الدعاء مروي عن الإمام السجاد عليه السلام، عن آباءه عن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، واسم الدعاء يكشف عن قصته، فالجوشن هو الصدر في العربية، ومنها يقال للدرع الذي يستخدم لحماية الصدر في المعركة.
وفي الرواية أنّ النبي، صلى الله عليه وآله، قد أثقله درعه في أحد الحروب، فنزل عليه جبرائيل بهذا الدعاء ليكون له درعاً يعينه في مواجهة العدو، وفي هذه القصة عبرة جليلة مفادها: أهمية الاستعانة بالله سبحانه في مواجهة الأعداء في مختلف النوازل وساحات الجهاد.
كما أن للدعاء فضائل كثيرة، وآثار مختلفة.وهناك دعاء آخر لكنه عن الإمام الكاظم، عليه السلام، ويسمى بالجوشن أيضاً لكنه الجوشن الصغير، يختلف مضموناً ونظماً عن هذا الدعاء.
⭐ الدعاء متمحض في الثناء، والذكر الجميل لله، والتبجيل، والتعظيم، والتملق إليه بمختلف فنون الكلام والمديح، وكما عبر بعض العلماء عنه: أنه بعيد عن أنانية الإنسان في طلبات الدنيا، وغارق في بحور الحبّ في ذكر الحبيب
من ناحية الوثاقة، من المعقول جداً التوثق في صحة صدوره عن النبي، صلى الله عليه وآله، برواية الإمام السجاد، عليه السلام، وكما قال بعض العلماء يكفي مضمونه ونظمه عن السؤال في موثوقيته.
- وهنا عدة ملاحظات حول الدعاء:
الأولى: الدعاء غريب في نَظمه، فهو يتكون من ١٠٠ فصل، ويتضمن كل فصل منه على ١٠ من “العلامات” أو “أسماء الله”، عدا الفصل الـ(٥٥) فإنه يتضمن (١١) علامة أو اسماً، وبهذا كون الدعاء يحتوي على ١٠٠١ من العلامات أو الأسماء.
الثانية: الدعاء متمحض في الثناء، والذكر الجميل لله، والتبجيل، والتعظيم، والتملق إليه بمختلف فنون الكلام والمديح، وكما عبر بعض العلماء عنه: أنه بعيد عن أنانية الإنسان في طلبات الدنيا، وغارق في بحور الحبّ في ذكر الحبيب.
الثالثة: لا يكاد يوجد دعاء أو ذكر إلهيّ ورد عبر الطرق الصحيحة للوحي يحتوى عدداً من أسماء الله أو علاماته كالتي يحتويها دعاء الجوشن، فهو يتضمن ١٠٠١ منها.
وبعيداً عن التفصيل حول الفرق بين الأسماء والصفات والعلامات والدلائل، إذ أن هذه مباحث دقيقة في التوحيد، بعيداً عن ذلك؛ فإنّ أسماء الله – بالمعنى الواسع – سبيلنا للتعرف عليه، وطريقنا لدعاءه ونداءه، وسندنا الذي نقدمه قبل الحديث معه، وهي قبل ذلك وبعد ذلك أنس المحبين في ذكر الحبيب.
الرابعة: أن الأديان تتمايز أساساً بما عندها من الأسماء والصفات، وبها تتفاوت مستويات التوحيد وآفاقه وقد خص الله سبحانه نبيه الأعظم، صلى الله عليه وآله، بما لم يختص به نبي قبله، وهذا الدعاء إحدى تلك الخصائص، فلست أعلم من ديانات العالم من لديها من أسماء الله ما لدى الإسلام؛ خصوصا عبر أهل البيت، عليه السلام.
الخامسة: اختصاراً موجزاً جداً: أسماء الله سبحانه ١٠٠١، ٩٩ منها هي الأسماء الحسنى التي تدور في محاورها الـ١٠٠١، والـ٩٩ تدور حول ثلاث أسماء هي: الله، وتبارك، وسبحان، وقد خصّ الله سبحانه نفسه باسم لم يطلعه إلا من شاء من عباده، فهذه الأسماء الأربعة: الله، تبارك وتعالى، والاسم المخفي أركان للاسم الذي لا يطلع عليه أحد.
لكل دعاء سماته الخاصة، ولونه، ودفئه، وآفاقه، ولدعاء الجوشن جملة من السمات:
الأولى: الاغتراب والوجدان: تتوالى مقاطع الدعاء في ردف زخم من الثناء الجميل، والمديح لله ـ سبحانه ـ، وكأنها تريد إيصال الذاكر إلى لحظة “الاغتراب”؛ وأعني الاغتراب عن المحيط بكل عوالقه المادية، والدنية، ومظاهر الفقر الشديدة فيه، وذلك ليصل الذاكر إلى وجدان نفسه الحقيقية.
⭐ لا يكاد يوجد دعاء أو ذكر إلهيّ ورد عبر الطرق الصحيحة للوحي يحتوى عدداً من أسماء الله أو علاماته كالتي يحتويها دعاء الجوشن
فهو العبد، والله الرب، وهو الضعيف والله القوة، والهو الفقير والله الغني، وهو الميت والله هو الحي.
الثانية: الوصف بلا صفة: ولعل هذه من أعجب ما في الجوشن، أن الذاكر تتوالى توصيفاته ثناءً لله، لكنها في أحسن معانيها قاصرة، وتتعدد أبعاد الصفات بكل كثافة لكنها عاجزة عن الإحاطة، ويتوارد جميل المديح بمختلف فنون الكلام لكنه في أبهى صوره مُقلّ..لينتهى الذاكر إلى القول: إلهي لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك!
الثالثة: مقام وحالة: قد لا يستشعر الإنسان معاني الأذكار إلا إذا تشابهت معانيها مع حاله، فيمتزج الحال بالمقام، ودعاء الجوشن يتعرض لألف حالة تتناسب مع ألف مقام، لتتناسب في لحظة ما مع أحد الذاكرين.
لذا تجد حال الذاكرين فيه تضطر مع كل مقطع مختلفة، فبعضهم يبكي في حالة، وآخر يأنّ، وأحدهم يضج، وواحدهم يتآوه، والبعض منهم يصمت بوجوم مذهول مروع يرى أمامه مسيرة حياته، ويراها مظللة بدفئ الرحمة الإلهية. أعاننا الله وجميع المسلمين على ذكره، وحلاوة مناجاته، وعظيم رحمته.