من الأمور المحسومة أن الله ـ تعالى ـ خلق الإنسان لأهدافٍ معروفةٍ وملموسة، ولا يمكن أن يكون هذا الخَلق عبثا، لذلك نلاحظ أن الإنسان بكامل حياته منذ لحظة الولادة حتى الممات، يكون ميّالاً إلى العمل بشكل فطري، ولا يمكن أن يتوقف الإنسان عن هذا الهدف سواء في التفكير والتخطيط والتنفيذ، ولهذا أصبح العمل هو طريق الوحيد لإثبات الذات وتحقيقها، وتثبيت وجودها وكينونتها وإشباع رغبة الإنسان بتحقيق الذات.
والعمل يأتي على أنواع كثيرة ومختلفة، لكنه في الأعم الأغلب ينقسم إلى نوعين، المادي و المعنوي، والأول هو العمل الملموس حسيّا، أي مكن رؤيته بالعين، مثل أعمال البناء والإنتاج السلعي وأي عمل آخر يمكن لمسه باليد أو رؤيته بالعين، أما النوع الثاني فهو العمل المعنوي وتنضوي في هذا النوع الأعمال المعنوية والفكرية والغيبية، بحيث لا يمكن لمسها باليد ولا يمكن رؤيتها بالعين، كالمنجزات الفكرية والابتكارات التي تصب في صالح البشرية، والتي لا يمكن تحقيقها إلا بعد بذل جهود عملية كبيرة ومتواصلة.
ومن العمل أيضا الأعمال العبادية التي يؤديها الإنسان، بحسب الأحكام الشرعية المثبتة، ولهذا نلاحظ وجود معادلة بين العمل والعبادية ينص عليها الحديث الشريف “العمل عبادة”، بمعنى إن عمل الإنسان كالعبادة، وهو ما يعطي للعمل قيمته الكبيرة التي تضاهي وتساوي ما يقوم به الإنسان من أداء للفرائض الدينية المثبتة في الأحكام.
⭐ العمل يأتي على أنواع كثيرة ومختلفة، لكنه في الأعم الأغلب ينقسم إلى نوعين، المادي و المعنوي
ولكن هنالك ميزة للعمل المستدام الذي لا يبدله الإنسان، أو الذي يداوم عليه بعد أن يتيقّن من جودته وصلاحه، والاستدامة في العمل لها مزايا كثيرة وكبيرة، أي أن الإنسان عندما يتقن عملاً جيداً، من المستحسن والأفضل له أن يستمر عليه، ويديمه، ولا يتحول منه إلى عمل آخر، وهناك أسباب كثيرة تقف وراء جودة الاستدامة في العمل وأفضليتها منها:
- أولا: ازدياد الخبرة:
من الواضح أن الإنسان إذا تعلّم مهنة معينة وأتقنها، واستمر في القيام بها، فإنه يوم بعد آخر سوف يزداد خبرة في هذا العمل، وهذا الخبرة تتضاعف مع الزمن، فينعكس ذلك على جودة الإنتاج، حيث يمكن للإنسان أن يطور إنتاجه ويحسنه ويزيده إتقانا وهو ما يصب في صالح الطرفين، المنتِج والمستهلك أو المشتري والمستخدم لهذه السلعة أو تلك.
- ثانيا: النجاح المتصاعد:
عندما يستمر الإنسان في عمل معين، فهذا دليل على أنه يشغف به ويحبه، وهذا يؤدي إلى نتيجة أخرى، فكلما تعلق الإنسان بعمله وأحبه يزداد رغبة في تطويره وتنويعه وتحسينه، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى نجاح هذا الإنسان في عمله، وهذا النجاح يؤدي أيضا إلى تطوير المنتج بما يحقق ويسد حاجة المستهلك، ولهذا جاء في أحاديث لأئمة أهل البيت، عليهم السلام، تؤكد أفضلية خاصية الاستدامة في العمل.
فقد قال الإمام الصادق، عليه السلام: “العمل الدائم القليل على اليقين، أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين”.
واليقين يتأتى للإنسان عندما يداوم على العمل، فيألفه جيداً، ويعرف أسراره، ذلك أن لكل مهنة أسرارها كما أن لكل إنسان مواهبه وذكائه في إتقان عمله، وكلما داوم في هذه المهنة أدرك أسرارها، وتعلق وأيقن بها، وبات يتعامل معها بإدراك نام.
كذلك يقول الإمام الباقر، عليه السلام، حول ديمومة العمل: “أحب الأعمال إلى الله عز وجل ما دام عليه العبد، وإن قل”.
المهم في العمل الصالح أن يستمر عليه الإنسان ولا يتركه إلى عمل أو مهنة أخرى، لأنه في هذه الحالة يفرّط بالخبرات التي اكتسبها، كما أن عليه أن يؤسس لعمل جديد عليها، وهو في هذه الحالة قد يخسر عمره في التنقل من عمل إلى آخر، من دون أن يتطور أو أن تتراكم عنده الخبرة التي تساعده على الاستمرار في الانتاج الجيد والعمل الصالح.
⭐ المهم في العمل الصالح أن يستمر عليه الإنسان ولا يتركه إلى عمل أو مهنة أخرى، لأنه في هذه الحالة يفرّط بالخبرات التي اكتسبها، كما أن عليه أن يؤسس لعمل جديد عليها
ولذلك أيضا يقول الإمام الباقر، عليه السلام: “ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من عمل يداوم عليه، وإن قل”.
وهذا الحديث يدل على أهمية أن يستمر الإنسان في عمله، لأن الكثرة ليست هي الهدف إذا غاب الإتقان، أما إذا كان العمل قليلا مع الجودة والصلاح، فهذا هو المطلوب، كونه يصب في صالح الطرفين، المنتج والمستهلك، فما فائدة شيء كثير غير صالح للمستهلك ولا بفي بالغرض، فإنه سرعان ما يرفضه ولا بشتريه وهذا يسبب ضررا للمنتِج في نفس الوقت، لذلك من أخلاقيات العمل، أن يداوم الإنسان عليه، ويستمر فيه للأسباب التي تم ذكرها في أعلاه، وقد لاحظنا تأكيد الأحاديث الشريفة لأئمة أهل البيت، عليهم السلام، على هذا الجانب، ونقصد به جانب الديمومة في العمل، مما يؤدي بالنتيجة إلى قاسم مشترك يتمثل بتحقيق الفائدة لطرفي المعادلة الانتاجية وهما الصانع و المستهلك.