لم تنطبق صفات الكمال، والصدق والأمانة، والوفاء على أحد كما انطبقت على فتى عبد المطلب، وسيد بني هاشم، ويتيم عبد الله بن عبد المطلب، وهو بعد لم يتجاوز العشرين من عمره، ولقد لفتت أخلاقه الكريمة، وانسانيته العالية، جميع المكيين رغم صغر سنه، و رجعت اليه العرب في كثير من مشاكلها المستعصية، وأصبح مركزا لحل خصوماتهم، فقد عرفوا فيه كل دلائل الزعامة، وتوسموا في صفاته الحميدة مستقبلا لا يضاهيه شيء.
كان، صلى الله عليه وآله وسلم، فتى عبد المطلب في خضم الصراعات الجاهلية، و محورا لامعا له وجوده الشخصي والمعنوي، انه الصادق الأمين في القول والعمل، ذكره الله -عزّ وجل- بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
- مظاهر القوة والعزة للامة الاسلامية
ما من أمة انتصرت وعزت إلا عندما عضّت على جراحها وقامت وصمدت وقاومت كل عوامل الضعف والذل، وهو ما قاله الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، في أكثرمن مناسبة: “نُصرت بالرعب مسيرة شهر”، بمعنى أن القوة هي التي تحصن الأمة الأسلامية وتجعل لها هيبة في عيون وقلوب أعدائها، فيرهبونها ويخشون منها، كان الله -سبحانه وتعالى- يلقي الرعب في قلوب أعداى رسول الله ص واله وسلم بمجرد سماعه اسمه الشريف، او ذكره عندهم.
⭐ ما من أمة انتصرت وعزت إلا عندما عضّت على جراحها وقامت وصمدت وقاومت كل عوامل الضعف والذل، وهو ما قاله الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، في أكثرمن مناسبة: “نُصرت بالرعب مسيرة شهر”
لقد غرس الله -سبحانه وتعالى- في رسوله، العزة والهيبة، فكانت الملوك إذا سمعوا اسمه الشريف خافوا و ارتعبوا، وهذا هو عنوان القوة والعزة للدولة الاسلامية التي أرادها الله ورسوله، ومنه كان خطابه سبحانه وتعالى لهم بقوله: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}.
- القرآن الكريم أعظم ظاهرة نورت التاريخ البشري
القرآن الكريم هو دستور الإسلام الدائم، و معجزة الرسول الأكرم، الخالدة، بما حواه من آيات وسور تصنع الإنسان وتهديه لصناعة الحضارة الإنسانية في هذه الحياة، فكان القرآن الكريم الذي أعطى الفكرة الحضارية وسن القوانين والشرايع الحاكمة للأمة الاسلامية، فكان دستور الإسلام الدائم ومعجزة الرسول الخالدة.
و يمكن القول: “أن محمدا هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي”، يقول مايكل هارت من علماء الغرب: “اكثر هؤلاء الذين اخترتهم من المائة الأوائل الذي وضع رسول الله في رأس القائمة، قد ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسياً وفكرياً، إلا محمداً فهو قد ولد في مدينة مكة المكرمة جنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم، بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن، وليس ذلك فقط، بل كان يتيم الابوين، فقير اليدين، أمي لا يعرف القراءة والكتابة، كما يقال، رغم ذلك فأنه نجح في صناعة أمة عريقة جمعها من الصفر وبنى حضارة من جاهلية، وقارع كل الحضارات في عصره وانتصر عليها، وأثبت للعالم صدقه وجدارته وعظمته على كل المستويات”.
- جهود الرسول الأكرم ومسؤولية حمل الأمانة
كان لجهوده، صلى الله عليه وآله وسلم، الأثر الكبير في نشر الإسلام، حينما بلغ الاربعين من عمره اتاه جبرائيل، عليه السلام، وأبلغه بأنه نبي هذه البشرية والمبعوث إليها.
وتفيد الروايات أن أول آيات القرآن الكريم التي تلاها جبرائيل على نبينا الأكرم، هي: {إقرأ باسم ربك الذي خلق}، وبعد تلقي ذلك البيان الإلهي، عاد الي أهله وهو يحمل كلمة الوحي، ومسؤولية حمل الأمانة التي ينتظر شرف التكليف بها، فعاد واضطعج في فراشه وتدثر، ليمنح نفسه قسطا من الراحة والاسترخاء، ويفكر ويتأمل فيما كُلّف به بداية الدعوة، فانطلق، صلى الله عليه واله وسلم، مستجيبا لأمر الله تعالى، مبشراً بدعوته، وكان اول من دعاه إلى سبيل الله وفاتحه، زوجته؛ خديجة بنت خويلد، و ابن عمه؛ أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، عليهما السلام، وكان في العاشرة من عمره، فأمنا به وصدقاه، ثم أمن به مملوكه؛ زيد بن حارثة فكانت النواة الأولى لبدء الدعوة الإلهية الكبرى، وكان الرسول الأكرم يختار أصحابه فرداً فرداً، ولم يوجه دعوته إلى الجميع في تلك المرحلة، والتي استمرت ثلاث سنين إلى ان جاء الأمر الإلهي؛ {و انذر عشيرتك الاقربين}.
لم تتعرض قريش للرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، في بادئ الأمر، ولكن حين شهّر بآلهتهم، ودعا إلى الله الواحد الأحد، بدأت قريش تتعرض لشخص النبي، بالاستهزاء والسخرية وأنواع الأذى، إذ انهم قد عرفوا جدية القضية، و ادركوا أبعادها الخطيرة، فبادروا إلى تلك الأساليب بهدف الحطّ منه، صلى الله عليه واله وسلم، أمام الرأي العام، وبعد أن عجزت قريش وعلمت ان الرسول لايعبأ بهم، ومستمر في دعوته إلى الله -عز وجل- فاتخذوا طريقاً آخر وهو المفاوضات.
- الابعاد الشخصية للرسول الأعظم في المجتمع
أوضح لنا أئمة اهل البيت، عليهم السلام، أبعاد شخصية الرسول في المجتمع، فهو، صلى الله عليه واله وسلم، من جمع كل الصفات الخلقية، من زهد، وصدق، وأمانة، وشجاعة، وكرم، اعترف به العدو قبل الصديق، وكان ذلك احد البواعث المهمة على جاذبية النبي، ونفوذه وقاعدته الشعبية بين اتباعه.
لقد ترتب على إخراج الرسول الأكرم، من مكة المكرمة من قبل مشركي قريش، أثراً إيجابيا في حركة سير الدعوة الاسلامية، انصبّ في خدمة الدين الإسلامي الفتي، فقد أنشأ الرسول الأكرم، بعد وصوله إلى مدينة يثرب التي سُميت فيما بعد بالمدينة، و التي وضع اسسها بعد وصوله فورا، حيث وضع دستورها الجديد، وحدد علاقاتها في الداخل، ومع الخارج، و استطاع أن يتحرك دون قيود وبشكل افضل مما كان عليه في مكة، فأصبحت المدينة قاعدة لانطلاق الدين الإسلامي إلى انحاء متفرقة من العالم.
و يذكر ابن كُثير إن الرسول، و بعد إخراجه من مكة كان قد حصل على الأنصار والاتباع الذين أصبحوا فيما بعد جُندا يقاتلون في سبيل الإسلام، والذين أخذوا يزدادون يوما بعد يوم، (تفسير ابن كثير، ج٢، ص٥٤٤)
- الروايات حول استشهاد الرسول الأعظم
قال أبو الحسن، علي بن موسى الرضا، عليه السلام، لما قبض رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، جاء الخضر، عليه السلام، فوقف على باب البيت وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين، عليهم السلام، و رسول الله قد سُجي بثوبه فقال: “السلام عليكم يا أهل بيت محمد، كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون اجوركم يوم القيامة، ان في الله خلفاً من كل هالك وعزاء من كل مصيبة، و دركا من كل فائت فتوكلوا عليه، وثقوا به واستغفر الله لي ولكم، فقال أمير المؤمنين، عليه السلام، أخي الخضر، عليه السلام، جاء يعزيكم بنبيكم، صلى الله عليه واله وسلم.
⭐ أوضح لنا أئمة اهل البيت، عليهم السلام، أبعاد شخصية الرسول في المجتمع، فهو، صلى الله عليه واله وسلم، من جمع كل الصفات الخلقية، من زهد، وصدق، وأمانة، وشجاعة، وكرم، اعترف به العدو قبل الصديق
ويقول أمير المؤمنين، عليه السلام، في ذلك: فنزل بي من وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ما لم أكن اظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به، فرأيت أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولايضبط نفسه، وحملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت والأشغال بما أمرني به من تجهيزه وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه و وضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه، وعلى رواية؛ أخذت السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، كفاً من تراب القبر الطاهر وقالت:
ماذا على من شم تربة احمد
أن لايشم مدى الزمان غواليا
صبت على مصائب لو انها
صبت على الايام صرن لياليا
كان رسول الله، النمير العذب والسلسل الرقراق للعلوم الإسلامية والمعرفة القرآنية، فاحاط به الصحابة الاجلاء يقتبسون منه سنا العلم ويستضيون بهداه، وكان، صلى الله عليه واله وسلم، يوضح لهم ما أشكل عليهم فهمه، و يوجههم نحو المقاصد القرآنية، كما في قوله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}، سورة آل عمران، الآية ١٦٤.
اصبنا بك ياحبيب قلوبنا، فما أعظم المصيبة بك، والصلاة والسلام عليك يارسول الله، وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين.