يحزّ في النفس أن يتطاول البعض على رموز أفنت عمرها في خدمة الدين والانسانية منذ سبعين سنة في العراق، وتحديداً؛ في مدينة كربلاء المقدسة، وما يزالون يتصدّون لمشاريع أقل ما يمكن تسميتها بأنها؛ حضارية، فمن التصدّي للتضليل الفكري والثقافي، ونشر الوعي الديني، الى مساعدة الشريحة الفقيرة في المأوى والملبس والمأكل والتعليم والصحة، ولا نجد من يدافع عن هذه الرموز أمام موجات التسقيط ذات الخلفية الايديولوجية والسياسية.
ويبدو السبب في هذا؛ اعتقاد البعض أن ثمة خيطاً رفيعاً بين الترويج للمشاريع الخيرية و مفهوم الرياء، في حين أن الحقيقة تؤكد أن الخيط ليس رفيعاً، اذا لم نقل بوجود حاجز طويل، في بعض الاحيان، لان الباحث عن الشهرة والظهور لا يحب البذل بأمواله دون مقابل، فهو ينتظر المكسب السريع بأقل التكاليف، إلا بعض الحالات ممن لديه مشروع بعيد المدى يكسب من خلاله المليارات مقابل إعطاء الملايين.
⭐ إن المعرفة عامل حاسم يمكّننا من الدفاع عما عرفناه وآمنّا به، وهذا يذكرنا بالحديث المروي عن الامام الرضا، عليه السلام، وهو يوصي بأن “أحيوا أمرنا”
والمقصود بالإعلام للمشاريع الخيرية والانسانية، وحتى الثقافية، ليس بالضرورة أن يظهر الممول، او صاحب المشروع وهو يقدم بيديه، المساعدات المالية والعينية للايتام والارامل، إنما تظهر النشاطات والاعمال بتفاصيلها وبالشكل الفنّي اللائق في وسائل الاعلام المختلفة، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي اللصيقة بعامة الناس أكثر من سائر الوسائل الاعلامية الاخرى، وهذه أحد أهداف وسائل الاعلام بالأساس.
إن المعرفة عامل حاسم يمكّننا من الدفاع عما عرفناه وآمنّا به، وهذا يذكرنا بالحديث المروي عن الامام الرضا، عليه السلام، وهو يوصي بأن “أحيوا أمرنا”، فقيل، يابن رسول الله، وكيف نحيي أمركم –مضمون الحديث- قال، عليه السلام: “يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فان الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا”، أما اذا جهلوا هذه المحاسن والمكارم والفضائل، فمن الطبيعي أن يتنكروا، وفي اقل التقادير يكونوا على الحياد السلبي، واللاموقف، ومن ثمّ يكونوا فريسة التيارات المنحرفة، ومن يتربّص الدوائر لكل نشاط نهضوي من شأنه تغيير الواقع السيئ والفاسد.
ولا ننسى حقيقة اجتماعية، رغم تحفظنا عليها؛ إن معظم الناس مشغولون اليوم في أعمال ومهن مختلفة لسد احتياجاتهم في ظل تعقيدات الحياة المتزايدة ومتطلباتها بفعل المنحى التكنولوجي والالكتروني الداخل في تفاصيل حياتنا، جعل من الصعب جداً تجاوز الكثير من المستلزمات في الحياة اليومية، لذا نجد البعض يعمل لساعات طوال لكسب المال وتغطية تكاليف هذا النوع المعقّد من المعيشة، الامر الذي انعكس سلباً على المنحى الثقافي والمعرفي الذي كان سيد الموقف عند ابناء الجيل الماضي والجيل الذي قبله، عندما كان الاقبال على قراءة المؤلفات الفكرية والثقافية والأدبية، والاصغاء الى أصحاب المنابر، و نقل الكثير من الوعظ والإرشاد الى داخل البيوت، والاستفادة منها في أمر التربية والتعليم، وعليه؛ فكان الصعب اتهام مرجع دين صاحب مشاريع خيرية بأنه مرائي، أو إن خطيباً حسينياً يسعى للإثراء، أو مثقفاً ومفكراً صاحب مؤلفات يسعى للظهور و”الطشّة”.
⭐ الواقع المتردّي يدعو أصحاب الشأن لإعادة النظر في طريقة الربط بين المشاريع الخيرية والثقافية، وعامة الناس المعنيين والمستهدفين لهذه المشاريع
هذا الواقع المتردّي يدعو أصحاب الشأن لإعادة النظر في طريقة الربط بين المشاريع الخيرية والثقافية، وعامة الناس المعنيين والمستهدفين لهذه المشاريع، لتحقيق هدفين مهمين في وقت واحد:
الأول: أن يعد الناس هذه المشاريع متعلقة بهم، وليست خاصة لهذا او ذاك، لاسيما وأن القائمين عليها طالما يؤكدون هذه الحقيقة، بأن جهودهم وأعمالهم إنما للصالح العام، وغير ربحية ولا تجارية، بل وأكثر من هذا؛ ربط هذه المشاريع بالمعصومين، عليهم السلام، وأنها تعود اليهم، وليست ملكاً لهم، الامر الذي يتوجب اكثر من أي وقت آخر لأن نقتفي أثر المعصومين، عليهم السلام، في جعل الاعمال الخيرية في قلوب الناس، فقد كان النبي الأكرم، والأئمة المعصومين من بعده، يعيشون بين الناس بتواضعهم، وأياديهم البيضاء، وأخلاقهم الحسنة، واحترامهم لمشاعر الناس.
الثاني: أن يتمكن الناس من الدفاع عن العاملين في هذه المشاريع أمام هجمات الحاسدين والمبغضين، وعدم إعطائهم أية فرصة للبحث عن ثغرات يتسللون منها الى الاذهان بهدف تزييف الحقائق، وتسقيط الرموز المعروفة بتاريخها الجهادي والرسالي، مما يجعلنا نخسر كل هذا التاريخ والتضحيات ونبقى وحيدين في الساحة أمام جهات لا تريد الخير للدين ولا للانسانية.