حسب تتبعي لمسألة حكم الجهاد في الإسلام، وحكم جهاد المرأة بالخصوص، فإنه من المشهور والمتواتر أنه ليس على المرأة جهاد إلا ما حدده رسول الله، صلى الله عليه وآله، في قوله: “جِهَادُ اَلْمَرْأَةِ حُسْنُ اَلتَّبَعُّلِ لِزَوْجِهَا”، وسماحة السيد الخوئي، قدس سره، ذكر أربعة شروط للجهاد وهي: “التكليف، والحرية، والقدرة (الجسدية والمالية)، والذكورة وأعقبها بقوله: فلا يجب على المرأة اتفاقاً”.
بل قالوا: اتفق الفقهاء على اشتراط الذكورة في وجوب الجهاد، فلا يجب على النساء، وذهب جمع من الفقهاء إلى جواز إخراج النساء لتمريض الجرحى ومداواتهم والطبخ والسَّقي وغير ذلك من المصالح، وقال بعضهم: الأولى إخراج المسنّات منهنّ، وأمّا الشابات فيُكره إخراجهن إلى أرض العدو، وقُيد خروج المرأة بإذن زوجها، وهذا يكون في حالة عدم إعلان النفير العام، وأما مع إعلانه فلا يُشترط إذن الزوج.
وبالعموم فإن ساحات جهاد المرأة هي الأسرة الصغيرة بالتربية، ثم الأسرة الكبيرة في المجتمع بالتعليم، وأما ساحات القتال والحرب فمجالها محدود بالخدمات في الخطوط الخلفية، والسيرة النبوية شهدت مختلف الحالات حتى القتال ففي معركة أحد حيث فرَّ المسلمون وتركوا رسول الله، صلى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين في ساحة القتال ويحوطهما الكتائب فأذن النبي، لنسيبة المازنية أم عمارة بالقتال، وقد أثنى عليها وقال: “لَمُقَامُ نَسِيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ اليوم خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ”، وكان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال حتى جُرحت ثلاثة عشر جرحا، وحتى أن فاطمة الزهراء، عليها السلام، خرجت مع النساء عندما سمعن خبر إصابة رسول الله، صلى الله عليه وآله وفرار المسلمين عنه، والبخاري يقول: (كَانَتْ فَاطِمَةُ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، بنْتُ رَسولِ اللَّهِ، صلَّى اللهُ عليه وآله، تَغْسِلُهُ، وعَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ المَاءَ بالمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أنَّ المَاءَ لا يَزِيدُ الدَّمَ إلَّا كَثْرَةً، أخَذَتْ قِطْعَةً مِن حَصِيرٍ، فأحْرَقَتْهَا وأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ”
⭐ ساحات جهاد المرأة هي الأسرة الصغيرة بالتربية، ثم الأسرة الكبيرة في المجتمع بالتعليم
ولكن السؤال الذي خطر في بالي وأنا أقرأ تلك الأحداث الرهيبة، بل الإرهابية التي أجبرت فاطمة الزهراء، عليها السلام، وهي الشابة، والحامل المقرب للولادة، تخرج من بيتها وتواجه أكثر من ثلاثمائة من الأعراب وعلى رأسهم وبقيادتهم ابن الخطاب، ومن ورائهم الخليفة الحاكم يدفع إليهم بالرجال؟
وأنا على يقين لا يشوبه شك أن فاطمة الزهراء، عليها السلام، كانت أعلم أهل ذلك الزمان بتكليفها الشرعي بعد زوجها وابن عمِّها أعلم أهل الأرض بذلك، فهي خرجت لتأدية التكليف الشرعي الذي تراه واجباً عليها وجوب عين ولذا تحاملت على جراحها وخرجت ترافق زوجها وابنيها سيدا شباب أهل الجنة بمحاولة منها إحقاق الحق لأهله، وإعادة الأمور إلى نصابها الشرعي.
كما أنها خرجت لتقوم بأعظم جهاد قال، صلى الله عليه وآله: “أَفْضَلُ اَلْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ”، فقامت وقام معها أهل التشريع، وترجمان القرآن، وآل الله، وهي المرأة المعصومة عن الخطأ والمنزهة عن أي رجس، أو دنس، بنص القرآن الكريم، فنهضتها بحد ذاتها لو فقهتها الأمة كانت حجة عليها إلى يوم القيامة إذ أن فعلها تشريع ولا يحتاج إلى أحد، فهي صفيَّة الله وخيرته من خلقه، وبضعة رسول الأعظم، ووريثته في كل شيء.
⭐ وأنا على يقين لا يشوبه شك أن فاطمة الزهراء، عليها السلام، كانت أعلم أهل ذلك الزمان بتكليفها الشرعي بعد زوجها وابن عمِّها أعلم أهل الأرض بذلك
وما فعلته سيدة النساء فاطمة الزهراء، عليها السلام، كان دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن البيت، ودفاعاً عن الأولاد والأهل، ودفاعاً عن المال، بل دفاعاً عن الدِّين، والقرآن، والإسلام، فالقوم جمعوا أكثر من ثلاثمائة من شذاذهم وجاء بهم ابن الخطاب يريد أن يهجم على البيت وهي وعيالها جميعاً فيه، والقوم في كتبهم وما أثبتوه في تواريخهم، وسيرهم هو جزء من الحقيقة، وليس كلها، بل كتبوا ما يرضي السلطان الجائر، ولا يخالف القواعد التي وضعها معاوية وبني أمية وأزلامهم من بعد، وسموها بعلوم الدِّين كالرواية، والحديث، والرجال، والجرح والتعديل، وما أشبه ذلك من تلك العلوم والقواعد التي وضعوها لحماية أولئك الطغاة.
لذا ترى الأمة الإسلامية بعد أربعة عشر قرناً لا يجرؤ أحد أن ينتقد الخليفة الذي قتل ابنة نبيِّهم ورسولهم لأنه صحابي، ومن الخلفاء الراشدين، فترى راويتهم أبو هريرة يتهم خليل الرحمن بالكذب ثلاث مرات، ولا يجرؤ أحدهم على تكذيبه، فجعلوا أمامهم حائط صد أعظم من سور الصين العظيم، فمتى نتحرر من هذه القواعد الفاسدة ونبني على قواعد سليمة وصحيحة تاريخنا المشرق ليظهر إلى الناس بحقيقته الرائعة كما أرادها الله ورسوله ويكون القائد الأعلى كالإمام علي، عليه السلام لا كمعاوية.
والعجيب الغريب أن كتبهم مشحونة بنقدهم لرسول الله، صلى الله عليه وآله، واعتراضهم عليه بل وتشكيكهم بعدالته حتى يقول له ذاك الأعرابي: (إعدل يا محمد)، أو يقول له: (إن نبيكم ليهجر)، أو يقول الرسول الأكرم: “إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي”، فيقول: (حسبنا كتاب الله)، فمتى تتحرر عقولنا وأفكارنا، وبالتالي يتحرر ديننا من تلك الخرافات الجاهلية، والإضافات العصبية القرشية، والدسائس الإسرائيلية، لنعيد كتابة تاريخنا بصدق ونأخذه من الصادقين لا من الدَّجالين وأبواق السلاطين؟
وهنا سنأخذ الرواية من ابن قتيبة كما في الإمامة والسياسة، حيث يروي عدة مواقف مذهلة من الإرهاب العمري، ولكنه لا يقول إلا جزءاً يسيراً من الحقيقة وعندما يروي أقوال وأعمال السلطة يطعِّمها بالكذب والدَّجل المفضوح، (فبكى طويلاً)، لأنه لا يجرؤ على نقل الرواية كاملة كما هي، لأنها ستُسقط رجال السلطة القرشية وتُظهر علو ومكانة أصحاب الحق الشرعيين، ولذا سنطعمها برواية منقولة من كتب أهل الصدق والولاء لتظهر الحقيقة وتبدو الرواية الأقرب إلى الصحة والواقع، مع بعض التوضيحات منا كإشارات عابرة وتنبيهات سريعة:
1- “إن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند عليٍّ كرم الله وجهه، (أليس الرجل وأصحابه الذين بايعوه قد بايعوا لأمير المؤمنين، عليه السلام، قبل سبعين يوماً فقط في غدير خم، وقال: بخ بخ لك يا ابن ابي طالب اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن؟ فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليٍّ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده؛ لتخرجن أو لأحرقنها على مَنْ فيها، فقيل له: يا أبا حفص؛ إن فيها فاطمة؟! فقال: وإن.
2- “وقفت فاطمة، عليها السلام، على بابها، فقالت: لاَ عَهْدَ لِي بِقَوْمٍ أَسْوَأَ مَحْضَراً مِنْكُمْ تَرَكْتُمْ رَسُولَ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، جِنَازَةً بَيْنَ أَيْدِينَا وَقَطَعْتُمْ أَمْرَكُمْ بَيْنَكُمْ لَمْ تَسْتَأْمِرُونَا، وَصَنَعْتُمْ بِنَا مَا صَنَعْتُمْ وَلَمْ تَرَوْا لَنَا حَقّاً، ولكن الحقيقة أعظم وأدهى.
3- أتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلِّف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفد وهو مولى له: اذهب فادع لي علياً، قال: فذهب إلى عليٍّ فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: مَا أَسْرَعَ مَا كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ، نَكَثْتُمْ، وَاِرْتَدَدْتُمْ، وَاَللَّهِ مَا اِسْتَخْلَفَ رَسُولُ اَللَّهِ غَيْرِي فَارْجِعْ يَا قُنْفُذُ فَإِنَّمَا أَنْتَ رَسُولٌ فَقُلْ لَهُ قَالَ لَكَ عَلَيٌّ: وَاَللَّهِ مَا اِسْتَخْلَفَكَ رَسُولُ اَللَّهِ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَنْ خَلِيفَةُ رَسُولِ اَللَّهِ، فَأَقْبَلَ قُنْفُذٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَلَّغَهُ اَلرِّسَالَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ عَلِيٌّ مَا اِسْتَخْلَفَنِي رَسُولُ اَللَّهِ، فَغَضِبَ عُمَرُ وَوَثَبَ وَقَامَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اِجْلِسْ.
فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفد: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفد، فأدى ما أمر به، ثُمَّ قَالَ لِقُنْفُذٍ اِذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: أَجِبْ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَبَا بَكْرٍ؛ فَأَقْبَلَ قُنْفُذٌ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَأَبْلَغَهُ اَلرِّسَالَةَ، فرفع عليٌّ صوته فقال: سبحان الله! لقد ادَّعى ما ليس له.. فَقَالَ، عليه السلام: كَذَبَ وَاَللَّهِ اِنْطَلِقْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: وَاَللَّهِ لَقَدْ تَسَمَّيْتَ بِاسْمٍ لَيْسَ لَكَ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُكَ، فَرَجَعَ قُنْفُذٌ فَأَخْبَرَهُمَا فَوَثَبَ عُمَرُ غَضْبَانَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ إِنِّي لَعَارِفٌ بِسَخْفِهِ وَضَعْفِ رَأْيِهِ وَإِنَّهُ لاَ يَسْتَقِيمُ لَنَا أَمْرٌ حَتَّى نَقْتُلَهُ فَخَلِّنِي آتِكَ بِرَأْسِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اِجْلِسْ فَأَبَى فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ فَجَلَسَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا قُنْفُذُ اِنْطَلِقْ فَقُلْ لَهُ: أَجِبْ أَبَا بَكْرٍ، فَأَقْبَلَ قُنْفُذٌ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَجِبْ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي لَفِي شُغُلٍ عَنْهُ وَمَا كُنْتُ بِالَّذِي أَتْرُكُ وَصِيَّةَ خَلِيلِي وَأَخِي وَأَنْطَلِقُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَمَا اِجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ اَلْجَوْرِ)، فَانْطَلَقَ قُنْفُذٌ فَأَخْبَرَ أَبَا بَكْرٍ.
4- ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبتِ يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فإلى هنا ويتوقف الدينوري لأن ما جرى تشيب منه الرِّضعان حقاً وصدقاً، لأن القوم جاؤوا بالحطب الجذل ووضعوه على بابها وأشعل به النار الرجل، والحقيقة هي: فَوَثَبَ عُمَرُ غَضْبَانَ فَنَادَى خَالِدَ بْنَ اَلْوَلِيدِ وَقُنْفُذاً فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَحْمِلاَ حَطَباً وَنَاراً، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى بَابِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَفَاطِمَةُ، عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ، قَاعِدَةٌ خَلْفَ اَلْبَابِ قَدْ عَصَبَتْ رَأْسَهَا وَنَحَلَ جِسْمُهَا فِي وَفَاةِ رَسُولِ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى ضَرَبَ اَلْبَابَ، ثُمَّ نَادَى: يَا اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ اِفْتَحِ اَلْبَابَ.. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا عُمَرُ مَا لَنَا وَلَكَ لاَ تَدَعُنَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ؟! قَالَ: اِفْتَحِي اَلْبَابَ وَإِلاَّ أَحْرَقْنَاهُ عَلَيْكُمْ.
فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ أَ مَا تَتَّقِي اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَدْخُلُ عَلَى بَيْتِي وَتَهْجُمُ عَلَى دَارِي؟! فَأَبَى أَنْ يَنْصَرِفَ ثُمَّ دَعَا عُمَرُ بِالنَّارِ فَأَضْرَمَهَا فِي اَلْبَابِ فَأَحْرَقَ اَلْبَابَ، ثُمَّ دَفَعَهُ عُمَرُ فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةُ، عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ وَصَاحَتْ: يَا أَبَتَاهْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ؛ فَرَفَعَ اَلسَّيْفَ وَهُوَ فِي غِمْدِهِ فَوَجَأَ بِهِ جَنْبَهَا فَصَرَخَتْ، فَرَفَعَ اَلسَّوْطَ فَضَرَبَ بِهِ ذِرَاعَهَا فَصَاحَتْ: يَا أَبَتَاهْ؛ فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَأَخَذَ بَتَلاَبِيبِ عُمَرَ، ثُمَّ هَزَّهُ فَصَرَعَهُ وَوَجَأَ أَنْفَهُ وَرَقَبَتَهُ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ فَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَا أَوْصَى بِهِ مِنَ اَلصَّبْرِ وَاَلطَّاعَةِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي كَرَّمَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ يَا اِبْنَ صُهَاكَ لَوْلاٰ كِتٰابٌ مِنَ اَللّٰهِ سَبَقَ لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتِي.
فَأَرْسَلَ عُمَرُ يَسْتَغِيثُ، فَأَقْبَلَ اَلنَّاسُ حَتَّى دَخَلُوا اَلدَّارَ وَسَلَّ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ اَلسَّيْفَ لِيَضْرِبَ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) فَحَمَلَ عليٌّ عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ فَأَقْسَمَ عَلَى عَلِيٍ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَكَفَّ وَأَقْبَلَ اَلْمِقْدَادُ وَسَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَعَمَّارٌ وَبُرَيْدَةُ اَلْأَسْلَمِيُّ حَتَّى دَخَلُوا اَلدَّارَ أَعْوَاناً لِعَلِيٍّ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) حَتَّى كَادَتْ تَقَعُ فِتْنَةٌ..”
5- “فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمَه؟ قالوا (عمر): إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، فقال: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أُكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق عليٌّ بقبر رسول الله، صلى الله عليه وآله يصيح ويبكي، وينادي: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.
ولكن الحقيقة أعظم وأكبر من قولك أيها الدينوري، بل “أُخْرِجَ عَلِيٌّ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وَاِتَّبَعَهُ اَلنَّاسُ وَاِتَّبَعَهُ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَاَلْمِقْدَادُ وَعَمَّارٌ وَبُرَيْدَةُ اَلْأَسْلَمِيُّ رَحِمَهُمُ اَللَّهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: مَا أَسْرَعَ مَا خُنْتُمْ رَسُولَ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَأَخْرَجْتُمُ اَلضَّغَائِنَ اَلَّتِي فِي صُدُورِكُمْ، وَقَالَ بُرَيْدَةُ بْنُ اَلْخَصِيبِ اَلْأَسْلَمِيُّ: يَا عُمَرُ أَ تَثِبُ عَلَى أَخِي رَسُولِ اَللَّهِ وَوَصِيِّهِ وَعَلَى اِبْنَتِهِ فَتَضْرِبُهَا وَأَنْتَ اَلَّذِي يَعْرِفُكَ قُرَيْشٌ بِمَا يَعْرِفُكَ بِهِ؟ فَرَفَعَ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ اَلسَّيْفَ لِيَضْرِبَ بِهِ بُرَيْدَةَ وَهُوَ فِي غِمْدِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ عُمَرُ وَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ فَانْتَهَوْا بِعَلِيٍّ إِلَى أَبِي بَكْرٍ مُلَبَّباً فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ صَاحَ: خَلُّوا سَبِيلَهُ.
⭐ الأمة الإسلامية بعد أربعة عشر قرناً لا يجرؤ أحد أن ينتقد الخليفة الذي قتل ابنة نبيِّهم ورسولهم لأنه صحابي، ومن الخلفاء الراشدين، فترى راويتهم أبو هريرة يتهم خليل الرحمن بالكذب ثلاث مرات
فَقَالَ عَلِيٌّ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: مَا أَسْرَعَ مَا تَوَثَّبْتُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ بِأَيِّ حَقٍّ وَبِأَيِّ مِيرَاثٍ وَبِأَيِّ سَابِقَةٍ تَحُثُّ اَلنَّاسَ إِلَى بَيْعَتِكَ؟ أَ لَمْ تُبَايِعْنِي بِالْأَمْسِ بِأَمْرِ رَسُولِ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ،؟ فَقَالَ عُمَرُ: دَعْ عَنْكَ هَذَا يَا عَلِيُّ فَوَ اَللَّهِ إِنْ لَمْ تُبَايِعْ لَنَقْتُلَنَّكَ!
فَقَالَ عَلِيٌّ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِذاً وَاَللَّهِ أَكُونُ عَبْدَ اَللَّهِ وَأَخَا رَسُولِ اَللَّهِ اَلْمَقْتُولَ.. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا عَبْدُ اَللَّهِ اَلْمَقْتُولُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا أَخُو رَسُولِ اَللَّهِ فَلاَ.. فَقَالَ عَلِيٌ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلاَ قَضَاءٌ مِنَ اَللَّهِ سَبَقَ وَعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ خَلِيلِي لَسْتُ أَجُوزُهُ لَعَلِمْتَ أَيُّنَا أَضْعَفُ نٰاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً، وَأَبُو بَكْرٍ سَاكِتٌ لاَ يَتَكَلَّمُ فَقَامَ بُرَيْدَةُ فَقَالَ: يَا عُمَرُ أَ لَسْتُمَا اَللَّذَيْنِ قَالَ لَكُمَا رَسُولُ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، اِنْطَلِقَا إِلَى عَلِيٍّ فَسَلِّمَا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقُلْتُمَا: أَ عَنْ أَمْرِ اَللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؟
فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَضُرِبَ بريدة وَأُخْرِجَ، ثُمَّ قَامَ سَلْمَانُ الفارسي واحتجَّ علَيَهِم فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ، ثُمَّ قَامَ أَبُو ذَرٍّ، وَاَلْمِقْدَادُ، وَعَمَّارٌ، واحتجوا على القوم فعُوملوا بنفس القسوة والفظاظة والغلظة.
فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ جَالِسٌ فَوْقَ اَلْمِنْبَرِ: مَا يُجْلِسُكَ فَوْقَ اَلْمِنْبَرِ وَهَذَا جَالِسٌ مُحَارِبٌ لاَ يَقُومُ فِينَا فَيُبَايِعَكَ أَ وَ تَأْمُرُ بِهِ فَيُضْرَبَ عُنُقُهُ؟! وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ، عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ قَائِمَانِ عَلَى رَأْسِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فَلَمَّا سَمِعَا مَقَالَةَ عُمَرَ بَكَيَا وَرَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا: يَا جَدَّاهْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَضَمَّهُمَا عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: لاَ تَبْكِيَا فَوَ اَللَّهِ لاَ يَقْدِرَانِ عَلَى قَتْلِ أَبِيكُمَا هُمَا أَقَلُّ وَأَذَلُّ وَأَدْخَرُ (وأحقر) مِنْ ذَلِكَ.. وَأَقْبَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ اَلنُّوبِيَّةُ حَاضِنَةُ رَسُولِ اَللَّهِ، صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَأُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتَا: يَا عَتِيقُ مَا أَسْرَعَ مَا أَبْدَيْتُمْ حَسَدَكُمْ لِآلِ مُحَمَّدٍ؟! فَأَمَرَ بِهِمَا عُمَرُ أَنْ تُخْرَجَا مِنَ اَلْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ قُمْ بَايِعْ! فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: إِذاً وَاَللَّهِ نَضْرِبُ عُنُقَكَ! قَالَ: عَلَيْهِ السَّلاَمُ: كَذِبْتَ وَاَللَّهِ يَا اِبْنَ صُهَاكَ لاَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْتَ أَلْأَمُ وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَوَثَبَ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ وَاِخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَقَالَ: وَاَللَّهِ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَأَقْتُلَنَّكَ”.