عند مروري هذه الأيام على أسواق مدينتي كربلاء، وبعض أسواق النجف، دقَّقتُ في مقدار انتشارِ ثقافة “أعياد الميلاد” فيها.
فما وجدتُه، أننا لو استثنينا محلات بيعِ التُحفيات و الملابس – والتي تنتفع هي ببيع أشجار الميلاد و ملابس المناسبة- فإن نسبة من كان قد وَضَع ما يدل عليه، لا يتجاوز 20بالمئة، أمر محدود، لكن يبقى بحاجة الى الحديث عنه.
إذ أنّي سابقاً كنتُ أقل حسّاسيةً من هذه المظاهر – لوجود قضايا وتحديات أكبر في بلادنا-، لكن بعد قراءَتي في موضوع الهوية، وكتابة “أزمة الهوية” و معرفتي بأن من مظاهِر الهوية، هي “الأيام المهمة” لكل شعب، صِرتُ أتحسَّس من هذه المظاهر، لأنها من أعراض “أزمة الهوية”، ولأن “أزمة الهوية” مَرَضٌ عُضال وتحدي مهم يعاني منها جميع المجتمعات تقريباً.. فصرت أتحسس بمقدار فهمي لأهمية الهوية.
فلكل شَعب هويَّته المتميزة، تظهر في لغته، وفي أدبه، وفي ملبَسِه، وتظهر أيضاً في الأيام التي يحتفي بها، فالاحتفاء بيومٍ معين، يرتبط إما بحادثة تاريخية يفتخر بها أبناء ذلك الشعب، أو قضية دينية، أو ثقافية.
⭐ ان الاحتفال بيومٍ لا يرتبط بنا من قريبٍ ولا بعيد، فقط لكونه يوماً للاحتفال أو لكونه “موضة” محلية أو عالمية..، أمر عبثي
فمثلاً حين تحتفل أيها الشيعي بيوم الغدير، لا لكونه يوماً في التقويم، بل لأنه مرتبط بأمر عَقَدي هام، تجعله عيداً للتذكير به وبأهميته، وكذلك حين تحتفل – أيها العراقي- بيومٍ وطني، لكونه تاريخ لحدثٍ يمثِّل نُقطةً فارقة في تاريخ بلدك، وربما يُجبَر الشعب في الأنظمة الطاغوتية في الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس، للاحتفال بتلك الساعة المباركة التي شرَّفنا به هذا العبقري.
وهكذا؛ أي: أن الاحتفال بيومٍ معيَّن يكشف عن هُويّة ما!
بعد هذا، اذا احتفل شخصٌ بيومٍ لا يمت الى هويته بصلة، لا الى هويته الدينية، ولا الثقافية، و لا الوطنية، صار في هذا الاحتفال دلالة على أزمة الهوية.
أقول: ان الاحتفال بيومٍ لا يرتبط بنا من قريبٍ ولا بعيد، فقط لكونه يوماً للاحتفال أو لكونه “موضة” محلية أو عالمية..، أمر عبثي! بل أن الأمم تحترم من يتمسَّك بهويته ويستشعر استقلاليته، وتاريخه، ومبادئه، أكثر من الذائب في هويةٍ لا تمت اليه بصلة، ولكم في “بِشتِ” ميسي خيرُ شاهِدٍ ودليل.
وكما قال أحدهم: حين تحترم نفسك، وتعتزٌ بهويتك، حتى “ميسي” تُلبِسَه مَلبَسَك، أما حين لا تحترم نفسك، فسوف “يُنزِعَك” الآخر ملبَسَك وأنت تصفِّق له! ولا ننسى: حين تفقد الأمة هويتها، فليس بينها وبين نهايتها الا خطوة واحدة، كما يقول السيد المرجع الوالد.
هامش: كتبتُ عن أزمة الهوية في كتيِّب “الشباب و أزمة الهوية” فيمكن مراجعة الموضوع هناك.