قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}. (سورة المائدة: 55)
- مقدمة ولائية
عندما نريد أن نتحدَّث عن الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، إنما نتحدَّث عن الإنسان الكامل في الإنسانية، وعن الشخص المثال في الصفات المثلى، وعن الرجل الذي اجتمعت في صفاته الأضداد ولذا عزَّت له الأنداد، لأننا أمام شخصٌ فريد لا ولن يتكرر إلا في إهاب وشخص صنوه الرسول الأعظم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله، وإلا فعلى بن أبي طالب وتر في العالمين، وهنا حديثنا ليس عن الشَّخص الكريم، بل عن الشَّاخص والمثال، أو الميزان، والمعيار، والمقياس في كل صفات الإنسانية الراقية العليا.
كما أننا إذا أردنا أن نتحدَّث عن الولاية فإننا نتحدَّث عن تلك الدائرة العالية، والمكانة السامية، لأولياء النِّعم في هذا الكون، والحديث عن الولاية المطلقة هو منحصر بأهل الولاية العظمى لمحمد وآله الطيبين الطاهرين ورأسهم وأولهم ووالدهم هو أمير المؤمنين ويعسوب الدِّين الإمام الهمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، ولي الله الأعظم، ووصي ووارث رسوله المكرَّم لرسالته الخاتمة لكل رسائل الرب لبني آدم، عليه السلام.
⭐ هذا الكتاب ليس فقط للحاكم حتى يعرف واجباته وإنما هو لجميع الناس حتى يعرفوا أي حاكم يحكمهم، ولا يسلموا قيادهم لكل حاكم
ولذا بحثنا في جزئية من الكل، وهي وقفة على شاطئ بحر طمطام، ومحيط قمقام لا ساحل له، ولذا سنحاول الوقف والتوقيف والاستيقاف ولكن ليس لنبكي على الأطلال كأهل الجاهلية، ولكن لنستشرف العلم من بحاره، والحكم من معدنه، والإنسانية من مثالها، ومقياسها، ومعيارها، إنه (عهد الإمام علي (عليه السلام) لصاحبه البار مالك بن الحارث المعروف بالأشتر النخعي حينما ولاه على مصر)، وهذا العهد كان في طوايا الكتب التراثية، وخزائن العلم العلوية حتى سنحت له الفرصة واطَّلع عليه أهل الفن حيث الفهم والعلم والتخصص السياسي العالي والعالمي فدرسوه دراسة مستوفية بمقاييسهم، وما توصلت إليه الإنسانية بفكرها فوجدوا أن أمير المؤمنين سبقهم بقرون متمادية، بالبحث، وسبقهم ربما بقرون ضوئية إلى المستقبل، ولكن اكتشفوا هذا العهد وكأنه دُرَّة سماوية بأرض الإنسانية، فجعلوه وثيقة تاريخية في الأمم المتحدة وناشدوا الحكام – لا سيما المسلمين منهم – بالعمل بهذه الوثيقة الإنسانية في حكوماتهم وبلادهم.
ولكن تناولها والدكتور راشد الراشد بطريقته الحضارية، وأسلوبه الولائي، وثقافته الإسلامية، وخبرته السياسية الموسوعية، فوجده أنه (وثيقة كونية كبرى) وليس فقط وثيقة تاريخية أو تراثية من تراث حكيم الإنسانية الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام وهنا تتفتح نوافذ الإبداع في شرحه وتناوله لهذا العهد المبارك، وهذه الوثيقة التاريخية والكونية في هذا الكتاب الراقي جداً الذي نحن في رحابه الواسعة الجميلة.
- تعريف بالكتاب
العنوان: الوثيقة الكونية الكبرى (في قضايا الحكم وإدارة السلطة وقيادة المجتمع)
الكاتب: الدكتور راشد الراشد / المعارض السياسي البحراني المخضرم
الصفحات: 433 صفحة من القياس الوزيري
الناشر: دار المحجة البيضاء – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى (2023 م).
كتاب جميل بلون أبيض أنيق مزيَّناً بصورة لطاولة الحكم والقضاة المعروفة بالميزان والمطرقة، ولكن أضاف جناب الدكتور المؤلف تعريفاً وتوضيحاً آخر في ذيل العنوان قال فيه: (قراءة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) عندما ولاه مصر)، ثم قال أيضاً: (نظرية الحكم الصالح والرَّشيد عند الإمام علي (عليه السلام)، وأعتقد أن هذا هو العنوان الرئيسي للكتاب لأن الباحث كان يريد إظهار هذه النظرية إلى العَلن بعد خفائها طيلة هذه القرون بدراسة مستوفية وشاملة فكان هذا الكتاب الجليل الجميل.
- هيكلية البحث
أقام الدكتور الباحث بحثه على سبعة فصول، ربما مستفيداً من (السماوات السبعة، والأراضين السبة، وأيام الأسبوع)، وتسبقها مقدمة لطيفة، ويتبعها ملحقان في نهاية البحث وهي على الشكل التالي:
الفصل الأول: لمحة موجزة عن سيرة وحياة الإمام علي (عليه السلام).
الفصل الثاني: لمحة موجزة عن سيرة وحياة مالك الأشتر (رضوان الله عليه).
الفصل الثالث: ملامح الحكم وخصائص النظام السياسي عند الإمام علي (عليه السلام).
الفصل الرابع: الوثيقة الكونية الكبرى.
الفصل الخامس: عهد الإمام علي بن أبي طالب (ع) لمالك الأشتر (الوثيقة الكونية التاريخية الرائدة في صياغة سلوك الحكام وأدق التفاصيل في هندسة قضايا الحكم وإدارة الدولة وقيادة المجتمع).
الفصل السادس: المضامين الروحية والأخلاقية للعهد (العلوي).
الفصل السابع: المرتكزات الفكرية في الوثيقة الكونية للحكم، وإدارة الدولة، وقيادة المجتمع؛ (نظرية الحكم الصالح والرشيد).
وهذا الفصل السابع هو في الحقيقة يشكل صلب الدراسة وعمود فقرها الذي تقوم عليه ولذا نقرأ فيه ثلاثين فقرة ومرتكزاً يتناول فيها جناب الدكتور الراشد نظرية الحكم الصالح والرشيد في نهج ورؤية (أعدل حاكم في تاريخ البشرية) ألا وهو الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، حيث كتب هذا العهد – مع عهود أخرى ورسائل وخطب كثيرة في نهج البلاغة وغيره – وهي تمثِّل خُلاصة الرؤية الإسلامية الإلهية لنظام الحكم وأصول السياسة الشَّرعية والدِّينية كما نظَّر لها ومارسها وأقامها أمير المؤمنين، عليه السلام، خلال أيام حكمه الرَّشيد، الذي لا يوجد له نظير، ولا لتجربته مثيل في التاريخ البشري على امتداده منذ آدم، عليه السلام، إلا ما كان في عهد رسول الله الأعظم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله، في المدينة المنورة وهي كانت مرحلة بناء للمجتمع والأمة الإسلامية، ثم للدولة الدِّينية الفتية، والتي قطعت تجربتها قفزة رجال قريش في سقيفتهم المشؤومة، ولكن عاد الإمام علي، عليه السلام، سيرة رسول الإنسانية وقائدها الأعظم حينما بايعته الأمة على حكمها، فكانت قيادته لدولة مترامية الأطراف، راسخة الوجود، إمبراطورية القوة فأعطى هذه النظرية الحضارية للأجيال الآتية إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، لتكون دستوراً لنظام الحكم العادل والرشيد كلما أرادت الأمة النهوض لبناء دولة قوية، وحضارة إنسانية.
تقديم وتقريظ سماحة السيد هادي المدرسي (حفظه الله)
وقد أجاد وأجمل -كعادته- سماحة السيد المجاهد آية الله السيد هادي المدرسي (دام عزه) في تقديمه وتقريظه لهذا الكتاب حيث قال: “هذا الكتاب الذي بين يديك هو من أجمل ما قرأته في شرح ما يعرف بعهد الإمام علي، عليه السلام، لمالك الشتر حين ولاه مصر، ذلك أن الكتاب يستوعب الدروس الأساسية التي وردت في هذا العهد، والنقاط الاستراتيجية التي تناولها الإمام علي، عليه السلام، وأيضاً ما يميِّز الكتاب استنباطه لنظام الحكم الذي يجب أن يكون عليه في نظر الإسلام، فما يميِّز هذا الكتاب إذاً مجموعة من الأمور:
الأمر الأول: النظرة الشمولية والتي تعرف من خلال اسم الكتاب (الوثيقة الكونية الكبرى).
الأمر الثاني: إن مؤلفه ليس من العاطلين عن العمل الذين يجلسون في غرف مغلقة ويكتبون كتابهم من خلال مراجعة ما كتبه الآخرون وإنما هي استنباطات رجل يعيش في الساحة ويناضل الحكام المستبدين ويعمل من أجل إيجاد البديل الصحيح عن الأنظمة الشمولية (الأوليغارشية – الأقلية والعائلية) التي تحكم بلادنا.
الأمر الثالث: عمق هذه الدراسة ومتانتها.
الأمر الرابع: إضافة إلى أن هذا الكتاب ليس فقط للحاكم حتى يعرف واجباته وإنما هو لجميع الناس حتى يعرفوا أي حاكم يحكمهم، ولا يسلموا قيادهم لكل حاكم يصبح عليهم حاكماً بالحديد والنار، أو عن طريق الخداع، فالمبادئ القيم الموجودة في هذا الكون والتي أقام الله الحياة عليها هي عامة وشاملة لجميع الناس”.
⭐ أقام الدكتور الباحث بحثه على سبعة فصول، ربما مستفيداً من (السماوات السبعة، والأراضين السبة، وأيام الأسبوع)، وتسبقها مقدمة لطيفة، ويتبعها ملحقان في نهاية البحث
وهذه الأمور الأربعة يرى سماحة السيد المجاهد -وهو صاحب الرؤية الثاقبة- هي ما يميِّز هذه الدراسة المستوعبة لهذه الوثيقة العلوية المباركة، فهي تعطي رؤية وتؤسس لنظرية الحكم الإسلامي كما يجب أن يكون عليه لا كما نراه في الواقع المشتت الآن، أو نقرأ عنه في أنظمة الحكم الشمولية والعائلية الظالمة في التاريخ الذي بدأ من الأموية المجرمة، ثم العباسية الظالمة، ثم العثمانية الغاشمة التي سلَّمتنا إلى الاستعمار الحديث ولم نتخلَّص منه ومن هذه الأنظمة التي غرسها في البلاد لإخضاع العباد ونهب الثروات. فالدراسة التي قام بها سماحة الدكتور الباحث راشد الراشد هي جديرة بالدراسة بالتأني والمراجعة لكشف أسس الإبداع فيها وذلك لأنه -كما قال جناب السيد- أنه من العاملين منذ أربعة عقود في الحقل السياسي والثقافي ومن الفاعلين في الساحة السياسية ومازال يجاهد ويناضل لتحقيق أهداف هذه الوثيقة العليا في البلاد الإسلامية لا سيما في البحرين العزيزة والجريحة حيث سيطرت عليها هذه العائلة التي راحت تحكمها بالحديد والنار وباعتها بأرخص الأثمان لأعدائها الصهاينة كما نرى ونسمع في هذه الأيام العصيبة، حيث (تك تك) التطبيع، والتركيع، والتخضيع، الذي ساقته (صفقة القرن الترامبية)، ولكن جاءت عاصفة (طوفان الأقصى) فداسه المجاهدون بأحذيتهم ومرَّغ أنوف المطبعين بوحول الخزي والعار لهم ولأسيادهم اللاهثين وراءهم.