معاوية الثاني، هو ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وقد كُني بكنى عديدة أشهرها؛ ابو عبد الرحمن، و ابو ليلى، وقد علّق “المسعودي” في تاريخه على سبب تكنيته بأبي ليلى بقوله: “تكنّى بها معاوية بعد توليه الخلافة، وكانت هذه الكنية للمستضعف من العرب، وعلى نقيضه لقب بالراجح إلى الحق”. (مروج الذهب ج٣ ص ٦٥).
ويظهر ان هذا اللقب اُطلق عليه من قبل أعداء الامويين، وسببه هو تبرأه من فعل جده معاوية وأبيه يزيد، و ميله الى اهل البيت، عليهم السلام، ولاسيما بعد مقتل الامام الحسين، عليه السلام، كما اجمعت المصادر على حسن سيرة معاوية الثاني، وطيب أخلاقه وتدينه، فقد عده ابن حبان من الثقات، وقال انه كان من خير اهل بيته، وقال عنه الذهبي: “كان شاباً ديّناً خيراً من ابيه يزيد”. (الثقات ج٢ ٣ب١٤). (سير أعلام النبلاء ج٤ ص١٣٩).
وقال عنه التُستري: انه مصداق يخرج الحيّ من الميت، وهو في بني أمية كمؤمن آل فرعون.
ولعل الدافع الحقيقي وراء عزوف معاوية بن يزيد عن الخلافة، وهو في ريعان شبابه، عمق إيمانه بالله ـ سبحانه وتعالى ـ ومعرفته بحق اهل البيت ومكانتهم التي اختار الله لهم، وما تركته الثورة الحسينية من أثر في هذا الشاب، فقد كان ذو شخصية قوية، تحدى ووقف ببسالة دون خوف او وجل، بوجه الطغاة، وقوتهم ودفع نفسه ثمنا لذلك وهو شاب فحقق الجهاد الأكبر.
- ضغوطات من كل اتجاه
تعرّض معاوية الثاني إلى ضغوطات كبيرة من قبل أفراد أسرته وقبيلته وصلت إلى حد التهديد بالقتل علنا، ومن أقرب الناس إليه؛ أمه! وفي رواية قالت له: وددت أنك كنت نسياً منسيا ولم تضعف هذا الضعف، فاجابها: وددت إني كنت نسيّاً منسيّا، ولم اسمع بذكر جهنم. و في رواية أخرى أن أمه قالت له: ليتك كنت حيضا!
⭐ لعل الدافع الحقيقي وراء عزوف معاوية بن يزيد عن الخلافة، وهو في ريعان شبابه، عمق إيمانه بالله ـ سبحانه وتعالى ـ ومعرفته بحق اهل البيت ومكانتهم التي اختار الله لهم، وما تركته الثورة الحسينية من أثر في هذا الشاب
هذه المواقف دلّت على كراهية أمه له لمواقفه غير المؤيدة للمسيرة العوجاء لأهله التي بينها من خلال خطبته حيث اتخذ معاوية الثاني موقفا واضحاً تجاه اهل البيت، عليهم السلام، وهو موقف تميّز به واختلف عن بقية أبناء البيت الأموي الذين عرفوا بكراهيتهم الشديدة وببغضهم للعلويين بشكل عام وأهل البيت، عليهم السلام، بشكل خاص.
ومما جاء في خطبته بعد أن حمد الله واثنى عليه، قال: “أيها الناس إنا بُلينا بكم وبليتم بنا، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا إلا ان جدي معاوية بن ابي سفيان نازع الأمر من كان أولى منه في القرابة برسول الله، صلى الله عليه وآله، و أحق في الإسلام، سابق المسلمين، و اول المؤمنين، و ابن عم رسول رب العالمين، و أبا بقية خاتم المرسلين، فركب منكم ما تعلمون، و ركبتم منه ما لا تنكرون، حتى اتته منيته وصار رهنا بعمل. ثم تلاه أبي، وكان غير خليق للخير، فركب هواه واستحسن خطاه وعظم رجاءه فاخلفه الأمل وقصر عنه الأجل فقلّت منعته وانقطعت مدته وصار في حفرته رهنا بذنبه و أسيراً بجرمه ثم بكى وقال: إن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه وقد قتل عترة الرسول، و اباح الحرمة وحرق الكعبة وما أنا المتقلد أموركم ولا المتحمل تبعاتكم فشأنكم أمركم، فوالله لئن كانت الدنيا مغنماً لقد نلنا منها حظا وان تكن شراً فحسب آل سفيان ما اصابوا منها”. (اليعقوبي تاريخ اليعقوبي ج٢ ص١٧٧).
- ما نستنتجه من هذه الخطبة
بيّن معاوية الثاني ان السلطة الأموية كانت قائمة على شراء الضمائر وكسب الألسن والأقلام لصالحها، وقد انساق بذلك عُنقٌ من الناس إلى بلاط معاوية و ابنه يزيد، و من جهة أخرى؛ قساوتهم على المعارضين الاحرار، بقتلهم او حبسهم في الزنزانات الرهيبة، فضلا عن تشريدهم و ابعادهم، فمن التفَّ حول السلطة كان يعلم انه يركن إلى الظالمين ويعينهم على جرائمهم، وهذه حالة النفاق التي تسربت إلى الامة.
أقرَّ معاوية الثاني بأن الإمام علي ابن ابي طالب، عليه السلام، هو أحق الناس بالخلافة من بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهو أسبق المسلمين و أولهم بالإيمان وان الخلاف معه يعني مخالفة الشرع والاسلام، وهذا ما ذكره “ابن تغري بردي” في ذكره خطبة معاوية حيث قال: “إن جدي معاوية نازع الأمر اهله ومن هو أحق قرابته من رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهو على بن أبى طالب.
صرح معاوية الثاني وبكل صراحة ان البيت الأموي، وفي طليعتهم ابو سفيان ومعاوية ويزيد قد ارتكبوا أخطاءً كبيرة بحق المسلمين كافة لاسيما العلويين منهم وتجاوزوا على حرمات المسلمين ومقدساتهم، وقتل الإمام الحسين، عليه السلام، ابن بنت رسول الله، صلى الله عليه وآله، وحرق الكعبة كما صرح هو بذلك حين قال: إن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه، وقد قتل عترة الرسول، و أباح الحرم وحرق الكعبة.
⭐ أقرَّ معاوية الثاني بأن الإمام علي ابن ابي طالب، عليه السلام، هو أحق الناس بالخلافة من بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله، وهو أسبق المسلمين و أولهم بالإيمان وان الخلاف معه يعني مخالفة الشرع والاسلام
كان يمتلك ثقافة واسعة يدل على ذلك خطبته وبلاغة محتواها، كونه كان متابعاً ومطلعاً على تاريخ العرب والاسلام اطلاعا واسعا، ادرك من خلاله مكانة أهل البيت، عليهم السلام، من العقيدة الإسلامية وبخصائصهم وبكونهم يشكلون الامتداد الأصيل لثقافة الرسالة المحمدية.
خطبته تُعد اعلاناً صريحا للتشيع، والمُقر بثورة الإمام الحسين، عليه السلام، وهنا يوجه القدر الحكيم اذكى ضرباته فيقف ابن يزيد نفسه ليحمل شعلة الإمام الحسين، عليه السلام، ويُزيد الجذوةَ ضرامة حين يجمع الناس ليوم مشهود، ثم يعلن فيهم ان جده و أباه اغتصبا الحق من اهله، وإنه يبرأ إلى الله مما جنته ايديهما، و أنه يبرأ بنفسه وبتقواه عن ان يجلس بالعرش الملوث بالجريمة. أخيرا؛ اقول خلع معاوية الثاني نفسه عن الخلافة لأنها ولاية الله في الأرض، تتطلب القيام بمسؤوليات رسالية عظمى، و ان الخلافة لها اهل حاضرون قد نحاهم سلاطين الجور، و دفعوهم عن مقامهم، بعدها عرض براءته مما ارتكبه جده معاوية، و أبوه يزيد من الجرائم المهولة بحق الدين وأئمة المسلمين وشعائر المؤمنين.