وقائع التاريخ والحاضر تكشف عن نهاية دول الغرب
يتصور الكثيرون ان المدنية الغربية التي وصلت الى مستويات متقدمة في العلم والتكنولوجيا والإمكانيات الضخمة والعالمية في الإقتصاد والسياسة والقدرات العسكرية الهائلة والتي تتحكم في معظم بلدان العالم هي قدر هذا العالم، وأنه لا يمكن ان تتزحزح دول الغرب الظالمة عن موقعها وريادتها في التحكم بدول العالم الثالث المستضعف حتى كتب احدهم عن نهاية التاريخ وتوقفه على حدود هذه المدنية الزائفة.
إلا إن هذا التصور ليس له واقعية أبداً لا تاريخياً ولا حاضراً، وهذا ما سنبينه بالأدلة هنا، علاوة على ما طرحناه في الحلقة السابقة من أن سنن الله الحاكمة في عالمنا تؤكد على أن هلاك أنظمة ودول الظلم هو أمر حتمي مهما وصلت من إمكانيات وقدرات هائلة، وللتذكير فقط نطرح للتأمل الآيات المهمة التالية:{أَلَمۡ یَرَوۡا۟ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ مَّكَّنَّاهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ عَلَیۡهِم مِّدۡرَارࣰا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَـارَ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَـاهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِینَ}. (سورة الأَنۡعَامِ: ٦)، وقوله تعالى: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}. (سورة آل عمران ١٩٦ -١٩٧)، فهذه الآيات وغيرها ايضاً تقرر ان حكم الإهلاك الإلهي لدول الظلم هو سنة جارية مهما تمكنوا في الأرض، فوجودهم إنما هو مهلة ومتاع قليل ليس إلا.
- دلائل تاريخية على سقوط دول الجور الكبرى
التاريخ اثبت سقوط أمبرطوريات الظلم رغم قوتها وإمكانياتها الهائلة في زمانها، وهنا بيان سريع لإنهيار عدد منها:
- الامبرطورية الرومانية التي انتهت عام 286م، بعد ان حكمت معظم بلدان اوروبا وبعض من البلدان العربية لحوالي ثلاثة قرون.
- الدولة البيزنطية التي جاءت بعد انهيار الرومانية ودام حكمها – مع التقلص في ممالكها- حوالي الألف عام وانتهت في عام ١٤٥٣م، على يد العثمانيين.
- الدولتان الأموية والعباسية اللتان سيطرتا على مساحة كبيرة في آسيا وأفريقيا حتى انتهى حكم الثانية في ١٥١٧م، بعد ان حكمتا اكثر من ثمانية قرون.
- الدولة العثمانية والتي استمرت أكثر من ستة قرون حتى انتهت عام ١٩٢٣م.
- سقوط او انهزام دول قوية في زمننا المعاصر
بريطانيا كانت القوة العالمية الأولى في العالم وحكمت كثير من دول العالم تقريبا لحوالي اكثر من قرنين وسيطرت على ٢٤% من مساحة الكرة الأرضية إلى ان باتت دولة محدودة المساحة والقوة والتفوذ في السبعينات من القرن الماضي.
الإتحاد السوفيتي وهو أمثولة كبرى معاصرة وكان ثاني قوة عسكرية في العالم في القرن العشرين، ودام حكمه ٧٤ عاماً، حتى سقط نهائياً بعد ثورات الشعوب فيه في عام ١٩٩١م، وكان حاكماً بتنظيمانه العسكرية والحزبية الحديدية على خمس عشر دولة استقلت بعد سقوطه، وقد احدث وجوده وعقائده الباطلة تأثيراً خطيراً في أصقاع العالم وامتد نفوذه العالمي وهيمنته على الكثير من بلدان العالم ثم تبخر كل ذلك الكيان الرهيب وتأثيرانه الفاسدة في بضع سنين، وكان عدد من علمائنا الأجلاء قد تحدثوا في عز قوته ونفوذه الشيطاني عن هلاك ذلك المارد ونهايته وتحققت مقولاتهم القائمة على تفهم سنن الله وعدم الاغترار بالمظاهر والأساطيل والنفوذ الواسع مادامت في خط الباطل.
- مفكرون غربيون تحدثوا عن نهاية حضارة الغرب
قال المفكر الغربي أرنولد توينبي، وهو من اشهر علماء التاريخ والمتوفي في ١٩٧٥م: “إن بإمكان الحضارة الغربية أن تنقذ نفسها، وأن بالإمكان لجنازتها أن تؤجل إذا أعادت تصحيح حضارتها على العلم والدين، وليس العلم فقط”.
وكتب المفكر الفيلسوف الألماني أوسفالد شبينغلر المتوفى في1936م، كتاباً اسماه (تدهور الحضارة الغربية)، وتنبأ فيه بإنتهائها لعوامل ذكرها.
اما ميشال أونفري من أهم الفلاسفة الحاليين في فرنسا ومن أغزرهم أنتاجا، وصدر له أكثر من ستين كتابا ترجم جلها إلى أكثر من ثلاثين لغة فقد احدث كتابه ضجة كبرى حين اصدره وهو بعنوان (الانهيار، من يسوع إلى بن لادن، حياة الغرب وموته)، مبيناً أن الغرب يتجه الى نهايته كقوة عالمية، وهناك كتب لمفكرين غربيبن مثل (انتحار الغرب) لأثنين من الصحفيين الغربيين هما ريتشارد كوك وكريس سميث، وتحدثا عن عوامل ستة كانت ملهمة للغربيين إلا إنها لم تعد فعالة وهو ما يجعل الإنجراف نحو الانتحار الجماعي يبدو حتمياً.