خلال تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي، تشاهد الكثير من اللقاطات الضاحكة للأصدقاء الذين فضلوا الخروج الى أحد المطاعم او الكافيهات بعيدا عن ضوضاء الحياة، وكحال الدنيا فالكثير من القوانين قابلة للتغير، وينسحب الامر على الصدقات، فهي تتجدد وتتغير مع مرور الزمن، والسؤال هنا، هل توجد صداقات دائمة؟
التجارب الحيّة هي التي تجيب على هذا السؤال الذي يبحث عن إجابة منطقية، فالواقع هو الأكثر خروجا عن حرج الإجابة، اذ يقول لسان حاله ان الصور التي تُنشر على الشبكات الاجتماعية تتبدل باستمرار والغريب في ذلك ان أصدقاء اليوم قد يكونوا أعداء الغد، والعكس صحيح، تتشابه المنشورات مع اختلاف الشخصيات.
🔺 أكثر العلاقات الشخصية ديمومة هي التي بُنيت على أساس التقوى والحب في الله دون النظر الى مصلحة معينة
هذا التغيير المستمر يعطي إشارة واضحة وحقيقة دامغة لا يمكن تجاوزها، ان لا ديمومة في العلاقات، ولا صداقة تستمر كما بدأت للأبد، ليس ضروريا أن يكون أحد طرفي الصداقة مخطئا حتى تنتهي العلاقة، في بعض الأحيان تكون النهاية حتمية وأفضل للطرفين، لكن سوء الفهم والحدود غير المعروفة دائما ما يؤديان إلى مشكلات ينتج عنها تآكل تلك الصداقة بالتدريج بديلا عن نهاية سريعة بحدث واحد ومحدد.
الفرد بطبيعة تكوينه هو كائن اجتماعي يتفاعل مع المحيط الخارجي، يؤثر ويتأثر فيه، ولا يستطيع العيش دون هذا التداخل في العلاقات الاجتماعية، واكد هذا المبدأ قول الله ــ عز وجل ــ ،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. (سورة الحجرات: الآية:13).
فالآية القرآنية تشير الى ان خالق الكون ومصوره جعل من ضمن اهداف خلق الانسان هو التعارف وتكوين العلاقات الاجتماعية والصداقات، إذ يصعب على كثير من بني البشر العيش دون تبادل الزيارات مع الآخرين ومعرفة احوالهم بشكل مستمر، فالسؤال المتواصل بين شخصين يبعث في النفوس راحة واطمئنان كبيرين، ويفضل ان يكون ذلك بشكل مستمر لديمومة الصداقة او العلاقات بصورة عامة بين الافراد.
الحفاظ على الصداقة في بعض الأحيان وعدم خسارة الأصدقاء لا يحتاج الى المزيد من الجهود وقد تكون عبارة “كيف حالك” قادرة على بقاء الصداقة عقود من الزمن، شريطة ان تكون هذه الكلمات في الوقت المحدد، وبعبارة أخرى في الوقت الذي يحتاج فيه الطرف الآخر السؤال عن احواله ومعرفة اموره.
وتتوقف الصداقات على جملة من العوامل والأسباب، أولها او اكثرها علاقة بهذا الموضوع هو وعي الطرفين بأهمية الاستمرار وضرورته في ضل التناقضات التي يعيشها عالم اليوم المضطرب، وفي هذا الصدد تقول المعالجة النفسية جينفر جيرلاخ، في مقال أوردته بموقع سيكولوجي توداي، أنها من خلال عملها التقت بالكثير من الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصداقات، يشعرون دائما بالوحدة بسبب انتهاء صداقتهم التي طالما اعتبروها أبدية، تقول جينفر: “إن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و21 عاما، معرضون بشكل خاص للتحول في الصداقات”.
وهذا التحول قد يكون من الأشياء الطبيعية، ويعود الى وعي الفرد بأن اختياره لهذا الصديق في مرحلة ما من عمره، خاطئ وعليه ان يصحح الأخطاء، سواء عبر السلوك المغاير او تغيير الصديق من الأساس، وفي النهاية نصل الى حقيقة قد تكون مرة وصادمة للبعض، تتمثل بعدم دوام الحال، وتقول الحكمة، “دوام الحال مُحال”.
وكما يقال ان الصديق هو مرآة الصديق، فالاختيار الأولي يجب الا يكون عشوائيا قائما على نزعة عاطفية او لحظة اعجاب بشخصية غير واقعية او حقيقية، وبعد حين تتضح الأشياء، بتفتح الصناديق السوداء، فيكتب لهذه العلاقة ان تموت وتتلاشى عن الوجود بسبب الاختيار الخطأ الذي لم يرتكز على دعامة رئيسية تتمثل في ان الأصدقاء يجب ان يكمل بعضهما البعض.
تحدث بعض الخدع في الصداقات المرحلية، ومثل هذه الحالات تكون معلومة النهايات، فالصداقة القائمة على المصلحة سواء وقتية او طويلة الأمد، مصيرها الافول لا محالة، والواقع خير دليل على ذلك، فكم من صديق وصديق يصادفك خلال رحلة سياحية او يربطك معه عمل معين، ويصبح خلال هذه الفترة وكأنه الأخ الذي لم تلده لك أمك.
وبمجرد انتهاء الرابط المصلحي، تبدأ خيوط هذه العلاقة بالتفكك والابتعاد عن بعضها، وكأنها الدخان المسافر في الأفق دون تحديد وجهته، وفي حال انتهت الى هذا الحد، فهؤلاء اشخاص لديهم تقدير لمرحلة الصداقة، وفي أحيان كثيرة يدخلون في جو مليء بالصراعات وفقدان الثقة وتشهير أحدهما بالآخر وكأنهم أعداء وحان وقت النيل من الآخر.
من غير الصحيح ان تكون الصداقة مبنية على هذه الركيزة، (أي المصلحة)، الصداقة أكبر من كل شيء، فهي تعني المشاركة في كل شيء، تحمل الصعوبات والضغوطات الحياتية سوية وتشارك الهموم وتقاسمها بالتساوي ليخف الضغط على طرف دون غيره، وبذلك تكون متاعب الحياة اقل تأثيرا ونيلا من الشخص صاحب المسألة، وتتحقق قضية الأصدقاء روح واحدة في جسدين.
أكثر العلاقات الشخصية ديمومة هي التي بُنيت على أساس التقوى والحب في الله دون النظر الى مصلحة معينة، وكثيرة هي الشواهد الحية على هذا النموذج من العلاقات الاجتماعية، فقد تطورت بعض الصداقات حتى بلغت درجة التصاهر وبناء اسر كاملة امتدت الى أجيال متعددة.
🔺 الحفاظ على الصداقة في بعض الأحيان وعدم خسارة الأصدقاء لا يحتاج الى المزيد من الجهود وقد تكون عبارة “كيف حالك” قادرة على بقاء الصداقة عقود من الزمن
الحالات السلبية في الصداقات لا يعني ان المجتمع يخلو من الأشياء التي تبث السعادة، اذ يوجد لغاية الآن من يثمن وقت الصديق ومروره بأزمة نفسية او اجتماعية، ويلتمس له الاعذار عند حصول الأخطاء، بل على العكس من ذلك يبادر معه لحلها والعودة الى مجريات الحياة اليومية الطبيعية، والابتعاد عن فرضية نحن أصدقاء مقربون ويجب الحديث في كل لحظة وكل ساعة وان لم يحصل ذلك تحدث مشادات كلامية وتبادل الاتهامات في الأشياء السلبية.
مثل هذه الصداقات لا يمكن التفريط بها وقد دعا الدين الإسلامي الى توطيدها، فالنبي الاكرم صل الله عليه وآله يقول في الحث على ذلك، “إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً”.
مسؤولية اختيار الصديق تعد من المسؤوليات الكبيرة الواقعة على عاتق الافراد، فمتى كان الاختيار صائبا، سنشاهد علاقة متوازنة قائمة على التفاهمات بعيدا عن التجاذبات، وإذا كان العكس من ذلك فأنها ستقود في النهاية الى الانقطاع بغض النظر عن عمر الصداقة سواء كان شهرا ام عشرون عام.