اختيار وسيلة للوصول الى هدف معين ينعكس على صاحبه سلباً او ايجاباً، فهو يعني الكثير؛ ويكشف عن النوايا والقناعات، و ربما يكشف عن طبيعة الهدف النهائي، لذا قالوا بضرورة ان تكون الوسيلة من سنخ الهدف حتى لاتذهب الجهود والتضحيات سدىً.
قضايا الشعوب في الحرية والعدل والاستقلال تخللتها منذ عقود من الزمن، أحداث سياسية أبطالها الحكام والأحزاب، وجهات دولية ذات مصالح اقتصادية وسياسية كبيرة. فمثلاً؛ الشعب العراقي الذي استشعر لأول مرة أنه يفقد حريته وكرامته مع صعود نجم صدام في سبعينات القرن الماضي، وأن الاخير اتخذ قراره بمصادرة حرية الناس وعقيدتهم وحتى حياتهم وإلقائها في محرقة الحروب، انطلق بشريحته الواعية والمثقفة بالعمل على استعادة ما سُلب بوسائل من سنخ القضية والهدف الذي اصطدم به مع حزب البعث الحاكم.
⭐ الشعوب لا تفكر فقط بالتعويضات المالية مقابل تضحياتهم ومعاناتهم، وإنما يفكرون بتلك الدوافع التي جعلتهم يضحون ويصبرون ويصمدون
فصدرت مواقف الرفض من الشباب والشابات من خيرة المجتمع العراقي لافكار حزب البعث، مع العمل على نشر قيم الفضيلة والحق، ومن أبرز وسائل الشباب الرسالي الثائر؛ الكتاب، والحجاب، والشعائر الحسينية في شهري محرم الحرام وصفر الخير، كونها تمثل انعكاساً لاحداث واقعة الطف، وما جرى على الامام الحسين، وأهل بيته، عليهم السلام، ولما لهذه الشعائر من دور مباشر في خلق روح التحدي والايمان والشجاعة في النفوس، الامر جعل الآلاف من الشباب يستخرصون دمائهم و ارواحهم لتحقيق الانتصار بنفس الطريقة التي انتصر بها الامام الحسين رغم قلّة أنصاره، وكثرة أعدائه.
هذا ما لدى العالم والخطيب والجامعي والكاسب والفلاح والعامل والمرأة، أما في دهاليز السياسة البعيدة عن حياة هؤلاء، فان الامر يختلف تماماً، فهناك لا قيمة للحق والفضيلة، لأن ببساطة؛ يلتقي في هذه الدهاليز الحكام الطغاة والظلمة مع اصحاب القوى السياسية والاقتصادية في العالم، فثمة لغة مشتركة ومفهومة بين الطرفين، النفط والتجارة والتحالفات السياسية والنفوذ مقابل شرعنة وجود شخص مثل صدام في قمة السلطة.
أتذكر أن الحاكم الاميركي في العراق، بول بريمر قال ذات مرة خلال كلماته اليومية الى الشعب العراقي عبر التلفزيون –قبل وصول اجهزة الستلايت الى البيوت-، بانه زار المعتقلات وغرف التعذيب، وتحديداً غرف الاغتصاب، في محاولة منه لإقحام الناس في مشروع الإطاحة بصدام، والإيحاء بأن لهم دوراً كبيراً في الاطاحة بنظام صدام، وهو بذلك يظهر حقيقة ويستبطن نوايا وحقائق أخرى.
نعم؛ ثمة أحداث ومتغيرات سياسية تلقي بظلالها على قضايا الشعوب، وربما تستوعبها بالكامل، وفي توقيت معين تضع حداً لكل أعمال الاضطهاد والقمع والتشريد، كما حصل في صعود نجم الصين في المحافل الدولية كطرف وسيط يجمع المتخاصمين والمتحاربين، و يتمخض من هذه الوساطة إنهاء الحرب في اليمن –مثلاً-، وتخلّص الشعب اليمني من ظروف حرب عدوانية جعلته يتجرّع مرارة الموت والأوبئة والمعاناة طيلة ثمان سنوات، وهذا يبعث على الفرح والابتهاج ليستنشق الناس الحرية والأمان وفق الاتفاقيات على طاولة المفاوضات، كما حصل نفس الشيء مع العراق قبل الاطاحة بصدام، ولكن خفيت عنهم حقائق ما تحت الطاولة، وما جرى التخطيط له لمستقبل العراق، وبدأت هذه الايام ترشح بعض الحقائق –لا كلها- عن الاهداف الحقيقية من وراء الاطاحة بنظام صدام بوسائل عسكرية ومخابراتية حصراً.
⭐ إن الانتصار الحقيقي للشعوب الحيّة واليقظة في ترسيخ القيم والمبادئ في ارض الواقع، ولو بنسبة معينة، او تدريجياً
الشعوب لا تفكر فقط بالتعويضات المالية مقابل تضحياتهم ومعاناتهم، وإنما يفكرون بتلك الدوافع التي جعلتهم يضحون ويصبرون ويصمدون، وبالقطع واليقين؛ يريدون ان ترافقهم في حياتهم الى الأبد، فهم لا يعيشون السياسة طيلة حياتهم، وإنما يعيشون القيم الأخلاقية، والدينية، والآداب والتراث، و أيّ مساس بهذه المنظومة الثقافية يعني خسارة كل تلك التضحيات الجسام وذهابها أدراج الرياح. إن الانتصار الحقيقي للشعوب الحيّة واليقظة في ترسيخ القيم والمبادئ في ارض الواقع، ولو بنسبة معينة، او تدريجياً، لا يهم، إنما المهم أن تأخذ الشعوب زمام المبادرة بيدها وتقرر مصيرها بنفسها، فالوقت يمضي بسرعة فائقة يحمل معه تطورات هائلة على الصعيد الاقليمي والدولي، فثمة دول صاعدة اقتصادياً وسياسياً مثل؛ الصين و روسيا، تحاول إزاحة الدول التي كانت تعد نفسها –يوماً ما- وصيّة على العالم، وهي الأفضل والأعلم، والأكمل، واليوم في مرحلة الشيخوخة، فهو صراع على الهيمنة والنفوذ في العالم ينبغي علينا أخذ المزيد من الحيطة والحذر من مجمل التحركات السياسية لئلا تترك تأثيرها على واقعنا وحياتنا، فأن لا نربح أفضل بكثير من أن نخسر.