رفضت السيدة زينب، سلام الله عليها، دخول النساء عليها في الكوفة “إلا مسبية أو أم ولد فانهنّ سُبين كما سُبينا”.
نتعلم من السيدة العقيلة درساً بليغاً في طريقة المواساة، فمن تبحث عن فرصة للظهور بما تمتلك من ملابس ومجوهرات، او تبادل الاحاديث عن هذا أو ذاك، كل هذا لا يفيد المرأة الملكومة والمصابة بعزيز لها، وهذا ما تعرفه السيد زينب سلفاً من بني جنسها فأمرت بمنع دخول النسوة للتطفّل والفضول إلا أن تكون مسبية مثلهم، او أم ولد، وهذه قد جربت ايضاً حالة السبي قبل ان تتزوج من رجل حُر وتلد له، وتصبح “أم ولد”، وبالمحصلة؛ فإن عقيلة بني هاشم تبحث عمن تفهم طعم المرارة التي تذوقتها مع طائفة من نساء أسرتها و زوجات وبنات ممن استشهد بين يدي الامام الحسين في واقعة الطف.
⭐ أمرين متلازمين نجدههما ضروريين في مجالس النساء لاستذكار مصاب الامام الحسين والعقيلة زينب، وأهل البيت، عليهم السلام: حفظ الظاهر بالاحتشام، وإظهار الاكتئاب، والعفّة بالقول والفعل
هذا ما كان قبل حوالي ألف واربعمائة سنة، فماذا عن اليوم، حيث لا سبي، ولا ضرب للنساء، وإهانتهنّ، بل التحول الى عالم آخر يتسابق فيه الناس –معظمهم- على إرضاء المرأة وعدم المساس بمشاعرها والتورط بمشاكلها، فكيف، والحال هكذا، يمكن ان تستحضر نساء اليوم حالة العقيلة زينب والنساء المسبيات معها خلال مجالس العزاء النسائية التي تقام في البيوت والحسينيات؟
أمرين متلازمين نجدههما ضروريين في مجالس النساء لاستذكار مصاب الامام الحسين والعقيلة زينب، وأهل البيت، عليهم السلام: حفظ الظاهر بالاحتشام، وإظهار الاكتئاب، والعفّة بالقول والفعل، وايضاً؛ بسلامة الباطن والنية في النفوس، وإن كانت هذه مسألة شخصية تخصّ كوامن الانسان نفسه، بيد أنها تترك أثرها –من حيث تريد أو لا تريد- على السلوك وطريقة التعامل مع الناس.
ولا أجدني بحاجة الى النصح والإرشاد بقدر الإشارة الى تاريخ المجالس النسائية منذ مئات السنين، وما تركته من آثار تكوينية، ودور تربوي وإصلاحي في المجتمع والامة، والفضل بجزء كبير في بقاء جذوة المصاب، وذكر الامام الحسين في أذهان الاجيال من خلال حضور الفتيات والاطفال مع امهاتهم في هذه المجالس، واصبحوا فيما بعد رجالاً ونساء يتولون اليوم إقامة هذه المجالس بشكل أوسع وأكبر، وهذا لم يكن لولا الروح الزنيبية في تلك المجالس، والاجواء العاشورائية الكئيبة التي تخلق شعوراً لدى المعزيات من كل الاعمار بأنهنّ جالسات بين يدي العقيلة زينب يواسنها بمصابها، بل و يواسين أمها الصديقة الزهراء، وهنا تكون القضية أشدّ وأكثر حاجة للاتزان والالتزام حتى لا تقع الواحدة من الحاضرات في محظور ينقلب عليها الثواب المرجو الى عقاب.
الحديث يطول في مطالب الناس من الاخوات الملايات، أهمها؛ الدور التربوي الذي يتعرض لتشوّهات وانحرافات خطيرة عن مساره الصحيح، فالتربية اليوم عند البعض لتنمية مهارات المُلاسنة، والشطارة، والتطاول، والأنانية، وليس لاحترام الوالدين، و تنمية صفات أخلاقية مثل؛ الايثار، والصدق، والتعاون، بل والمساعدة على حل المشاكل الزوجية والأسرية.
⭐ الخطيبة الماهرة المتمكنة من جانب التاريخ واللغة والفقه والاخلاق، تتمكن من بعث الروح في سرد المصائب فتتجسد مشاهد الدماء والأشلاء وحرق الخيام، ومختلف تفاصيل ما جرى على أهل البيت، ثم تخترق القلوب والنفوس فتهيج المشاعر
إنما ركزنا في هذا الحيّز المحدود حول جوهر اختصاص عمل الملاية، وهي قرين لعمل خطيب المنبر الحسيني، وايضاً؛ الرادود، فهي تجمع أعداد كبيرة من النساء والفتيات في البيوت او الحسينيات ممن يأتين الى هذا المجلس لسماع شيء من واقعة عاشوراء، وما جرى على الامام الحسين وأهل بيته، وإن كان مكرراً لآلاف المرات.
بيد أن الخطيبة الماهرة المتمكنة من جانب التاريخ واللغة والفقه والاخلاق، تتمكن من بعث الروح في سرد المصائب فتتجسد مشاهد الدماء والأشلاء وحرق الخيام، ومختلف تفاصيل ما جرى على أهل البيت، ثم تخترق القلوب والنفوس فتهيج المشاعر، وتثير الاسئلة عن الاسباب والخلفيات ولماذا حصل ما حصل؟ بحيث يدخلن بمشاعر وهموم ذاتية، ويخرجن بمشاعر ومعلومات وافكار غزيرة ومفيدة لحياتهن.