إنّ البيئة التي نشأ فيها الإمام علي، عليه السلام، هي التي تحتضن الإنسان وتؤثر في سلوكه تأثيرا كبيرا؛ ففي اول احتضان لشخصية أمير المؤمنين، عليه السلام، كان في بيت الله ــ سبحانه وتعالى ــ، إذ كانت ولادته في جوف الكعبة وهي ولادة نادرة اختصه الله بها تواترت الأخبار في نقلها وهو ما اجمع عليه اغلب المؤرخين.
ومن المؤثرات الأخرى في حياة الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام، هي انتقاله من بيت والده إلى بيت الرسول، صلى الله عليه وآله، وأصبح الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام، في كنف النبوة فكان، عليه السلام، من نصيب النبي، صلى الله عليه وآله، وكان الرسول، يوليه عناية فائقة توضحت في ملازمة النبي، صلى الله عليه وآله، إياه ويؤكد تاثير تلك الملازمة بقوله: إني عبد الله واخو رسول الله وانا الصديق الأكبر لايقولها بعدي إلا كاذب صليت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة”، وعلى الرغم من نشاته في مجتمع جاهلي يعبد الاوثان والأصنام، إذ كان اول القوم إسلاما في قول اكثر العلماء.
🔺 من المؤثرات في حياة الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام، هي انتقاله من بيت والده إلى بيت الرسول، صلى الله عليه وآله، وأصبح الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام، في كنف النبوة
وفي هذه الأجواء البيئية وحينما نزلت الآية الكريمة بقوله ــ تعالى ــ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فجمع النبي، صلى الله عليه وآله، أهل بيته وعرض عليهم الموازرة والنصر، واستمر الرسول، صلى الله عليه وآله، في إشراك أمير المؤمنين، عليه السلام، في المهمات الجسام التي من شأنها ترسيخ دعائم الدين الاسلامي.
و المجتمع التقي الذي يهدف إليه الدين الإسلامي الحنيف في كل تشريعاته وتوجيهاته الاجتماعية، والتي توجهت أول ما توجهت إلى مجتمع المدينة المنورة، حيث إنتقل إليها رسول الله، صلى الله عليه وآله، مهاجرا برسالته التي انزلها الله اليه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور كما في قوله ــ تعالى ــ: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. (سورة البقرة: آية ٢٥٧).
فكانت رسالة الإسلام هي رسالة النور وهي رسالة القرآن الكريم الذي انزله الله على رسوله العظيم، ليخرج العرب من الجهل إلى العلم، ومن الجاهلية إلى المدنية والحضارة الراقية، ولكنهم لم يقبلوا واصروا على عنادهم وعبادة اصنامهم وأحجارهم حاربوا رسول الله، صلى الله عليه وآله، ورسالته الاصلاحية.
ولكن ما أن انتقل رسول الله، صلى الله عليه وآله، وما تبقى من المسلمين إلى مدينة يثرب بدعوة من أهلها بعد بيعتهم لرسول الله، وأمير المؤمنين، عليه السلام، في العقبة الأولى والثانية، وفقد رسول الله، صلى الله عليه وآله، في شهر رمضان داعمه وحاميه وحافظه ابو طالب، عليه السلام، وزوجته ومونسته السيدة الطاهرة خديجة الكبرى، عليها السلام، فاعلنا عليهما عاما للحزن لهول المصيبة بهما، وبذلك جاء الأمر الإلهي بالهجرة من أرض مكة المكرمة إلى أرض الهجرة في المدينة المنورة، فوضع فدائي الإسلام الاول، وفتاهُ الاكمل، وصنوه ووصيته وابن عمه الإمام علي، عليه السلام، في فراشه وذهب مهاجرا.
- بناء المجتمع الإيماني في المدينة
شرع النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، في بناء القواعد الحضارية للمجتمع الإسلامي في المدينة، ومن تلك القواعد الاساسية الاخوّة الإيمانية حيث آخا بين المهاجرين والانصار، واتخذ عليا عليه السلام، اخا له وبنى المسجد ليكون هو مقر القيادة السياسية والاجتماعية وحتى العسكرية، وعقد معاهدة وهي أول معاهدة للعيش المشترك في التاريخ بين كل سكان المدينة تبليغ الواجبات والأحكام الشرعية.
وفي كل تلك الخطوات كان أمير المؤمنين وسيد الوصيين الإمام علي، عليه السلام، هو الشخص والشخصية الثانية في المجتمع الإسلامي الجديد، حتى قالوا عنه كنا ننظر الى اهل البيت علي وفاطمة والحسن والحسين في عهد رسول الله، صلى الله عليه وآله، كما النجم في السماء، لأنهم اهل البيت عليهم السلام، و لا يُقاس بهم احد من الخلق فهم سادة الأمة وقادة المجتمع الاسلامي.
🔺 رسالة الإسلام هي رسالة النور وهي رسالة القرآن الكريم الذي انزله الله على رسوله العظيم، ليخرج العرب من الجهل إلى العلم، ومن الجاهلية إلى المدنية والحضارة الراقية
وبعد انتقال الرسول، صلى الله عليه وآله، إلى الرفيق الأعلى وانقلاب الأمة على الاعقاب بقيادة قريش التي تصدّت للقيادة السياسية بعد سقيفة بني ساعدة الكارثية، واقصت الثقل الأصغر العترة الطاهرة من الحياة الثقافية والسياسية للأمة الإسلامية.
- إصلاح الإمام علي عليه السلام الاجتماعي
الإمام علي، عليه السلام أراد منذ اليوم الاول ان يصلح المجتمع الإسلامي واعادته إلى سيرة وسنة الرسول، صلى الله عليه وآله، الذي خرج عنها في كثير من السنن الاجتماعية ولكن كان الطريق أمامه صعبا وربما مستصعبا، لأن الناس قد ألفوا تلك العادات وصارت من صلب عقائدهم؛ كصلاة التراويح، والاذان، والغسل في الوضوء، والتكتف في الصلاة، فلما أراد أن يصلحها قاموا من كل جانب من المسجد وهم يصرخون ويصيحون: “وا سنة عمراه وعمراه”
وبالتالي نقول: ان مجتمع الإمام علي، عليه السلام، الذي ضحى بكل شيء في سبيل بقاء الدين الإسلامي والمحافظة على المجتمع وبيضة الإسلام قوية ومنيعة في وجه أعدائها، وكان يقول: ” والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين”، فمن اليوم الأول الذي بايعته الأمة صعد على المنبر وأعلن برنامجه الإصلاحي، وكان فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان، كانت سيرته العدل في الحكم، والقسط في المجتمع، والحق رائد في كل حياته، بل هو مع الحق والحق معه عليه السلام.
اللهم ارزقنا شفاعته يوم الورود يا رب.