تعيش البلدان العربية في الوقت الحاضر انهياراً او تراجعاً للنظم الأخلاقية القائمة فيها، الى جانب ذلك برزت ظاهرة عدم احترام القوانين المشرّعة، مما أدى الى العيش بحالة أقرب منها الى الغابة، ولا يخرج العراق من دائرة عدم احترام القيم الاجتماعية بل قد يكون من البلدان التي تعاظمت فيها هذه الظاهرة وتمردت مجتمعاتها على المألوف.
تمرد المجتمع العراقي على الأنظمة الاخلاقية له أسس كثيرة ساعدت على ارتفاع النسبة وتفوقه على بلدان المنطقة، فالعراق عاش أوضاع استثنائية في كل شيء، بلد عانى الحروب الطاحنة التي ابتلعت أجيال بأكملها وزهقت أرواح كان المفترض ان تبقى على قيد الحياة، وتقدم اسهاماتها للأجيال اللاحقة.
⭐ يندرج ضمن المسببات الرئيسية لعدم احترام القانون الاجتماعي تردي الأوضاع الاقتصادية التي أجبرت الكثير على العيش بكفاف او اقل من ذلك، يحصلون فقط على ما يبقيهم على قيد الحياة
لكنها ومع شديد الأسف ذهبت ضحية حماقة الأنظمة السابقة التي لا تعرف الرحمة ولا تعترف بالمنطق، حكمت البلاد في الحديد والنار، وهجَرت العباد الى اقصى ارجاء المعمورة، أضف الى ذلك ما عاناه الشعب في الداخل من جوع وتشريد وتهميش واحتقار، اذ اتبع معهم النظام المقبور كل ما يرتبط بالذلة والمهانة.
يندرج ضمن المسببات الرئيسية لعدم احترام القانون الاجتماعي تردي الأوضاع الاقتصادية التي أجبرت الكثير على العيش بكفاف او اقل من ذلك، يحصلون فقط على ما يبقيهم على قيد الحياة، يزاولون ابسط الاعمال التي تعود عليهم بمردود يكاد لا تحسب له قيمة، يصعب عليهم تجديد الملابس مع تعاقب فصول السنة.
كل هذه العوامل صنعت أجيالا تلو الأجيال غير مقتنعة بفكرة النظام والانضباط الاجتماعي، صار التمرد على القوانين في أحيان كثيرة السمة الأبرز من بين السمات الاجتماعية السائدة في البلاد، اذ أدى التمادي الى حدوث ظاهرة التجاوز على المال العام والممتلكات العامة وغيرها من الأشياء التي لا تمثل سوى الاعتداء على القانون وعدم احترامه.
والا بماذا تفسر تجاوز صاحب الأسواق وغيره من أصحاب المحال التجارية على الأرصفة؟
لا يمكن تفسير هذه التصرفات الا بانها شكل من اشكال الخروج على النظام الاجتماعي، وضعف فرض القانون من قبل رجال السلطة المعنيين بفرض قوة الدولة على الجميع وتفعيل مقولة الجميع يخضع للقانون، مع ضرورة بيان هذه المسألة للعامة وليس تطبيقها على فئة دون أخرى بما يخلق حزازية ونفور شعبي.
يتحدث المتخصص في الشؤون الاقتصادية السويدي غونار ميردل عن الدولة الرخوة فيعرفها بالدولة التي تضع القوانين ولا تطبقها ليس لأن فيها الكثير من الثغرات ولكن لعدم وجود من يحترم هذه القوانين، وكذا الحال بالنسبة للعراق فيمكن ان يوصف بالدولة الرخوة التي لا تجيد او تتمكن من تطبيق القوانين على الافراد.
- من يحترم النظم الاجتماعية؟
يحترم النظم الاجتماعية عادة الافراد الذين لا يملكون مالا وسلطة، فمن يمتلك هذان العنصران يُوجد من يحميه عند مخالفته للقوانين والنظم الاخلاقية، يقابل ذلك تبادل المنفعة والمصالح المرتبطة بعضها ببعض، وبذلك يكون الشخص الفقير معنويا تحت طائلة القانون وتجريم فعله الذي قد لا يتطلب كل هذه الهالة والتطبيل.
- الوجه الآخر:
بالتأكيد هنالك وجه آخر لابد من الإشارة اليه وهو ما يمثل الشق الإيجابي القائم في البلد، فمن غير الصواب ان يتركز الحديث عن الظواهر او الجوانب السلبية وترك النصف المشرق، فلا يزال يوجد في العراق من يحترم القيم والنظم الاجتماعية ويعتبر التجاوز عليها من الأخطاء التي لا تغتفر.
فاحترام العادات قد يكون غريزةً فطرية يحملها الانسان منذ تكوينه، لكنها تميل الى الشمال او اليمين بحسب البيئة الحاضنة للشخص نفسه، إذا كانت بيئة مستقرة خالية من الظواهر او الممارسات السلبية، تولد شخصا متعدل السلوك لا يقدم على مخالفة الأعراف الاجتماعية.
⭐ تفعيل ثقافة او مسألة احترام النظم الاجتماعية يتطلب جهود كبيرة تشترك فيها جهات عدة، من بين هذه الجهات هي إعطاء دور فعال للمؤسسات التربوية كالمدارس والجامعات
وان كانت البيئة غير ذلك فهي من تساعد على ظهور هذه المفارقات وتحدث الأشياء الغريبة التي لا تمت لمجتمعاتنا الإسلامية بصلة، فقد حثت الشريعة الإسلامية وأئمة اهل البيت عليهم السلام على ضرورة كف الأذى عن الآخرين، تذكرنا بذلك آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة الى جانب التوجيهات الصادرة من قبل مراجع الدين وغيرهم من الشخصيات التربوية.
تفعيل ثقافة او مسألة احترام النظم الاجتماعية يتطلب جهود كبيرة تشترك فيها جهات عدة، من بين هذه الجهات هي إعطاء دور فعال للمؤسسات التربوية كالمدارس والجامعات لضخ القيم السامية وترسيخها في الأجيال الناشئة، لتتحول فيما بعد الى أسلوب حياة لا يتأثر بالمغريات المتضاعفة يوما بعد آخر.
ومن الحلول أيضا لا يمكن التقليل من شأن المنبر الحسيني ودور الخطباء في تعزيز هذه الثقافة الاجتماعية، لاسيما وان هنالك الكثير من الافراد يعتقدون اعتقادا قاطعا بما يطرح عبر المنابر الحسينية، ولهذا يكون للمنبر الدور الفعال والمساهم الحقيقي في نشر هذه الثقافة الإيجابية ونبذ الأشياء السيئة ومحاربتها.
وأخيرا يأتي الإعلام ليكمل الحلقة التأثيرية على الافراد نحو الإيجابية، اذ لا بد من ان يكون لوسائل الإعلام بمختلفها المقروءة والمسموعة والمرئية إضافة الى مواقع التواصل الاجتماعي الإسهام القوي والمتميزة في احداث التحولات الإيجابية والطفرات النوعية في سلوكيات الافراد ودفعهم نحو احترام القوانين والنظم الاجتماعية السائدة.