قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
ان الله ـ تبارك وتعالى ـ بعث الأنبياء وأرسل الرسل ومنهم سيد الأنبياء والرسل نبينا الأكرم، محمد صلى الله عليه وآله، ليكونوا دعاة إليه وامناء في ارضه ووسيلة عباده إليه.
📌 من أهم الخطوات في حياة المصلح الرباني والداعية الرسالي هو الإعداد النفسي
الانبياء هم حجج الله على عباده، يحتج بهم عليهم، وهم الأسوة والقدوة التي جعلها الله للناس، فمن أراد استثمار الدنيا والاستفادة منها والنجاح فيها وتحقيق العيش الكريم والحياة الطيبة وبناء المجتمع الفاضل والحضارة المتقدمة، وأن يفوز برضوان الله وربح الآخرة، فعليه ان يقتدي ويتبع هدى الأنبياء يقول الله تبارك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
فهاهو النبي محمد صلى الله عليه وآله، قدوة وأسوة لكل من أراد أن يحقق ذلك ولكل من نشد الإصلاح فهو سيد المصلحين، ويملك افضل منهجية إصلاحية استطاع بها ان يبني خير أمة واقوى مجتمع وارقى حضارة.
فيا ترى ماهي استراتيجيات منهجيته؟
وما هي الخطوات الإصلاحية التي قام بها؟ ومن أين بدأ؟
في تتبعنا لسيرة النبي صلى الله عليه وآله، وقرأتنا لها قراءة واعية بصيرة، نرى أنه صلى الله عليه وآله، قد مر بمراحل عديدة في دعوته وعمله الإصلاحي الرسالي، استطاع خلال تلك المراحل ان يصنع: {خيرأُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وتلك المراحل والخطوات التي قام بها كفيلة لمن يتبعها ان يصل إلى مبتغاه في الإصلاح.
وهنا نحن نذكر تلك المراحل والخطوات على شكل الإجمال والاختصار، علنا ان نتخذ من رسول الله صلى الله عليه وآله، قدوة وأسوة لنا في عملنا ومنهجنا، وتلك المراحل هي:
- أولاً: مرحلة الإعداد النفسي
وهي من أهم الخطوات في حياة المصلح الرباني والداعية الرسالي هو الإعداد النفسي، وذلك بالعمل على تزكية نفسه وتربيتها وتكاملها من خلال العبادة لله والتوجه له والارتباط به والنبي صلى الله عليه وآله، اختاره الله واصطفاه واجتباه وطهره وشرفه، ولكنه صلى الله عليه وآله، قام بتلك المرحلة مرحلة الإعداد ليكون عبداً حقيقياً لله وشاكراً له، وليكون أيضاً قدوةً لغيره ومعلماً بسيرته ومنهجه وسلوكه، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام “مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً ْ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ”.
📌 من المراحل الأساسية التي تمر بها العملية الإصلاحية، مرحلة بناء الرجال، حيث لابد من تربية الرجال وبناء القادة ليحملوا أعباء العمل الإصلاحي، ويكونوا هم البديل عن القيادات الفاسدة
هكذا العامل الرسالي المصلح يحتاج إلى إعداد نفسه وتزكيتها وتكاملها حتى يكون مؤثراً في الآخرين وقدوة لهم في سلوكه ومنهجه.
كما أن الإعداد النفسي يساعده على مواجهة التحديات والعقبات في طريقه ويعطيه القوة والارداة في التغلب عليها والاستقامة ومواصلة الطريق.
لذلك كان النبي محمد صلى الله عليه وآله، في بدايات حياته يعتزل قومه ويذهب ليتعبد ويناجي الله في غار “حراء” واستمر على تلك الحالة في إعداد نفسه اعداداً متكاملاً لإداء المهمة والمسؤولية التي سيكلف بها فاستمر على ذلك حتى نزل عليه الوحي وكلفه بأداء الرسالة، وهنا بدأت مرحلة جديدة في حياة النبي من العمل ولكنه مع البدأ بالمرحلة الجديدة وما تلتها من مراحل أخرى الا انه كان يواصل العبادة والتهجد والتوجه والتضرع لله كل ذلك من أجل مواصلة الإعداد النفسي.
- ثانياً: مرحلة بناء الرجال
وهي من المراحل الأساسية التي تمر بها العملية الإصلاحية، حيث لابد من تربية الرجال وبناء القادة ليحملوا أعباء العمل الإصلاحي، ويكونوا هم البديل عن القيادات الفاسدة، وهذا ما عمل عليه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، في مرحلة ما تسمى بالدعوة السرية حيث عمل على تربية رجال تحملوا فيما بعد أشد واقسى المعوقات والظروف في سبيل الدعوة الإلهية، ولم يهنوا ولم يتراجعوا وكانوا خير اعوان لرسول الله صلى الله عليه وآله، و مستعدين لتحمل أي مهمة توكل إليهم ويؤدوها على أحسن وجه.
- ثالثاً: مرحلة إصلاح المجتمع
وهي المرحلة التي عبر عنها المؤرخون بمرحلة الدعوة العلنية، حيث جاء الأمر الإلهي للنبي في هذه المرحلة ان يصدع بدعوته ويبدأ بإصلاح المجتمع، وقد عمل النبي بهذه المرحلة وبدأ بالاصلاح بعدة جوانب ومن تلك الجوانب:
ألف: الجانب العقائدي
فإنه بدأ يعمل على إصلاح عقائدهم وذلك بدعوتهم لعبادة الله الواحد الأحد وترك عبادة كل ما دونه من الانداد، وكان يقول لهم: “قولوا لا إله إلا الله تفلحوا”.
باء: الجانب الأخلاقي والتربوي
فإنه صلى الله عليه وآله وسلم صار يدعوهم للأخلاق الحسنة وترك الأخلاق السيئة وينهاههم عن الفواحش والرذائل، كالزنا وشرب الخمر وأكل المال بالباطل وغيرها من الرذائل، ويأمرهم بالفضائل والمناقب الحسنة.
جيم: الجانب الاقتصادي
فقد عمل الرسول الأكرم بإصلاح الجانب الاقتصادي للمجتمع الإسلامي وذلك بعدة خطوات عمل عليها النبي ومنها التكافل الاجتماعي الذي تمثل بالمؤاخاة التي أجراها النبي بين المسلمين والتي تهدف كانت للتعاون والتكافل وتقسيم الثروات بين الأغنياء والفقراء لتحقيق توازن إجتماعي.
وأيضاً استفاد النبي من فرض الزكاة والخمس وما أشبه كل ذلك من أجل أن لا يكون المال دولة بين الأغنياء.
- رابعاً: مرحلة الإصلاح السياسي
فبعد مرور النبي بكل تلك المراحل واجتيازها، استطاع ان يحقق الإصلاح السياسي وان يبني دولة قوية ذات نظام سياسي عادل يوفر للمجتمع كل حقوقه في العيش الكريم.
فما نتعلمه من سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ان العمل الإصلاحي لابد من مروره بعدة مراحل وشموله على عدة جوانب حتى يصل إلى الإصلاح السياسي، فالاصلاح الحقيقي هو الإصلاح الشامل وليس السياسي فقط.