تتباين الآراء حول أهمية وأسبقية الجانبين النظري والعملي في بناء شخصية الإنسان، بعضهم يرى الحل في الجانب النظري، وآخرون يفضّلون الجانب العملي، ولكن هناك من يرى أهمية الجانبين (النظري والعملي) لتطوير شخصية الإنسان، بدءا من الطفولة صعودا إلى المراحل الأخرى.
توجد أسس نظرية معروفة وضعها علماء من ذوي التخصص والاهتمام من شأنها أن تبني شخصية جيدة للإنسان، وهناك وجهات نظر متعددة في هذا المجال، لكن مع كل الاختلافات في الرؤية إلا أن النتيجة التي يصل إليها العلماء المختلفون تكاد تكون واحدة، بحيث يُجمع علماء الاجتماع وحتى علماء النفس على أن للدور العملي في حياة الإنسان أهمية قصوى في مجال بناء الشخصية الجيدة.
⭐ ننصح جميع الآباء بأن لا يتركوا أبناءهم للصدفة، ولا يسمحوا أن تأخذهم الشوارع واللهو، أو مقاهي الإنترنيت والناركيله وأجهزة الموبايل والألعاب الإلكترونية العنيفة التي تستهلك أوقات الشباب وتدمر شخصياتهم
نعم، هناك أهمية كبيرة للقضايا النظرية العلمية والدراسات والبحوث المكتوبة، سواء في علم الاجتماع أو علم النفس أو العلوم الإنسانية الأخرى، وهذه النظريات أسهمت بشكل كبير في بناء الشخصية النموذجية، ولكن يبقى الجانب النظري وحده ناقصا أو عاجزا عن بلوغ الهدف المهم وهو بناء الشخصية الناجحة، فالنظرية لا يمكنها التحليق في هذا العالم بجناح واحد ونعني به جناح العلم، وإنما تحتاج إلى جناح ثانٍ هو جناح العمل أو الجانب العملي.
وهناك أمثلة كثيرة على أهمية الجانب العملي في بناء شخصية الإنسان، ونعني هنا بشخصية الإنسان تلك المزايا الحركية والفعلية التي تميزه عن غيره، ولهذا السبب يُنصَح بأهمية أن يبدأ الإنسان طفلا بالدخول في عالم العمل بما يتناسب مع مرحلته العمرية، حيث يسعى الأب إلى تشغيل ابنه في مهنة معينة حتى يتعلّمها ويتقنها مع مرور الوقت.
في المنطقة السكنية التي نعيش فيها، كان هناك رجل ينهض مع صلاة الفجر، ويعمل على إيقاظ ابنه المراهق، كان عمره آنذاك 13، وكان الابن يتكاسل ويتهرب من النهوض، فيضطر الأب إلى استخدام القوة مع ابنه، وكنّا نحن أهل المنطقة نسمع توسلات الابن كي يدعه ابوه وشأنه، لكن الأب كان يرفض طلب ابنه ويجبره على النهوض من الفراش، حتى أمه حين كانت تتدخل وترجو من الأب أن يترك الابن يُكمل نومه، كان الأب لا يقبل طلبها.
ومع مرور الأيام والشهور، اعتاد هذا الابن على النهوض المبكر من دون صراخ ولا توسلات، كما أنه يوم بعد آخر بدأ يتقن مهنة (مصلّح كهربائي سيارات)، فيما كان عدد من أقرانه في المنطقة ينامون حتى وقت متأخر من النهار، بعضهم كان يستيقظ في الضحى جسده متعب متكاسل ومزاجه كئيب، وهو بهذه الحالة فقد بناء شخصيته بصورة جيدة، كما أنه فقد إتقان مهنة معينة.
في حين تفوق عليهم ذلك المراهق الذي استطاع خلال سنوات قليلة أن يتقن مهنة (كهربائي سيارات) وفتح محلّا خاصا به بعد أن تأكّد من أنه قادر على إدارة المحل، وبالفعل تطور المحل وصار له اسمه وزبائنه، وبدأ يدر الأموال بصورة جيدة، مما ساعد ذلك الطفل المراهق الذي أصبح شابا، أن يحسّن أوضاعه الاجتماعية والمادية، وأن يخصص وقتا من النهار لإكمال دراسته التي توقّف عنها بسبب العمل المبكّر.
⭐ يبقى الجانب النظري وحده ناقصا أو عاجزا عن بلوغ الهدف المهم وهو بناء الشخصية الناجحة، فالنظرية لا يمكنها التحليق في هذا العالم بجناح واحد ونعني به جناح العلم، وإنما تحتاج إلى جناح ثانٍ هو جناح العمل أو الجانب العملي
وقد انعكس هذا التطور العملي على شخصيته، وبات أكثر توازنا في علاقاته مع الناس، كما أنه صار أكثر ثقة في نفسه، ومع مرور الشهور والسنوات، حقق نتائج جيدة في الجانب العملي والجانب النظري (الدراسي التعليمي) أيضا، وأجمع كل الذين يعرفونه بأنه استطاع أن يجمع بين الجانبين العملي والنظري، وتمكن من أن يبني شخصيته بصورة جيدة.
كل هذا في الحقيقة يعود إلى الأب الذي كان حريصا على عدم ترك ابنه للنوم وللشوارع وللكسل، ولهذا ننصح جميع الآباء بأن لا يتركوا أبناءهم للصدفة، ولا يسمحوا أن تأخذهم الشوارع واللهو، أو مقاهي الإنترنيت والناركيله وأجهزة الموبايل والألعاب الإلكترونية العنيفة التي تستهلك أوقات الشباب وتدمر شخصياتهم.
لقد ضغط الأب على ابنه، وأجبره على ترك فراش النوم مبكرا وقسا عليه، وفي بعض الأحيان كان يستخدم معه القوة ويجبره على النهوض، فيما كان آخرون يغطون في النوم ويغرقون في الكسل، ولكن بالنتيجة من هو صاحب الشخصية الأفضل من بين هؤلاء؟ بالطبع هو ذلك الشخص الذي وجد من يساعده على بناء شخصيته بصورة صحيحة، وكان للجانب العملي دوره المهم في تطوير شخصية شابة متميزة.