واقعة كربلاء من الوقائع التاريخية المهمة التي فرضت وجودها من بين الكثير من الأحداث التي وقعت على مر التأريخ، وان تقاربت مع غيرها من حيث التكوين الشكلي كالتضحية والولاء والتفاني والإخلاص للهدف، إلا أنها تتميز بخلودها الثابت والمتكرر مع المحاولات الكثيرة التي استهدف وجودها أو محوها من سجل الأولوية كدرس في العطاء الإنساني الشامل، وهذا لا يرجع الى شيء سوى ان هذه الواقعة جاءت نتيجة فكر شخصية عظيمة تفردّت بعبقريتها من حيث استثمارها الإمكانيات المحدودة في صناعة مشهد عميق وغني بكل أبعاد التنمية الشخصية للإنسان.
ومن ذلك نجد أن النظر الى هذه الواقعة من نافذة تطل بنا على طرائق الاقناع التي تقدم بها الإمام الحسين عليه السلام ضرورة لابد من تسليط الضوء عليها كشفا لقيمة هذه الواقعة وإعطائها حقها في كونها حادثة جاءت من اجل تثبيت الشخصية الإنسانية بعد محاولة مسخها.
⭐ مما قد يستوقفنا هو ما تقدم به الإمام الحسين، عليه السلام، في كربلاء من فعاليات مختلفة منها مخاطبته للقوم في إرجاعه الى نسبه بعد تعريفه لنفسه
فالدارس لقضية كربلاء والباحث في محيطها والمتعمق بتفاصيل أحداثها يجدها درسا بليغا ينم عن دقة اختيار الأدوات وحسن استخدامها من اجل الخروج بهذا المعنى العالي، وكل ما تقدم به الإمام الحسين، عليه السلام، في هذا التكوين الرائع جاء بأسلوب ونمط موحد من بداية الواقعة حتى نهايتها فلم نجده متسلطا ولا أشرا ولا بطرا ولا مفسدا بل نجده مصلحا طالبا للإصلاح.
ومما قد يستوقفنا هو ما تقدم به الإمام الحسين، عليه السلام، في كربلاء من فعاليات مختلفة منها مخاطبته للقوم في إرجاعه الى نسبه بعد تعريفه لنفسه، وهذا ما قد يوافق مضمون الفكر التربوي الذي ينص على ان من أولى مستويات المعرفة هو استعادة أو تحقيق مستوى التذكر عند المتلقي (المتعلم)، ثم نجده في فعالية أخرى يرتدي رداء رسول ويعتم بعمامته، وهذا مستوى متقدم من مستويات المعرفة كونه يمثل مثيرا حسيا لاستثارة التمييز أو الإدراك لديهم استعادة للفهم بأنه جاء من ذلك المحيط الإلهي الذي جاء به رسول الله، صلى الله عليه واله، ولم يكتفِ بذلك، بل نجده جاء بالمصحف الكريم لنشره على رأسه أمامهم، وهذا ما يقابل مستوى التطبيق للمعرفة، كون ما يفعله الإمام في المدينة وفق النصوص الإلهية أو في أي مكان آخر هو ما جاء من اجله أو لتطبيقه من اجل النهوض بالأمة وفق الدستور الإلهي، أما قدومه بأهل بيته وتقديم أصحابه وأهل بيته الواحد تلو الآخر للقتال ما هو إلا اثارة تساؤل قد يقابل مستوى التحليل والتركيب بمعنى آخر يجعلهم يتساءلون ما لذي يجعله يفعل ذلك؟ أو لماذا يفعل ذلك؟ فان كان يريد سلطة أو مغنم دنيوي لماذا يقدم كل ما يتعلق به بهذا الطريقة التي قد تنتهي بالقتل أو الفناء؟
⭐ الدارس لقضية كربلاء والباحث في محيطها والمتعمق بتفاصيل أحداثها يجدها درسا بليغا ينم عن دقة اختيار الأدوات وحسن استخدامها من اجل الخروج بالمعنى العالي
أما بالنسبة للتقويم وعملية أصدار الحكم ومن اجل تحقيقه فنجد قدم العزيز والنفيس؛ قدّم طفلا لا ذنب له من اجل إيصالهم الى مستوى الحكم عن بشاعة وظلم الطرف الأخر أو القوة الأخرى، بل لم يكتفِ بذلك، فقدّم نفسه شهيداً من اجل استنهاض حب الخير والحق لديهم، وبذلك جعل من كربلاء درسا عميقا لكل الأمم والشعوب، محققا به كل مستويات المعرفة المختلفة وهو ما تسعى اليه التربية والتعليم في مضمونهما الفكري الحديث.
فواقعة كربلاء ليس كل ما ذكرناه، بل احداثها كثيرة ومترابطة وكل عنصر من عناصر تكوينها وضع بدقة عالية جدا، بحيث يشكل غيابه خللا في أبراز معلم تعبيرها، ومما تجدر الإشارة اليه في هذا المقام هو صياغتها بهذا المجال الذي أعده المعلم القائد الحسين بن علي ابن أبي طالب، عليه السلام، مترجما كل الفعاليات بمستوى فعال جعل منها درسا بليغا ثابتا في التاريخ يتجدد مع تردده فكر كل جيل من الأجيال المتعاقبة.