يعتبر الله سبحانه وتعالى هذا الخلق( الذكر والانثى) ذلك آية من آياته، أي ان الله ـ تعالى ـ لا يعبر عن شيء من خلقه بالآية إلا إذا كان هذا الشيء عظيما، صحيح ان كل عمل الله بديع وعظيم، إلا أن هناك خصوصا في بعض خلق الله ـ تعالى ـ يجعل منه آية، ومعنى الآية؛ أن الله في هذا الخلق قد تجلت اسماؤه الحسنى جميعا، أي ان هذا الخلق يختلف عن بقية الخلق الآخر.
هنالك خلق للسماوات والارض والحيوانات، لكن هذا الخلق ( الذكر والاثنى) تكون آية من آياته، يقول عز من قائل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وفعلا اذا نظر الانسان الى هذه الأسرة يجد شيئا عجيبا وغريبا، فالذكر والانثى تجد بينهما التجذاب والانسجام على الرغم من الاختلاف البيلوجي والعقلي والعاطفي وغيره، الله يعتبرهما نفسا واحدة ومختلفان أيضا، فالرجل والمرأة حين يرتبطان على حلال الله وشرعه تنمو بينهما عواطف، واواصر للتفاهم، وينجبون الذرية الصالحة وتنشأ ـ على إثر ذلك ـ الأبوّة، ثم تنشأ علاقات أخوّة، ثم احفاد وعشريته الى ان تتكون البيئة الانسانية الاولى للبشرية، وهذه آية من آيات الله ـ تعالى ـ.
وهذا الكيان المكون من ذكر وأنثى وزواج بينهما، وذرية صالحة يعد كل ذلك عند الله من أقدس البيوت، ذلك أن الله يعبّر عن هذه العلاقة بالميثاق الغليظ، والله ـ تعالى ـ في آيات القرآن الكريم لم يعبر عن بالميثاق الغليظ إلا عن الايمان والكفر، والمورد الآخر والوحيد هو عندما يكون بين الذكر والانثى، والميثاق الغليظ يعني ان هذه الرابط ليست بحبل العنكبوت، ولا هي بالحبل العادي، إنما هو حبل فولاذي قوي جدا، فلا ينقطع بسهولة. يقول ـ تعالى : {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}.
والبيت الزوجي كذلك يعده الله ـ تعالى ـ أحب بناء في الاسلام، يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: ما بني بناء في الاسلام احب الى الله تعالى من التزويج”. فالبيت الذي يبنى من ذكر وانثى؛ افضل من المسجد والحسينية وافضل من أي بيت آخر موجود.
⭐ البيت الزوجي كذلك يعده الله ـ تعالى ـ أحب بناء في الاسلام، يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: ما بني بناء في الاسلام احب الى الله تعالى من التزويج
يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: ما استفاد امرء بعد الاسلام افضل من زوجة مسلم تسرّه إذا نظر اليها وتطيعه اذا امرها وتحفظه اذا غاب عنها في نفسه وماله”، و العلاقة الزوجة لا يتعبرها الله حالة دنيوية تنتهي في عالم الدنيا، بل هي علاقة تمتد مع الإنسان الى عالم الآخرة، فالله ـ تعالى ـ جعل الطرفين احدهما يشفع للآخر، يقول الامام الباقر، عليه السلام: “لا شفيع للمرأة انجح عند ربها من رضا زوجها.
وحين نتحدث عن الاسرة يكون عن المكان الذي تنمو فيه كل نبتات المجتمع؛ فالانسان أكثر من 80% هو نتيجة الاسرة؛ الام حينما حملت، وحين اكلت، وشربت، وبماذا اهتمت خلال حملها، كذلك الانسان نتيجة الطفولة المبكرة؛ وكيفية تعامل الوالدين، من تربية واهتمام وما اشبه.
- المحور الثاني: الحروب المستعرة على الاسرة:
كيان الاسرة العظيم يعيش في هذا الزمان حروبا مستعرة، والانسان الغافل هو الذي يسمع طبول الحرب تُدق من حوله ولا يتحرك، وأسوأ منه من يرى أن رايات الحرب قد رُفعت وتراه يعيش مطمئنا، وأكثر غفلة من ذلك من وصل العدو الى داره وهو يظن أنه في مأمن ويستخف بالطرف الآخر، وإن لم نتكلم بشكل صريح والخط الاحمر سنكون غافلين عن هذه الحرب.
والحرب على الاسرة تتضمن استراتيجيتن:
- الاستراتيجية الاولى: الحرب الثقافة لاعادة تعريف الاسرة
هناك حرب اليوم بصورة ناعمة جداً، قد لا يشعر الكثير بها، لانها لا تحتوي على آلآت عسكرية؛ سيف، او مدرّعة..، هذه الاستراتيجية تستهدف عقولنا و نظرتنا تجاه الاسرة، وتحاول تعريف الاسرة ومكوناتها بطريقة مختلفة، وهذه الاستراتيجية تدخل عن طريق المسلسلات، والافلام، والشعارات، وهي متغلغة في علوم النفس، والاجتماع، والقانون، ومشاريع التنمية، والنماذج المطروحة في هذه الحقول تحاول إعادة تعريف الاسرة، بحيث تريد الوصول الى ثلاثة أغراض:
الاول: إعادة تعريف الاسرة لفتح مساحة للأسر الشاذة، وهذا قانون سُن في الدول الغربية، ويحاولون نقله الى عالمنا الاسلامي، فتعريف الاب والأم والأخت عندهم يختلف تماما ويحاولون نقله الى أسرنا الاسلامية.
الثاني: هناك سعي حثيث لاعادة مفهوم البنوّة؛ ففي الاسلام هي مبنية على الفطرة البيلوجية، لكن هناك اتجاه يحاول ان يعرّف البنوّة على أنها التبني، ويريد أن يُقرّ لذلك قانونا، ويطلب منا ان نقتنع بذلك!
الثالث: هنالك محاولو لإعادة تعريف السعادة والتنمية، بحيث لا تكون الأسرة من مفهوم السعادة، فالسعادة ـ في نظرهم ـ مجدا شخصيا يصنعه الفرد بعيدا عن الاسرة، فالدراسة والعمل أولوية، فأن تتهدم الاسرة وتتفرق ليس مهماً عند الانظمة التي تشرع قوانين الابتعاث والسياسيات الطبية، وفي هذا يحاولون ان يكون الازدهار الشخصي مقدما على فكرة الاسرة (العُلقة).
- الاستراتيجية الثانية وفيها ثلاث نقاط:
- نشر ثقافة الطلاق في المجتمع: هنالك سعي ممنهج لمحاولة التطبيع على ان الطلاق أمر عادي، بينما نجد أن الله ـ تعالى ـ يعد هذا الامر من ابغض الحلال اليه، ولا يقبل استسهال هذه المسألة، والإعلام يضخّم بالقول: “ستين بالمئة من المتزوجين مطلقِين! وهذه من الاشاعات والكذبات التي تنتشر، ولا يوجد احصائية حقيقية لذلك الادعاء، إنما الامر محاولة تطبيع لاستسهال امر الطلاق، ويحاول نشر هذه الثقافة عبر المسلسلات.
- هنالك قوانين تُسن ـ اليوم ـ في عالمنا وبالذات في بعض البلدان العربية، قوانين لتفكيك الاسرة؛ منها قانون العنف الأسري، وهذا القانون من يتتبعه يجده انه قانون غربي يُغضط على الدول الاسلامية لسنّه، وبدأ هذا الضغط في العراق، وهذا القانون يخوّل أي واحد ان يشي على آخر بأنه لديه مشكلة مع اولاده ويؤذيهم، لتأتي الشرطة لأخذ الاب ويحاكم، وإذا ثبت أن الاب يؤذي بنته، فإن هنالك مكان لايواء المعنفَات والمعنفَين، هذا القانون هدفه سحب سلطة الأب، وغِيرة الأخ، بالاضافة الى عدم دخول الأهل في الإصلاح، وإنما يجب ـ حسب قانون العنف الاسري ـ ان الخلافات العائيلة تُحل خارج البيت وليس داخله!
هذا القانون يستتبعه امورا اخرى مثل قانون المساواة، الذي من خلال يجعل المرأة تزاحم الرجل في كل شيء ومنها الوظيفة، وقانون آخر ايضا وقد بدأت طبوله تُدق هو قانون(النوع الاجتماعي) اي لابد من احترام النوع الاجتماعي الذي يختاره الشخص، وتمثيله في الدوائر الحكومية، والبعثات والمناصب القيادية.
- هنالك ثقافة اجتماعية وعملية تجري لإعادة تعريف أدوار الأبناء في المجتمع، فمثلا تمكين المرأة؛ فيجب ان يكون لديها امولا خاصة بها، ويجب ان تشتغل حالها كالرجل، ولابد ان تخضع لدورة كراتية حتى تتمكن المرأة من الدفاع عن نفسها إن تعرضت لتحرش من قبل الآخرين، وهناك سفارات في بعض الدول العربية تقيم هذه الدورات! ايضا هناك مفهوم يطرح وهو قيادة المرأة، يعني ان تصبح المرأة قائدا مثل الرجل! وهذا اختلال لما خلق الله ـ تعالى ـ، وضرب للمنظومة القيمية التي اودعها الله في الانسان.
حصيلة الحرب على الاسرة ان تكون فردا وحيدا عاريا امام تحديات الحياة، فلا لديك أب تستند اليه، ولا زوجة تأويك، ولا أم تفيض عليك من حنانها واهتمامها، ولا ابناء يكونون من حولك.
- المحور الثالث: كيف نواجه الحرب على الاسرة؟
يقول ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، الله ـ تعالى ـ لا يأمر بشيء مستحيل ولا يتحقق، وهذا يعني ان الوقاية ممكنة، وعلى الرغم من طبول الحرب التي تُدق حولنا، إلا ان مجتمعاتنا لا تزال لديها من تعاليم الاسلام، والقيم، والعادات، والطينة الطيبة، وبإمكاننا ان نواجه بها، لكن إذا لم نستند عليها سوف نضيع، وأحد الأمور الوقائية هي المجالس الحسينية التي يجتمع فيها المؤمنون على قيم الحق، وذكر أبي عبد الله، عليه السلام، فهذا يعني ان ذلك بيت من بيوت الله.
⭐ حصيلة الحرب على الاسرة ان تكون فردا وحيدا عاريا امام تحديات الحياة
وفي مواجهة المعركة ضد الاسرة هناك عدة امور وعلى المجتمع ان يشارك ويتحمل المسؤولية:
الاول: نشر ثقافة الزواج: لابد من نشر ثقافة الزواج، وإزالة تعقدياته، وتسهيل امور الزواج.
الثاني: ترسيخ ثقافة الاسرة الصالحة: وهذه مسؤولية الآباء والمجتمع في تعليم الابناء كيف تكون اسرهم صالحة، قال الامام الصادق، عليه السلام: “لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتى يدخلهم الجنة”، وقال النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: “إذا اراد الله بأهل بيت خيرا فقههم في الدين ووقر صغيرهم كبيرهم ورزقهم الرفق في معيشتهم والقصد في نقفاتهم وبصرهم عيوبهم فيتوبون منها”.
وحسن الادارة الزوجية يساعد في نشوء الاسرة الصالحة، يقول الامام الصادق، عليه السلام: “ان المرء يحتاج في منزله وعياله الى ثلاثة يتكفلها خلال معاشرة جميلة وسعة تقدير وغيرة بتصحين”.
⭐ في الحياة الزوجية يحتاج ان تتكامل الاسرة مع بعضها البعض؛ الرجل يساعد المرأة والعكس، وهذا ما يجعل الاسرة قوية ومحصنة
وفي الحياة الزوجية يحتاج ان تتكامل الاسرة مع بعضها البعض؛ الرجل يساعد المرأة والعكس، وهذا ما يجعل الاسرة قوية ومحصنة، قال النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، لأمير المؤمنين، عليه السلام: “يا علي لا يخدم العيال إلا صديق او شهيد يريد الله به خير الدنيا والآخرة”، وفي الجانب النسائي، يقول النبي الأكرم: “أيما امرأة رفعت من بيت زوجها من موضعه ووضعته في موضع تريد اصلاحا إلا نظر الله إليها ومن نظر اليه لم يعذبه”.
الثالث: لابد من مبادرة اجتماعية، فلا يجب ان ينتظر الزوجان المنظمات المدنية والحكومية، بل عليهما ان يخططان لتكوين اسرة مثالية.
الرابع: لكي تكون الاسرة سعيدة لابد ان يكون اهل البيت مع عيالهم، فليسوا نبتة تُسقى بما وتنمو وحدها، فحتى تكتمل شخصية الابن لابد ان يكون الاب موجودا معه.
_______
- مقتبس من مجلس محرم هذا العام- الشيخ حسن البلوشي.