قال، أمير المؤمنين، عليه السلام لقائل قال بحضرته: (أَسْتَغْفِرُ اللهَ): “ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الْإِسْتِغْفَارُ؟ الْإِسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ:
أَوَّلُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَالثَّالِثُ: أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، وَالرَّابِعُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا، وَالْخَامِسُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ، حَتَّى يَلْصِقَ الْجِلْدُ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ وَالسَّادِسُ: أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُاللهَ”.
الاستغفار من الآثار المستحبة المؤكدة، كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، يستغفر في اليوم مئة مرة، وعدم الاستغفار هو عبارة عن استكبار عن عبادة الله، ونحن في الصلاة بين السجدتين يُستحب أن نستغفر الله ونتوب إليه، فإذا حسبنا صلوات الفرائض فهي سبع عشر ركعة، وبذلك يكون عدد الاستغفار، وإذا اضيفت النوافل يزداد العدد.
⭐ الاستغفار مبدأ رئيسي في حياة الانسان المؤمن، لأنه يعبّر عن العودة والرجعة الى الله ـ تعالى ـ وإلى حضيرة القُدس والطهارة
الاستغفار مبدأ رئيسي في حياة الانسان المؤمن، لأنه يعبّر عن العودة والرجعة الى الله ـ تعالى ـ وإلى حضيرة القُدس والطهارة.
الإنسان في غفلة يرتكب ذنبا، أو معصية، لانه لم يخلق معصوما، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: كلُ ابن آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابين”، فهو ـ الإنسان ـ يخطئ ويصيب؛ فيُقدم على الصالحات، ويرتكب الموبقات بسبب ضغط الاهواء والشهوات، لذلك مبدأ الاستغفار مبدأ اساسي لصلاح الانسان، ومن يترك الاستغفار يغفل عن اصلاح وتهذيب نفسه، ومن يستغفر ربه دائما وأبدا يتمكن من تهذيب نفسه، وكبح جماحها المتطاولة.
للاستغفار فلسفة ومعنى يجب ان يحضر عند من يستغفر حتى يؤدي الاستغفار هدفه، أمير المؤمنين، عليه السلام، في الرواية آنفة الذكر بيّن حقيقة الاستغفار، فحين يريد الانسان ان يستغفر لابد ان يستحضر تلك المعاني ـ الستة ـ حتى يتكمن من اصلاح نفسه، فالاستغفار ليس لقلقة لسان، وكلمات ميّتة وحروف جوفاء، لاحياة ولا حِراك لها في سلوك الإنسان!
لابد أن يتحول الاستغفار إلى تغيير داخلي، والى طهارة حقيقية، وبالتالي الى بناء واعمار داخل الإنسان وخارجه.
“الْإِسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ”، هم الذين يسكنون أعالي الجنان، {إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ}، فالمستغفر بالمعنى الذي يذكره أمير المؤمنين، عليه السلام، يصل الى درجة العليين، حتى لو ارتكب ذنبا، لكن حينما يستغفر بالمعنى الذي بينه الإمام، وقُبضت روحه فإن يرتقي الى العليين.
“وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ”، الاستغفار له فلسفة ومعنى وهدف، “أَوَّلُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى”، نقرأ في مناجاة التائبين للإمام السجاد، عليه السلام: “إِلهِي إِنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ تَوْبَةٌ فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنْ النَّادِمِينَ”، والندم هو التأدب، لان البعض يرتكب ذنبا ولا يبالي؛ فيظلم، ويسرق..، لانه فاقد للإحساس والشعور الإنساني، وحين يندم الانسان يفتح باباً كبيراً للتوبة، لانه ـ الندم ـ باب العودة والرجعة الى الله: “إِلهِي أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَابَاً إِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ”.
⭐ ترك الذنب له معاني كثيرة؛ فمثلا عدم الجلوس في مكان هو باعث للذنب، او مصادقة مَن يمارس الذنب، فلابد من ترك كل العوامل، أو المقدمات، التي توقع الإنسان شِراك الذنوب والمعاصي
“وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً”، البعض قد يذنب لكنه يرجع الى الذنب مرةً ثانية، والعزم على الترك لا يأتي بالأماني: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}، وترك الذنب له معاني كثيرة؛ فمثلا عدم الجلوس في مكان هو باعث للذنب، او مصادقة مَن يمارس الذنب، فلابد من ترك كل العوامل، أو المقدمات، التي توقع الإنسان شِراك الذنوب والمعاصي.
“وَالثَّالِثُ: أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ”، حقوق الناس يجب أن ترجع اليهم أيّن كان هذا الحق؛ سواء كان ماديا أم معنويا.
“وَالرَّابِعُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا”، من قبيل قضاء الصلوات الفائتة، والصيام، حج الى بيت الله الحرام ـ لمن يسطيع اليه سبيلا ـ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا في بقية الفرائض.
“وَالْخَامِسُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ، حَتَّى يَلْصِقَ الْجِلْدُ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ”، فالجسد الذي بُني على الحرام، لابد أن يذوّب صاحبه ذلك اللحم الذي نبت من الحرام، ولذا على الإنسان المؤمن ان لا يغتر بالأطعمة والاشربة وما شابه، حتى يكون توجهه الى الله ـ تعالى ـ.
“وَالسَّادِسُ: أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُاللهَ”، فالانسان الذي يرتكب الحرام يتلذذ به، سواء كان طعاما ام غيره، فذاق حلاوي المعصية، فلابد أن يذوق ألم الطاعة في الدينا، وإلا فسيذوق الألم في الآخرة.