يقول الله تعالى :
{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. (سورة التوبة الآية:40).
ينقل سماحة السيد هادي المدرسي هذه القصة، اذ يقول:
“كانا اثنين من الذين يقاومون النازية في ألمانيا -اي يعمل ضد حكومة هتلر- وهتلر لم يكن يتسامح مع معارضيه، كان أما ان يقتل المعارضين او يعتقلهم، المهم هذان الشخصان كانا من المقاومين للحكومة، منظمة الكشتابوا المعروفة.
اكتشفتهما الحكومة وأودعتهما في السجن احدهما كان يقضي كل وقته بنومه واكله ولا يكترث لانه في السجن، ويعيش حياةً طبيعية، ولكن الآخر كان قلق جدا ولم يكن يستطيع التمتع بنومه واكله.
وذات يوم سُئل الذي كان يعيش حياته بأريحية: لماذا انت دائما نائم ولا تهتم للأمر؟
⭐ عندما تكون ثقة الإنسان بما في الدنيا فمن الطبيعي تراه يقلق على ابسط الأمور
فأجابه وماذا عليَّ ان افعل؟
وأي عيب عندي؟
قال له: ألست قلقاً أو خائفاً؟!
فأجابه: اكون قلقاً على السجن؟! قد دخلناه وفيه مطعم بالمجان وفندق بالمجان وليس علينا تأدية اي مسؤولية!”.
- بين الحزن على الماضي والخوف من المستقبل
يعيش كثير من الناس حالة القلق.
فما الداعي للقلق الذي يجعلك إنسانا عاجزا عن تأدية اي عمل؟ وما هو منشأ القلق؟
القلق: هو من آفات النفس وهو مرض خطير يجعلك تعيش حالة الفشل والتقاعس عن العمل، وله جذور منها:
- الحزن على الماضي والخوف من المستقبل، يقول الامام أمير المؤمنين، عليه السلام في ابيات شعرية
ما فات مضى وما سيأتي أين
قم واغتنم الفرصة بين العدمين
وهذا حال كثير من الناس فأنه عند وقوعه في مشكلة تراه يحزن ويعيش في حالة قلق مستمر، وهذا لا يجدي نفعا، إذ ان الذي يمضي لا يعود فلمَ الحزن عليه؟
وكذلك بعضهم ممن يخاف من المستقبل وماذا سيجري له من أحداث لماذا هذا القلق أوانت تضمن عيشك ليوم لم يأتِ؟
فنحن لا ندري في اي لحظة يدركنا الموت فلمَ هذا القلق؟!
نعم من الجدير بأن الإنسان يخطط للمستقبل وان يستفيد من تجاب الماضي، ولكن في نفس الوقت المطلوب منا العمل في الوقت الحالي وان القلق الذي ينمو بين الماضي والمستقبل سببه التعلق الشديد بالدنيا، لذا لكي نتخلص من هذا القلق لابد ان نكون من الزاهدين في الدنيا.
ولذا فقلق التاجر على خسارته المالية، وقلق الطالب من الفشل في الامتحان، وقلق السياسي على منصبه من الزوال، علاجه الزهد في الدنيا.
لكن ما هو الزهد إذا كان سببا في علاج القلق؟
الإمام الصادق، عليه السلام، يبين ذلك بقوله: “ليس الزهد في الدنيا باضاعة المال، ولا بتحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عزوجل”. (معاني الاخبار /ص 251).
فعندما تكون ثقة الإنسان بما في الدنيا فمن الطبيعي تراه يقلق على ابسط الأمور، ولكن الزهد هو ان تكون ثقتك بالله وبما عند الله، وعندما تفقد شيئا ما لا تحزن عليه لأنك تعلم أن الله سيعوضك، يقول الله ــ تعالى ــ: {وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ}
سُئل الامام الصادق عليه السلام: جعلت فداك ما حد الزهد في الدنيا؟
2. الفراغ
فقال: فقد حده الله في كتابه فقال عز وجل: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}، إن أعلم الناس بالله أخوفهم بالله، وأخوفهم له أعلمهم به، وأعلمهم به أزهدهم فيها”. (تفسير القمي ص ٤٩٣).
كيف يورث الفراغُ القلقَ؟
يقول الله تعالى: {فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ *وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب}.
قال الإمام الصادق، عليه السلام: قال رسول الله: “الدنيا ساعة فاجعلها طاعة وباب ذلك كله ملازمة الخلوة بمداومة الفكر وسبب الخلوة القناعة وترك الفضول من المعاش، سبب الفكر الفراغ و عماد الفراغ الزهد و تمام الزهد التقوى و باب التقوى الخشية و دليل الخشية التعظيم لله تعالى”. (مصباح الشريعة).
⭐ قال الامام الصادق، عليه السلام: “إن الله عزو جل يبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ”
وقال، عليه السلام: “إن الله عزو جل يبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ”.
فلابد أن نعرف ان الفراغ آفة خطيرة تقتل كل من يصحبها، وأنه مصيدة الشيطان الذي يملأ قلب الإنسان بالوسوسة
يقول الامام السجاد عليه السلام في دعاء “اللهم صل على محمد وآله ، واشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر ،والسنتنا بشكرك عن كل شكر، وجوا وجوارحنا بطاعتك عن كل طاعة فإن قدرت لنا فراغا فجعله فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة ، ولا تلحقنا فيه سأمة”.
والفراع ناتج عن عدم تنظيم الوقت والاستفادة منه استفادة تامة، ومن نواتج هذا الفراغ الكسل، يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “إياك وخصلتين الضجر والكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقا”. (ميزان الحكمة /ج3/ص2705).
إن تراكم الأعمال والتي يجب إنجازها والكسل عن العمل يؤدي بالإنسان إلى العيش في دائرة القلق، وقد يظن بعض الناس عندما تجلس في البيت وانت مرتاح وليس لك عمل أو مسؤولية أنه السبيل إلى السعادة في هذا الدنيا وهذا اكبر خطأ.
نعم في البداية تشعر انك مرتاح وليس لك مسؤولية، لكن عندما يصيبك الملل فإنك تشعر بالضجر والقلق، لأن الله فطر الإنسان على الكدح، يقول الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ}.
وهكذا فإن من جذور القلق ينتج من الفراغ وعدم تأدية الأعمال فتراكمها يؤدي ال مرض خطير، والعلاج ان نملأ أوقاتنا بالأعمال ويكون لدينا تنظيم لوقتنا حتى لا نضيّع لحظة واحدة لأننا نُسأل يوم القيامة عن اللحظة الواحدة، يقول الامام علي عليه السلام: “واعلم أن الدنيا دار بلية لم يفرغ صاحبها فيها قط ساعة إلا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة”. (نهج البلاغة).
خلاصة الكلام؛ إن القلق هو مرض خطير يمنع الإنسان من التقدم والتطور، وللقضاء عليه علينا باقتلاع جذوره، فالحزن على الماضي والخوف من المستقبل يعالج بالزهد في الدنيا ، والفراغ يعالج بالانشغال بالعمل الصالح وذكر الله.