كما أن لكل طريق يُوصل الى منتهاه، فمن سلك طريقا خاطئا لن يصل الى المكان الذي يريد الوصول اليه، كذلك فيما يرتبط بالمناهج والبرامج، فكل منهج يوصل الى هدف محدّد.
وكما أن خارطة المنصع تختلف نتائجها عن خارطة المدرسة، وخارطة البيت تختلف عن خارطة المزرعة، كذلك المناهج المختلفة في بناء شخصية الانسان تختلف نتائجها باختلافها، فلا يمكن ان تلتزم بمنهج خاطئ وتصل الى نتيجة صحيحة، من هنا تجد أنك في سورة الحمد تسأل من الله ـ عز وجل أن يهديك: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، لان هذا الصراط يوصلك الى الجنة، فمن سلك الصراط المستقيم وصل الى مبتغاه، أما الصراط المنحرف فلا يوصلك الى الجنة.
⭐ إن بناء الشخصية يجب أن يأتي على خارطة صحيحة، ومنهج صحيح، وحسب برامج صحيحة
إن بناء الشخصية يجب أن يأتي على خارطة صحيحة، ومنهج صحيح، وحسب برامج صحيحة؛ فالذين يقرأون الكتب في قضايا التطوير الذاتي، وبناء الشخصية، وما شابه ذلك، يجب عليهم قبل الالتزام بأي منهج، أن يبحثوا عن أسسه ونتائجه، يعني مثلا: هنالك في الكتب الغربية مناهج لبناء الشخصية، وكلها مادية بحتة، أي تدور حول الكسب المادي فقط، فهي تبين لك كيف تصل الى الربح من خلال الالتزام بهذا المنهج، وكيف تنجح في حياتك من خلال الالتزام بذلك المنهج، حتى لو كان ذلك بعيد عن القيم والمُثُل.
ومثال على ذلك كتب (ديل كارنيجي)، وهي جيدة ورائعة، ومن يقرأها يرتاح اليها، لكن هل تجد أيَّ كتاب من كبته يدفعك الى الالتزام بالقيم والمثل، حتى ولو خسرت الربح؟ هل تجد في كتبه حديثا عن الآخرة، أو حديثا عن التنازل والتضحية للآخرين دون مقابل؟
كلا؛ إنه يقول لك: كيف تنجح في علاقاتك، أي كيف تكسب الناس لمصلحتك، ويقول لك: كيف تصبح خطيبا مفوَّها، ومن ثم تسيطر على الناس، لكن لا يبيّن لك كيف تهدي الناس الى الخير من خلال خطاباتك.
وهكذا في كثير من المناهج الموجودة في الساحة اليوم، تجد أن الهدف من ذلك هو كيف تنجح، مع قطع النظر عن كون هذا النجاح على حساب الآخرين، كما هو كتاب (الأمير) لـ (نيكولو ميكافيلي)، فالرجل يقول لك: كيف تسيطر على الآخرين، وكيف تكسب السلطة، وكيف تحافظ عليها، فالمحور هو السلطة لا العطاء، ولذلك لابد من اختيار البرامج والمناهج التي تؤدي بك الى النجاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة معا.
وقد يسأل سأئل: هل يمكن أن نجمع بين الأمرين؟
هل يمكن أن ننجح في الدنيا ونكسب مصالحنا فيها، وأن ننجح في الآخرة ونكسب رضا لله تعالى؟
الجواب: بالطبع نعم، ولذلك فإن ربنا يقول: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار}، وأساسا الالتزام بالقيم يؤدي الى النجاح في الدنيا أولا، وفي الآخرة ثانيا.
لقد قال النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، في بداية دعوته: “أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا”، وقال: “فأجيبوني تكونوا ملوكا في الدينا وملوكا في الآخرة”، والفلاح ليس مرتبطا بالآخرة فقط، فقد أصبحوا ملوكا في دنياهم، أما في فيما يرتبط بآخرتهم فبعضهم ـ وليس جميعهم ـ أصبحوا ملوكا في آخرتهم، إذ كانوا صادقين مع الله، ولم ينافقوا.
الإمام علي، عليه السلام، نجح في دنياه، وحكم العالم المعمور في ذلك اليوم لأكثر من خمس سنوات، وأيضا ربح آخرته.
لكن بعضهم نافق؛ فأمام الناس كان ملتزماً بالدين، وخلفهم لم يكن كذلك، فمثله ربح على الأقل دنياه، وهكذا فإن الالتزام بالقيم والمثل، يربح الإنسان دنياه وآخرته.
⭐ كثير من المناهج الموجودة في الساحة اليوم، تجد أن الهدف من ذلك هو كيف تنجح، مع قطع النظر عن كون هذا النجاح على حساب الآخرين
إن المجد السليم هو الذي تبنيه ليس على حساب غيرك، وإنما على مع غيرك، والنجاح الصحيح هو الذي يأتي من خلال إنجاح غيرك أيضا، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “أنعم الناس عيشا من عاش في عيْشِهِ غيره”، وأفضل العظماء هم الذين صعدوا على القمم، وأصعدوا معهم حوارييهم.
وهنا سؤال: هل لابد من مقاطعة المناهج والبرامج الأخرى، وكتب الذين كتبوا عن النجاح وكسب المصالح؟ أو هل يفهم القارئ من كلامي أنني أدعو الى عدم قراءة الكتب غير الدينية؟
والجواب: لا، ليس مطلوباً المقاطعة، وإنما المطلوب هو القراءة الواعية، فأن تقرأ شيء، وأن تلتزم بما تقرأ شيء آخر، كما في الاستماع الى الآخرين، فربنا يضع لنا قاعدة مهمة في قوله: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}، فالله ـ تبارك وتعالى ـ يصف هذا النوع من الناس بأنهم هم اصحاب العقول، وانهم هم من حصل على الهداية الحقيقية.
نعم، لابد من أن نقرأ ما يرتبط بالمجالات التي نريد النجاح فيها في الحياة، ولكن أن نلتزم بكل ما كتب فهذا أمر آخر، فلنأخذ من غيرنا ما يتلاءم مع قيمنا ومثلنا، ونترك ما يتناقض معها، وهذا ما نسميه “القراءة الواعية”.