نُصاب بالحزن بين فترة وأخرى نتيجة لسماع الاخبار المؤلمة، لاسيما التي تتعلق بانتحار بعض الطلبة بعد تأكدهم من عدم نجاحهم او حصولهم على درجات عالية في الاختبارات النهائية للمراحل المنتهية، وقد يكون السبب الوحيد وراء هذه الظاهرة هو ضغط الأهالي دون الاكتراث او التحسب لهذه النتائج.
قلق الاهالي بشأن مستقبل الأبناء ورغبتهم في تحقيق التفوق والتميز على الاقران، يُغيّب جميع الاعتبارات المتعلقة بتربية الأبناء واهمية مراعاة السمات الفردية للبعض، فليس الكل بنفس المستوى من الذكاء، وليس الكل أيضا يعيشون بنفس الظروف التي تنتج طبيب او مهندس او غيره من الاختصاصات المرموقة في المجتمع من وجهة نظر الأهالي.
من هنا يبدأ الضغط على الأبناء وكأنهم يعيشون في كابوس طيلة العام الدراسي، وقد يكون الإخفاق حليفهم، فالأمر الأهم وعلى الاسر معرفته هو ان الدرجات سواء كانت مرتفعة ام منخفضة لا تعني نهاية المطاف، والمحافظة على صحة الأبناء النفسية وعدم التأثير عليها هي الغاية الأساسية في المراحل الأولية من حياتهم لتنعكس فيما بعد على المشوار المتبقي العمر.
⭐ قلق الاهالي بشأن مستقبل الأبناء ورغبتهم في تحقيق التفوق والتميز على الاقران، يُغيّب جميع الاعتبارات المتعلقة بتربية الأبناء واهمية مراعاة السمات الفردية للبعض
حالة من التنافس وصراع اجتماعي تعيشه مجتمعاتنا اليوم، وهنالك غِيرة من وصول أبناء بعض الاسر الى كليات ومراتب علمية معينة، ما يحفز عنصر المنافسة من اجل الوصول الى نفس المرتبة، وبطبيعة الامر التنافس بهذه الطريقة يعد من الأخطاء الفادحة التي يقع فيها أولياء الأمور الذين لديهم تلك الرغبة وتتحول الى امر ضار في أحيان كثيرة.
بمثل هذه الحالة قد يكون الأبناء هم الضحية الأولى، يخضعون الى ضغوط اُسرية كبيرة تزيد عن طاقتهم الذاتية في التحمل، وعند الوصول الى طريق مسدود مع الأهالي المصرين على ديمومة الزخم والضغط يضطر البعض منهم الى التمرد على إرادة الاهل.
ومن صور التمرد هذا هو ترك المقاعد الدراسية وان لم يكن هذا الخيار متاح امام الطالب، قد يذهب الى الامر الأصعب، وهو الانتحار لرمي الاثقال المعنوية التي وضعها الاهل على اكتافه وهو غير مؤهل او قادر على مواصلة المسير بهذه الشاكلة، وربما لا يتحمل مسؤولية فعله هذا بمفرده، يشاركه الاهل والظروف غير المواتية لتحقيق حلمهم وحلم الطالب نفسه.
البديل عن ذلك الضغط هو قيام الاهل بزرع الثقة في نفوس ابنائهم الطلبة عبر ابلاغهم ان الرسوب ليس النهاية قد يكون نقطة الشروع والبداية الحقيقية مع اطلاعهم على الحالات العالمية، وذكر بعض قصص حياة شخصيات تحولوا الى اشخاص مؤثرين على مستوى العالم، فتوماس أديسون صاحب رابع أهم اختراع بالعالم الذي سجلت له أكثر من ألف براءة اختراع على رأسها “المصباح الكهربائي” لم يلتحق بالمدارس سوى ثلاثة أشهر فقط، وصفته فيها مديرة المدرسة بأنه “غبي وبليد”، وما كان من أمه إلا أن رفضت حكم المدرسة القاسي على ابنها فجعلته مشروعها الخاص ليصبح ما أصبح عليه لاحقا.
كذلك وليام شكسبير واحد من الذين أبهروا العالم بنجاحهم المنقطع النظير لم يكمل تعليمه نظرا لكارثة مالية حلت بأسرته، يشاطراه الامر الأخوان رايت مخترعا الطائرة لم يكملا تعليمهما بعد الثانوية العامة، وبيل غيتس مؤسس مايكروسوفت العملاق، ترك جامعة هارفارد رغم تميزه لإدراكه أنها ليست الأفضل لطموحه.
الاطلاع على الشواهد والقصص العالمية ربما يكون عامل مخفف للضغط من قبل الأهالي، ومعرفة ان ليس بالضرورة ان يكمل الفرد تعليمه الجامعي او غيره من المراحل ليكون شخصا مؤثرا في المجتمع، فقد يكون الخلل في المدارس او بالمنهجية المتبعة فيها.
من بين الأخطاء المنهجية الواقعة في المدارس هو اعتماد نتيجة الاختبار النهائي ليحدد مسار حياة الطالب، فقد يصاب الطلبة ونتيجة الضغط لاجتياز المرحلة الحاسمة بالحالة النفسية وعدم تقبّل فكرة الفشل او التخلف عن الاقران، وبذلك يكون قد دخل مرحلة خطيرة من مراحل الصراع الداخلي.
خطأ الاعتماد على النتيجة النهائية قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير، وتضيع جهود حفنة من السنين وتعب الأهالي والطالب نفسه، فربما اتباع آلية أخرى يكون عامل مشجع ومساهم في تعزيز الثقة لدى العديد من الطلبة وهي تقسيم توزيع الدرجة النهائية على المراحل السابقة للمرحلة الأخيرة وبالتالي يكون الطالب ضامن لجزء غير قليل من الدرجة النهائية.
ليس كل ما يحلم به الاهل قابل للتحقق، فكثيرا ما تتعارض الرغبات الشخصية للأسر مع طموحات وأفكار الأبناء، وهو ما يمكن عده من الإشكاليات الازلية بين الطرفين، ومن الأمثلة على هذه الانموذج هو باولو كويليو، صاحب أكثر الكتب مبيعا (الخيميائي) الذي ترجم إلى أكثر من 56 لغة، فقد أراد لنفسه أن يكون كاتبا فيما أراد له والداه أن يكون مهندسا، ونتيجة للصدام المتكرر بين رغبتيهما ترك الدراسة نهائيا.
⭐ الاطلاع على الشواهد والقصص العالمية ربما يكون عامل مخفف للضغط من قبل الأهالي، ومعرفة ان ليس بالضرورة ان يكمل الفرد تعليمه الجامعي
لا نريد الوصول الى هذه النتيجة وهي مغادرة المقاعد الدراسية نتيجة الضغط الذي يمارسه الاهل على أبنائهم، إذ تقول النظريات النفسية أن الضغط النفسي على الأبناء لتحقيق رغبات الآباء لن ينتج سوى الضرر النفسي والفسيولوجي.
الحل لمثل هذه الإشكاليات يكمن في توفير بيئة أسرية آمنة للطالب، ومنحه حرية في اختياراته وإدارته للعملية الدراسية الخاصة به، كما ينبغي أن تكون مستقرة دون أي نوع من التغيرات والقوانين التي تضيف إلى قلقه قلقا آخر، وبالمجمل ينبغي إشاعة جو يسوده الأمان والاستقرار.
ولا يأتي الاستقرار الا عن طريق اتباع سياسية التودد للأبناء ومعاملتهم بلطف طيلة أيام السنة ومضاعفة هذه الجهود والمعاملة الحسنة مع اقتراب الأجواء الامتحانية للوصول في النهاية الى مستويات ودرجات عالية، بعيدا عن الخوف والقلق الذي يصيب معظم الطلبة نتيجة افراط الأهالي في حث الأبناء على الاهتمام بالدروس واجتياز الاختبار بأمان.
الضغط لا يمكن ان يكون بلا جدوى، لكن لكل شيء حدود لا يجوز تخطيها، فالتخطي يعني تحطيم او انهاء مرحلة الدعم النفسي والسند الاجتماعي المتمثل بوقوف الاسرة مع الطلبة لعبورهم صوب جادة التفوق والاجتهاد، خاصة وان لكل فرد خريطة مستقبلية يعمل على بلوغها وصولا الى مستقبل أفضل.