلح او رمز (الوزير) على هذه المرحلة، بصفة ان (الوزير) له استقلاليته من جانب، وله تبعيته للملك او رئيس الوزراء من جانب آخر، وكذلك المراهق، فالمراهق وقد بلغ سن الرشد يجد نفسه قد استقل عن اسرته، ولكنه في نفس الوقت يجد نفسه امتداداً لمرحلته الطفلية السابقة، ولذلك نجد اخطار المراهق مضطربة متأرجحة تذهب يميناً وشمالاً ولا استقرار لها حتى تستقر في الحادية والعشرين.
يوضح الإسلام المنهج التربوي السليم الذي بموجبه يعطي للفرد حقه وتنشئته بالصورة الصحيحة، ولم تتعارض الدراسات الحديثة مع هذا الطرح، اذ أثبتت دراسة علمية أن ضرب الأطفال يؤدي إلى عدة عواقب خطيرة، فهو يعزز لدى الطفل مشاعر سلبية مثل الكراهية والإذلال والحزن، ويفهم الطفل عندما يتعرض للعقوبة الجسدية، وأن الضرب هو الأسلوب المثالي لحل المشكلات التي تعترضنا في حياتنا اليومية، ويتعود بالتالي على السلوك العدواني ضد الآخرين.
ويؤكد الخبراء أن معاقبة الأطفال جسديا لا تؤدي إلى تقويم سلوكهم، بل تولد مشاعر سلبية تؤثر على نموهم وتوازنهم النفسي، وسلطت دراسة علمية حديثة الضوء على مخاطر هذا النوع من التنشئة، وأشارت أحدث الدراسات التي نُشرت في مجلة “ذا لانسيت” (The Lancet)، وشارك فيها علماء من جميع أنحاء العالم إلى أن هذا النوع من التنشئة يضر بنمو الطفل.
ومن الآثار المترتبة على الضرب تجعل الأطفال يشعرون بالخوف المستمر جراء العقوبات الجسدية، مما يؤثر على ثقتهم في أنفسهم، ويؤدي إلى تدني احترام الذات ونوبات من القلق عند التعامل مع الآخرين، وعدم بناء علاقات اجتماعية صحية، لأن الطفل الذي يتعرض للعنف الجسدي من والديه قد يعتقد أن الجميع يريدون تعنيفه.
كما يؤدي هذا الأسلوب إلى شعور مستمر بالذنب لدى الطفل، ولا يفهم على وجه التحديد طبيعة الخطأ الذي ارتكبه والعواقب السلبية لذلك السلوك، كما أنه يشعر بعدم الأمان تجاه والديه، ويصبح أكثر عزلة وأقل رغبة في الحديث عن تجاربه والتعبير عن رأيه.
بعض أولياء الأمور يختلفون مع ما تقدم من آراء دينية وحقائق علمية ويعتقدون ان الضرب هو الأسلوب الأكثر تأثيرا في تعديل السلوك، لذلك يلجئون اليه باعتباره الأسلوب الأمثل والاسهل في التربية، متجاوزين جميع الآثار السلبية التي تحصل لشخصية الطفل والسالف ذكرها في السطور السابقة من المقال.
🔺 البديل الناجح عن الضرب هو استخدام أسلوب الحوار الذي يعد أفضل طريقة لتربية الطفل، لأنه يشعره بالأمان والحماية والدعم
وفي هذا الصدد تم تحليل 69 دراسة مختلفة تضمنت استخدام الضرب على الأرداف لتأديب الأطفال، واستنتج الخبراء أنه لا يوجد دليل على أن مثل هذا التصرف مفيد في تحسين سلوكهم، كما خلصوا إلى أن الاعتداء الجسدي يهدد نفسية الطفل ويجعل سلوكه أكثر سوءا.
البديل الناجح عن الضرب هو استخدام أسلوب الحوار الذي يعد أفضل طريقة لتربية الطفل، لأنه يشعره بالأمان والحماية والدعم، ويجعله أكثر استعدادا لسماع توجيهات ونصائح الوالدين، وتصحيح سلوكه الخاطئ، فالحديث مع الطفل يعد الأسلوب الأمثل لتبادل الأفكار ووضع القواعد التي تفيد الطرفين، وتعزيز التعايش القائم على الاحترام، وتقوية الرابطة الوجدانية بين الطفل ووالديه.
من خلال الحوار يستطيع الأطفال التمييز بين السلوك السيئ وغيره الجيد، ويكتسبون الثقة بالنفس، ويصبحون أكثر قدرة على تكوين علاقات صحية مع الآخرين، فالشريعة الإسلامية اكدت على أهمية هذه الطريقة في بناء الشخصية الفردية لتكوين مجتمع صحيح يخلو من الأشياء الغريبة والممارسات الخارجة عن المسار العام.
ويبقى الاعتماد على الدين الإسلامي في المجالات الحياتية لاسيما التربوية منها هو السبيل الوحيد للوصول الى اسرة قوية متماسكة قائمة على الحب والمودة فيما بينها، تسودها المحبة بعيدا عن التصرفات التي لا تنتمي للمنظومة القيمية الإسلامية وذات تأثير مباشر على الحياة الفردية بجميع المراحل.